أصبحت الفتن تترى وتتتابع على بلاد المسلمين شرقاً وغرباً، بسبب ما آل إليه حال المسلمين اليوم من ضياع وتشتت لبعدهم عن منهج الإسلام، وتسلط الأمم الكافرة عليهم، وخلف هذه الفتن التي يشهدها المسلمون اليوم، يحتاج المسلم لمعرفة المنهج الصحيح في التعامل مع هذه الفتن والابتلاءات والحوادث التي تمر به وتعرض له بعيداً عن صخب التحليلات العسكرية والرؤى السياسية التي ماتلبث أن تزول مع خضم الأحداث دون منفعة عملية تعود على الفرد الذي ليس له أدنى مشاركة في هذه الأحداث.
والفتن تتنوع صورها وأشكالها في النفس والمال والأوطان وغير ذلك، وأعظمها هي فتنة الدين التي ما تلبث أن تعظم في آخر الزمان.
لقد كان لسلفنا الصالح منهج عظيم في مواجهة الفتن وكيفية التعامل معها عند وقوعها، امتثالاً وتطبيقاً لما جاء في الكتاب والسنة، وذلك في أوقات عصيبة لا تقل في كثير منها عن ما يمر به المسلمون اليوم، فمن معالم هذا المنهج في التعامل مع الفتن:
أولاً: الاعتصام بالكتاب والسنة فإنه لا نجاة للأمة من الفتن والشدائد التي حلت بها إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة، فمن تمسك بهما نجا ومن دعا إليهما وحكم بهما فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم يقول تعالى: {وّاعًتّصٌمٍوا بٌحّبًلٌ اللّهٌ جّمٌيعْا وّلا تّفّرَّقٍوا} ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تركت فيك ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي» ويقول عليه الصلاة والسلام: «إنها ستكون فتنة، قالوا: وما نصنع يا رسول الله، قال: ترجعون إلى أمركم الأول.
ثانياً: الاجتماع حول العلماء: وأقصد هنا العلماء الربانيون أئمة أهل السنة والجماعة في وقتهم، فهم أنصار شرع الله والذين يبينون للناس الحق من الباطل والهدى من الضلال في وقت تلتبس فيه الأمور وتسوء فيه الظنون، فالالتفاف حولهم عامل معين على عدم الزيغ والانحراف في وقت الفتن، وقد حدثت في التاريخ الإسلامي فتن ثبت الله فيها المسلمين بعلمائه ومن ذلك ما قاله علي بن المديني رحمه الله: «أعز الله الدين بالصديق يوم الردة وبأحمد بن حنبل يوم المحنة»، وودع الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود أصحابه يوماً فقالوا له: أعهد إلينا فإن الناس قد وقعوا في الفتن ولا ندري هل نلقاك أم لا، قال: اتقوا الله واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة.
ثالثاً: التزام الجماعة: فالجماعة رحمة والفرقة عذاب، والمخرج عند حدوث الفتن والحوادث هو لزوم جماعة المسلمين، ومفهوم الجماعة ليس بالكثرة والعدد، وإنما بالحق المبني على الدليل والبرهان الموافق للشرع وإن كان أتباعه قلة.
رابعاً: التأني والرفق والحلم: فالتأني والرفق والحلم عند الفتن وتغير الأحوال محمود لأنه يمكن المسلم من رؤية الأشياء على حقيقتها ويبصر الأمور على ما هي عليه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه» فعلينا جميعاً بالرفق في الأفكار والمواقف والقرارات في كل ما يجد من الحوادث وعدم العجلة فإنها ليست من منهج الإسلام في شيء وخاصة في زمن الفتن.
خامساً: التسلح بالعلم الشرعي: فهو مطلب مهم في مواجهة الفتن حتى يكون المسلم على بصيرة من أمر دينه وإذا فقد المسلم العلم الشرعي تخبط في هذه الفتن، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «إنَّ من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل».
( * ) المعيد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|