يدرس طلابنا في الدراسات الإكاديمية الإعلامية الإعلام على أنه يقوم على الأخبار الصحيحة والحقائق الثابتة والأرقام والإحصاءات وينشأ في ظل هذه التربية الأكاديمية إن صح التعبير على ذلك المعنى ليكونوا بذلك الجيل الجديد من الإعلاميين الذين يعول عليهم إدارة الدفة الإعلامية في المجتمع والنصح له.
إن هذه الفئة من الإعلاميين قد أخذت هذا المفهوم وقد حملوا على عاتقهم هذا الالتزام بالمفهوم العلمي لما درس، إلا أن المعادلة ما تلبث أن ترجح لدى البعض منهم ممن أخذت ميوله الذاتية تصقل خبراته الإعلامية مما أخرج بعضاً من هذه الخبرات إلى الوسط الاجتماعي في المجتمع ولكن ليس بالصورة التي تتطلبها الأمانة الإعلامية.وإننا إذا استشعرنا أهمية الإعلام ودوره في الأيقونة الحياتية لنا اليوم وقدرنا مدى تعرضنا لهذه الرسالة الإعلامية لوعينا مدى خطورة هذه الفئة على المكتسبات والثوابت لعقيدة وأخلاق المجتمع ولأدركنا من جانب آخر مدى تفريط الفئة الأخرى التي تعمل في الإطار الإعلامي الممارس وتنساق خلفه دون السعي لتوظيفه في المسار السليم.
إن للرسالة الإعلامية قدرة على إحداث التغيير في ثوابت المجتمع إما لصالحها وإما لعكس ذلك. ويتجلى لنا هذ االطرح على سبيل المثال من خلال تكرار التعرض للرسائل الإعلامية التي يرغب المرسل بإيصالها لأفراد المجتمع وما كيفية هذا التكرار وتوقيته بحيث يضمن تقبل المشاهد أو القارئ لهذه الرسالة. وقد يكون ذلك كأن يختار وضع رسالة إعلامية عن السلامة من الأخطار على شكل ملصق يتعرض لها أهل حي ما في الصباح وهم ذاهبون لأعمالهم وهي قد تكون رسالة بسيطة وفي توقيت تكون النفس مهيأة لتقبل الرسالة ومع التكرار يكون التبني اللا إرادي أو الاقتناع ومن ثم يحصل التغيير التدريجي على مدى سنوات وفق خطط مدروسة للوصول لأهداف مدروسة.وإنني إذ اسهبت في هذه المقدمة ما كان ذلك إلا لتوضيح مدى خطورة العمل الإعلامي غير المخطط للحفاظ على مقدرات المجتمع الدينية وما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الركن السادس في الإسلام كما عده بعض أهل العلم إلا من أهم هذه المقدرات التي نرى كيف باتت المعادلة سالفة الذكر تستخدم للنيل منه ومحاولة إقصائه عن الحياة العامة فلنا أن نرى كيف أن بعض التعاطي الإعلامي مع هذه الشعيرة قد بات يأخذ منحى الهجوم والتصيد في سعي لتنفيذ أفكار دخيلة على مجتمعنا تهدف للنيل من هذه الثوابت وذلك من خلال بث أفكار توحي بأن هذه الشعيرة ما هي إلا اعتداء على الحريات وما هي إلا تقييد لها وتدخل في الأمور الخاصة وهي تأخذ منحى التطفل وما شابه ذلك وهي تأخذ في ذلك أسلوب التورية تارة والأسلوب المباشر تارة أخرى بذريعة النصح.
إن التعاطي مع هذه الشعيرة لابد أن يكون في إطار واضح مع مراعاة مدى ارتباطها في الجانب الشرعي لئلا نقع فريسة الولوج في مزلق الاستهزاء بالدين أو النيل منه دون أن نقصد فنصبح بذلك أداة لتحقيق غايات لم يهدف لها الإعلام بمنطوقه العلمي المشرف الذي تعلمناه.فهي كلمة أخيرة أختم بها مقالتي هذه إلى العاملين في هذا المجال المشرف البناء ذي المثل السامية والغايات النبيلة علينا أن نتبنى مبادئنا بصدق وتجرد مع العمل الدائب في مصلحة المجتمع وأن نوظف هذه الرسالة في سبيل تحقيق استقلالية فكر الأمة لا تبعيتها وانقيادها.
(*) رئيس قسم الإعلام بإدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
|