ربما يكون من المنطق إيقاف البكائيات، والضغط على المشاعر والوجدانيات في مواجهة ما حدث من الاعتداءات في الرياض، وقبلاً في غيرها، ففي هذه المرحلة الحرجة التي أفرزت هذا النّمط من الأسلوب الاعتدائي السّافر في مجتمع يقوم على جذور الموقف الإسلامي من جميع الدَّواعي التي تشكِّل الرغبة في اتخاذ موقف ما تجاه موقف ما، إذ يتعيّن تحكيم العقل، وعرض الأمر برمّته على ميزان المنطق الممثّل ضوابط الإسلام التي لا تبيح ما حدث، ولا تقرّ أيّ أسلوب خارج عن الضّبط يمكن أن يعيد شريعة الغاب، أو يمارس فيه الفرد أو الجماعة سلوك اتخاذ القرار متى يشاء صاحبه بالتَّطاول على أيّ نمط أو آلية للتّنفيس عن موقف ما فكري، أو عقدي، أو اجتماعي، أو نفسي، في تعامل ينفلت عن منظومة الجماعة ويخرج عن مظلّة التشريع.
إنَّ كلَّ مجتمع بشري يحمل في أنظمته مثالية الطموحات، وقد يقصر أداء الأفراد عن الوصول إلى الحد الأعلى عند التنفيذ من هذه المثالية، فتقصر الأحلام أو تتدنَّى الطموحات، وبذلك يكون عادةً الجيد والرديء من نواتج التَّنفيذ، كما أيضاً فإنَّ كلَّ نظامٍ بشري لا يناط بأفراد ولا بجماعات إن كان هناك خلل في التنفيذ بأنظمته أو بممارسة ما يراه الكل أو الجزء من المتعاملين معه أفراداً وجماعات، صواباً أو خطأً، إلا أنَّ هذا الجانب من البشرية الواقعية لا يبرِّر تكوينَ اعتقاد ما بخطأ ما أو صواب ما لأيّ فرد ولا لأيّ جماعة أن تنتهك - نتيجة «تصوراتها» الخاصة به - حرمات الأمن، ولا سلامة الإنسان في أيِّ مجتمع تنشأ فيه هذه «التصوّرات» عند بعض أفراده لا بفعل ذاتي ولا بتأثر بغير.. فهناك حدود وضوابط، وهناك مثوبات وعقوبات، وهناك مبتدأت وعواقب يُقرها الشرع ولا يتنازل عنها قومٌ شريعتهم هي سياستهم هي فكرهم هي سلوكهم هي صورة إيمانهم، ويستدعيها «الفعل» فإن جاء «الفعل» على هذه الشاكلة من التدمير والقتل والمفاجآت من «فئة» بين هؤلاء القوم تغدر وتحيك الخيوط في الظلام وتقوّض الإحساس بالاطمئنان بين الناس فإنَّ لا ما يبرّر هذا السلوك في منظومة أساليب التعامل مع جميع المواقف عند الرضاء عنها أو عند السخط منها ضمن نظام التعامل في ضوء أخلاق التعامل في الإسلام بين الفردِ والآخر، وبين الفردِ والجماعة، وبين الجماعةِ والأخرى، وبين المسؤولِ والمرؤوس..
إنّ مثل هذا الفساد في الأرض يتطلَّب تضافر القوى بدءاً بالفرد في بيته، وفي شارعه، وانتهاءً إلى المعلم في قاعة درسه، والباحث خلف منصّة تدوينه، والأب في دوره المسؤول، والأم في محاضن التربية، وبين المشتري والبائع، والمتحدِّث والسامع، والكاتب والقارئ.. كي تتمَّ محاصرة هذه الانفلاتات السلوكية وتذويبها بالتهذيب التي أوَّل ما يتطلَّب في شأنها ألاَّ يجرؤ عليها من رُبّي ونشأ في بيئة مسلمة دينها دين سماحة، ويسر وأمن وسلام تقف تربية الفرد فيه قوية أمام أيّ تيارات أو مؤثرات من الممكن أن تكون خلف بواعث أو آليات تنفيذ ما حدث.
إنَّها مرحلة العقل والفعل
لا مرحلة البكاء والنحيب
إنَّه الوطن وإنَّه الإيمان
|