* الجزيرة خاص:
من آن لآخر، تشن وسائل الإعلام الغربية المعادية للإسلام حملات مسعورة تستهدف النيل من عقيدة المرأة المسلمة، وتشويه صورة التزامها الديني والأخلاقي، وسلخها من مظهرها الإسلامي، و حجاب عفتها وطهارتها، وذلك تحت شعارات ودعاوى مضللة تحمل عنوان التحرر والمساواة.
ومع تزايد وتنوع هذه الحملات المشبوهة، تتضاعف مسؤولية المرأة المسلمة العاملة في المجال الدعوي والتعليمي النسائي في مواجهة هذه الادعاءات، وتحسين المسلمات من أخطارها، وتوعيتهن بالأهداف الخبيثة لمثل هذه الحملات.. ويبقى التساؤل: ما هي آليات مواجهة هذا الخطر الذي يستهدف نصف المجتمع الإسلامي، الأكثر مسؤولية عن تربية النشء والأجيال الجديدة؟ وما هو المطلوب من المرأة الداعية في هذا الشأن؟
إعادة ترتيب الأوراق
في البداية تقول الداعية نورة بنت عبدالله الدامغ: إن الحل الأمثل لمواجهة هذه الحملات الخبيثة يتطلب من الأخوات العاملات في الحقل الدعوي بين النساء التركيز على دروس العقيدة، حتى تكون العبادات القائمة ليست مجرد عادات تؤدى، فإذا هبت رياح التغريب حملت معها تلك العادات سراعاً، كذلك التركيز على جوانب الإعجاز العلمي بالقرآن، وضرب الأمثال، وإعادة ترتيب الأوراق، لأن كثيراً مما يلقى على الناس يتم بصورة معظمها سطحي، وما أسرع ما يزول بزوال ذلك المؤثر، وكم من أخت نسمع عن نشاطها لكن لا يتعدى ذلك أسوار تلك الصالة أو المسجد، وإعادة نشر سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بصورة مشوقة، بالتركيز على موقفه من الفتن، وخاصة فيما يتعلق بالمرأة، والأطفال، والحدود، والأعداء، والعبادات، مع نشر جوانب السيرة المؤثرة على مسار التاريخ سواء كانت لقادة أو لنساء قدوات، وفقه العبادات بالاستعانة بوسائل حديثة كالكمبيوتر، وغيره للإثارة والتشويق.
قاعدة نسائية
من جانبها تؤكد الداعية مضاوي بنت عبدالله الهطلاني ضرورة أن تتم مواجهة هذه الحملات بوسائلها نفسها فإذا كان هذا الهجوم على الفتاة من كل جانب في القنوات أو المحلات أو الأسواق فإن الرد يجب أيضاً أن يكون من كل جانب، كأنه يخصص على سبيل المثال أسبوع لموضوع واحد يتناوله الخطباء في خطبة الجمعة «مثل الحجاب» تحدث فيه الآباء و الأزواج في هذا الموضوع، ويوقظون غيرتهم وعزتهم بدينهم ويحرضونهم على الأمانة التي بين أيديهم، كذلك إمام المسجد يلقي وقفة قصيرة بعد كل صلاة عصر أو مغرب أو عشاء حول هذا الموضوع، وفي الأسواق: يخاطب أصحاب المحلات والتجار، ويوضح لهم أن مكاسبهم هذه حرام لأن ما يبيعونه محرم مثل «البنطال، القصير، الشفاف، والعباءة الفرنسية،.. الخ»، وذلك عن طريق النشرات والكتيبات والأشرطة، والمطويات حول هذا الموضوع أو ذلك.
وتضيف الداعية مضاوي الهطلاني، ولابد لمواجهة هذه الحملات من التواصل مع أوسع قاعدة نسائية ممكنة، سواء في المستوصفات والمدارس، من خلال إقامة محاضرات حول هذا الموضوع، وكذلك في دور القرآن الكريم وفي المساجد، ويمكن مشاركة إذاعة القرآن الكريم في هذا الشأن، كذلك قناة المجد لتكثف حديثها في هذا الموضوع، وكذلك مجلة الدعوة في باب «تحقيق»، وهكذا يكون الرد من كل جانب عن كل موضوع.. أما دور الداعية فأولاً وأخيراً يجب أن تكون قدوة في خلقها، وفي سمتها وعفافها وحجابها، ولين جانبها وتواضعها، بالإضافة إلى نشاطها بإلقاء المحاضرات، أو جمع التبرعات لإنتاج الكتيبات والأشرطة، أو حث النساء على حضور هذه المحاضرات.
دعاوى مضللة
أما الأستاذة حصة بنت عبدالرحمن الوايلي مديرة الإدارة العامة للتربية الإسلامية بتعليم البنات فتؤكد أن أول خطوة لمواجهة هذه الحملات هو استشعار عظمة المسؤولية، فالله سبحانه وتعالى يختبر عباده المؤمنين بحسب إيمانهم، وقد صح الحديث «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء»، ويقول الحسن البصري: «إن الحياة دار امتحان وابتلاء لما فيها من مغريات وملذات ولكن المحنة التي سنحاسب عليها تكمن في التزام الطريق المستقيم، فكل الناس في خسران، وبوار، إلا الذين آمنوا بحق وصدق قولاً وعملاً، يقيناً وتطبيقاً»، وما أكثر ما يتبعه أعداء الإسلام لإثارة الشبهات والشهوات، وما يطرح حول المرأة المسلمة، حتى تنهار وتخسر نفسها، وتتحول إلى شخصية ممسوخة مقلدة خاوية، تعاني من الصراعات والضغوط النفسية، وتعيش حالة من المتناقضات بين ما تهواه ويؤدي إلى الخلل والانحراف، وبين فطرتها السليمة التي تشدها إلى الإيمان، ورضا الرحمن، والقيام بواجبها نحو عمارة الأرض، لأنها مستخلفة فيها.
وتضيف حصة الوايلي: إن الهدف من هذه الحملات التي تستهدف المرأة المسلمة، قد تدفعها إلى كثير من التيارات المؤثرة في سلوكها، ومشاعرها، وتفكيرها، مما يؤدي إلى الخوف على عقيدتها، ولكن المرأة الواعية تعرف أن تلك الحملات أتت من بلاد لا تعرف الإسلام، ولا تمتثل بشرع الله، وتهدف إلى إخراج المرأة المسلمة من دينها إلى أماكن اللهو والإغراء، لتكون سلعة تباع وتشترى، وتعرف أن هذه دعاوى مضللة تنخر في المجتمع المسلم، وتتخذ المرأة وسيلة لزعزعة المجتمع الإسلامي، وبالتالي انهيار المرأة التي هي نصف المجتمع بل المجتمع كله، فهي مربية الأجيال، وأم الرجال لذا فالواجب على كل داعية توعية المرأة المسلمة بهذه الأخطار، لأن الوعي يفتح بصرها وبصيرتها، لتفهم معنى الإيمان، وحقائق الإسلام، وتقوِّم سلوكها على هدي شريعة الله، ولتكون أكثر قدرة على أن توظف عواطفها حتى لا تندفع باتجاه الفتنة، ومظاهر الفساد، وهذا يستدعي بدوره إيجاد كوادر قادرة على معالجة كثير من الظواهر السلوكية، وكل ما يخدش العقيدة.
ولا بد من تضافر الجهود، وذلك بإعداد الداعيات اللاتي يستطعن توعية المرأة لتتعرف على مسؤولياتها الحقيقية في بناء المجتمع المسلم، وترتيب الأولويات في حياتها، بعيدة عن التبعية والأفكار المضللة، كما يجب على من تقوم بالدعوة إلى الله أن تعي دورها بعيداً عن الارتجال والتخبط، لتجد المرأة المسلمة أخوات لها في الله يساعدنها على ما تواجهه من حملات تستهدف دينها والتزامها بشرع الله، ولابد لإعداد المرأة التي تتفاعل مع المجتمع بشكل إيجابي الاهتمام بالتربية الإيمانية القائمة على تحمل المسؤولية، والتكاليف المناسبة لشخصية الفتاة، وحسب مراحل النمو العمرية.
من ألوان الحرب
وتقول الأستاذ سارة الفارس المشرفة المركزية بإدارة التربية الإسلامية بتعليم البنات إن ما يحز في النفس ويؤلم القلب ما يشاهد في بعض أوساط نساء المسلمين من مشابهة نساء الكافرين، من التفسخ، والعري، وترك الحياء، والتخلي عن الفضيلة، قدوتهن في ذلك نساء الغرب.. بما يترجم ما أصابهن من الهزيمة الفكرية من نتاج الحرب الفكرية التي شنها أعداء الإسلام على المرأة المسلمة، التي تستهدف عقيدتها وسلوكها، ولا شك أن الغزو الفكري لون جديد من ألوان الحرب على الإسلام، وهو غزو منظم يتم عبر الصحف والمجلات في صورة قصة شيقة، أو نكتة مسلية، أو مقال أدبي، أو حوار فني، أو تحمله لنا القنوات الفضائية لاسيما المرئية منها، ولها أثرها العميق في توسيع رقعة النظرة الغربية المادية للحياة بما فيها من غث وسمين، فالمشاهد لمعروضاتها يطل مباشرة على حياة أصحابها في بيوتهم، ومعاشهم، ولهوهم، ولا يكاد يجد سبيلاً لصيانة نفسه وأهله من تقليد ما يرى، فلا غرابة أن نرى بعض نسائنا تقتفي آثار المرأة الغربية دون تفريق بين ما هو ضار ونافع.
المشاركة في وسائل الإعلام
وتضيف الأستاذة سارة الفارس ولابد من مقاومة هذا العدو الذي يواجهنا بأقوى أساليب الدعاية والاستعداد، فلا ندع العابثين يبثون ألغامهم في تحصيناتنا الأخلاقية، ليحولوا الملايين من بناتنا وشبابنا إلى عناصر هزيمة ومعاول هدم، وأدوات تخريب لمجتمعاتنا وحصوننا الداخلية بما يهدد ديننا وأخلاقنا وأمننا ووحدتنا وترابط مجتمعنا ويبث فيه روح الفرقة والنزاع، وهذه المعركة تقتضي تعبئة كل طاقاتنا لمواجهة العدو، ونحن بحاجة إلى تضافر الجهود لتقويم هذا الخط وتصحيح الاتجاه انطلاقاً من قوله تعالى: {وّلًتّكٍن مٌَنكٍمً أٍمَّةِ يّدًعٍونّ إلّى الخّيًرٌ.. } والمرأة أقدر في كثير من الأحيان على إقناع المرأة لمعرفتها باهتماماتها وميولها، ونفسيتها، ومفاتيحها، ونقاط الضعف منها فيجب على الداعية المسلمة أن تجتهد في توجيه الرأي وتقويم الفكر وبث روح الحشمة والحياء في خلق المرأة المسلمة ليصونها عن التبذل والسقوط في مهاوي الرذيلة والفساد.
كم يجب على الداعية أن تستفيد من كل الوسائل المتاحة لها في الدعوة إلى الله، ولا تقتصر على إلقاء المحاضرات والندوات على النساء، بل ينبغي لها أن تشركهن معها في الحديث والحوار والمناقشة، لتتمكن من تفنيد ما عندهن من أفكار خاطئة وإقناعهن بالحسنى والرفق بما لديها من قيم صحيحة ثابتة بالكتاب والسنة، وهناك وسائل متنوعة وجديدة يجب الاستفادة منها، لأن لتنوع الأساليب والوسائل أثر في استجابة الناس وقبولهم، فهناك الدعوة بالتعلم، والتأليف، وكتابة المقالات في الصحف والمجالات والإنترنت، كما يمكن للداعية أن تشارك في وسائل الإعلام بإبداء رأي أو مشورة أو فكرة ، بإمكانها أن تسهم في الموسسات الدعوية، وتشارك في توزيع الأشرطة والكتب والمطويات النافعة بالطرق المشروعة، ولكي تحظى الداعية بالقبول والاستجابة لابد أن تكون قدوة صالحة في خلقها وسلوكها ومظهرها، فالمجتمع النسائي في هذا العصر بحاجة ملحة إلى القدوة الصالحة التي تكون نبراساً ونموذجاً للنساء المقبلات على الله، وبهذا تكون الداعية قد أدت جزءاً كبيراً من واجبها تجاه دينها ومجتمعها، ومسؤوليتها تجاه أخواتها، وعملت على مواجهة الأفكار الهدامة المضللة التي تستهدف المرأة المسلمة في عقيدتها وسلوكها.
|