* تحقيق:إبراهيم بن عبدالعزيز الشثري
صراع حضارات
إن للتربية في زمن بعض الفضائيات خطورتها وحساسيتها، في زمن ساد فيه الصراع بين الحضارات.. بهذه الكلمات بدأ الأستاذ ناصر بن سعد الخثلان مدير ثانوية المجد الأهلية مشاركته لنا في هذا التحقيق والذي قال: هذا الصراح قائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو صراع يحركه الإنسان بين الحق والباطل وهو من السنن الكونية التي قدرها الخالق جل وعلا.
وأضاف: ولقد أخذ هذا الصراع أشكالاً متعددة ووسائل متنوعة مادية ومعنوية وروحية وتطورت هذه الوسائل مع تطور الحياة واكتشافات هبة الله للإنسان (العقل) لأسرار الحياة إلى أن وصلت وسائل الصراع إلى ما وصلت إليه اليوم وأصبحت تخاطب العقل والفكر والعاطفة ونجحت في هذا إلى درجة كبيرة جداً. وفي هذا الزمن يجد المتابع لوضع الشباب المسلم في العالم وأسلوب تدميره أنه يعتمد على العقل وتفريغه من محتواه ومن ثم تطويعه وتوجيهه الوجهة التي تريدها تلك المجتمعات المناوئة لتحقيق أهدافها في السيطرة على أهم دعامة للأمة المسلمة وهم الشباب. فلقد بدأ ذلك الغزو في تغيير نظام التربية والتعليم إلى أن وصل الآن الى بعض القنوات الفضائية وما يسمى بالبث المباشر وبعض مواقع الانترنت.
وبين الخثلان في هذا الإطار خطورة صور بعض قنوات البث المباشر مشيراً إلى أنها مما ابتليت به الأمة في السنوات الأخيرة، وأخرجت كثيراً من المسلمين عن دينهم بالشبهات والشهوات وبات عدد كبير من الأسر المسلمة يرثى لحالها وفقدات أغلى شيء في الوجود وهو طاعة الله وأصبحت للأسف خارج محيط الدين فلم يعد يربطها بالدين إلا الاسم أما المضمون فأقرب - والعياذ بالله - إلى الضلال وهي على مراتب فمنها من غرق إلى أذنيه ومنها من هام على وجهه أما الموفقون الذين تمسكوا بحبل الله المتين فثبتوا ثبات الجبال على الحق. نسأل الله حسن الخاتمة.
وأكد على أن المراقب لحال الشباب قبل وبعد بعض هذه القنوات يجد اختلافاً كبيراً فالدين لم يعد له أثر على كثير من الشباب الذين هجروا الصلاة وعقوا والديهم وانغمسوا في الرذيلة وشربوا الدخان وأظهروا عوراتهم بارتدائهم ملابس لم يعرفها المجتمع وتفننوا في الإجرام وعصوا معلميهم وجاهروا بكل معصية دون حياء من أحد ولا رادع وآذوا المسلمين في أعراضهم وتمردوا على النظام في مواقف كثيرة مرجعا ذلك إلى ما يتلقونه من مدرسة الدمار الفكري (بعض القنوات الفضائية) التي غسلت عقولهم وقلبت حياتهم ليل نهار دون رقيب.
وحذر سعادته من خطورة هذا الوضع وقال من واقع عملي في الميدان التربوي أن الأمر جد خطير لو استمر الحال على ما هو عليه فإن المستقبل يحمل لنا مفاجآت سندفع ثمنها جميعا وإذا لم نعد بقوة ونأخذ بالأسباب التي هي أصل لما ننعم فيه من رغد عيش ورفاه واستقرار وهي التمسك بهذا الدين وتنفيذ ما أمرنا الله به ونهانا عنه {كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ تّأًمٍرٍونّ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّتّنًهّوًنّ عّنٌ المٍنكّرٌ} وقوله تعالى: {وّمّا كّانّ رّبٍَكّ لٌيٍهًلٌكّ القٍرّى" بٌظٍلًمُ وّأّهًلٍهّا مٍصًلٌحٍونّ} ويجب أن لا نسمح لأي غاوٍ من شياطين الإنس إياً كان أن ينظر لنا ويرشدنا فنحن أمة لا تقبل إلا ما كان من عند الله تعالى العالم سبحانه بما يصلح البشر.
ورد سعادته على بعض الحجج المطالبة بالبديل؟ وقال وكأنه لا يوجد من البدائل إلا ما فيه معصية الله فثمة المئات بل الآلاف من الأسر المسلمة التي لم تأذن لدخول هذه الشرور الى بيوتها ومع ذلك قدمت شبابا صالحين في دينهم ودنياهم ونحن في الميدان نلاحظ ذلك وأجزم أن ما نسبته 90% من المتفوقين في دراستهم والمستقيمين في أخلاقهم وراءهم تربية صالحة وولي أمر يخشى الله تعالى في أبنائه، إنها أسر ربطت أبناءها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أرشدهم الى طريق المسجد من سن مبكرة، كانت قدوة حسنة لهم حفظت نساءها من التبرج والسفور، جاهدت في الله بكبح جماح الهوى والشهوة فهداها الله سبل السعادة الحقيقية ثم نشاهد من أبنائها المهندس والطبيب وعالم الكمبيوتر والداعية ولم يكن للقنوات وجود في حياتهم، ولم يلهث آباؤهم بحثا عن البدائل تلك!!
واختتم الأستاذ ناصر بن سعد الخثلان حديثه بكلمة وجهها لكل من ولاه الله تعالى مسؤولية رعاية أبنائه أو من هم تحت ولايته بأن يتقي الله ويرعى الأمانة التي سيسأل عنها يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار وأن لا يتركهم بحيث يقعون في خطورة احتواء وتبني بعض الأفكار الضارة.
أعذار وحلول
لا شك أن الحيل النفسية والأوهام ونحوهما، لها أثر كبير في اضعاف قوى المربين. هذا أمر يعرفه أهل هذا الاختصاص.. بهذه العبارة ابتدأ عضو الدعوة في الشؤون الدينية بالقوات البحرية بالرياض الشيخ خالد بن علي الحيان مشاركته لنا في هذا التحقيق. وقال إن ثمة إشكالات تعتري الأبوين اللذين هما النواة الأولى في التربية، ومما يؤسف له أن تجعل تلك الاشكالات أعذاراً وعقبات في القعود عن القيام بواجب التربية، كما أن في النظم من الاشكالات وهي ليست اشكالات وإنما تأتي تبعا لطريق التربية، والمربون على علم بها.
وفند فضيلته العقبات التي يتصور وقوعها أمام التربية في مثل هذا الزمن قائلاً: كان حريا بنا أمام هذه الأعذار أن نقف عند كل عذر منها للأجابة عليه وبيان زيفه.
* العذر الأول: يقول الأبوان نحن قد فعلنا وبذلنا و... و... حتى نربي ونصلح أبناءنا ولكن عجزنا! لم يستجيبوا ولم ينصاعوا لنا وكأننا لم نعمل شيئاً، والحل: أن نُدرك النقاط التالية:
- أن هناك سبباً إما في الأبوين وإما في الأبناء.
- لعل هذا من الابتلاء والذي يحتاج إلى دعاء وصبر ومجاهدة فيهما.
- إعادة النظر في كيفية المعاملة معهم وأسلوبها.
- الاستعانة بمن لهم علم في أمور التربية.
* العذر الثاني: أن كل من الأبوين يلقي مسؤولية تربية الأبناء على الآخر فالأم تقول كلامي غير مسموع فضلا على انهم لا يخافون مني، والأب يقول: الأم هي أكثر مني بقاء في البيت ولديها من الوقت ما ليس لي!. والحل: أن يعلما أن كلا منهما عليه ما على الآخر والعكس، فلا ينتظر أحدهما من الآخر في أن يقوم بمهمته إذ كل منهما مكمل للآخر في هذا الشأن والاخلال بهذا إخلال بأسس وقواعد التربية السليمة، واتفاق الأبوين باجتماعهما على تربية أبنائهما، ومن ذلك يعلم الأبناء بأهمية الأمر الذي يؤدى نحوهم ويحسبون لكل أمر حسابه أمام الأب والأم، وهذا مما يجسد مسؤوليتهما أمام الله وهما يسعيان جاهدين وجادين في تربية أبنائهما ومجتمعين ومتفقين في جميع شؤونهم والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
* العذر الثالث: أن بعض الآباء والأمهات، يتعللون بأنهم يجهلون أمور وأساليب التربية الحديثة، والحل: أن نبذل لأنفسنا ونسعى جاهدين في تعليمها وتطويرها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما العلم بالتعلم» الحديث. وجميع وسائل التربية متوفرة ومتيسرة ومتنوعة، وليس على الأبوين إلا الجد والحرص مستعينين بالله ثم بمن له خبرة في مجال التربية، وعليه فليس من المعقول أن يتعلل بالجهل والعلاج موجود قال صلى الله عليه وسلم: «ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء» رواه البخاري.
* العذر الرابع: كثير من الآباء والأمهات ما يجعلون المجتمع وما فيه عقبة أمامهم في تربية أبنائهم فلسان حالهم ومقالهم يقولون ليس هناك من يعين على التربية وإن وجدوا فهم يحتاجون الى من يربيهم، والمجتمع فيه من معوقات التربية الشيء الكثير فبعض القنوات الفضائية من جهة وبعض الصحف والمجلات الفاسدة من جهة أخرى وهلم جرا. والحل: أن يعلم الآباء والأمهات أن من المعلوم والمتقرر ان أي مجتمع لا يسلم من المفسدين لكن لا يعني أن ليس هناك من المصلحين أحد وهذا من سنن الله الثابتة ثم يبقى أن نقول للأبوين: هل سعيتما وبذلتما السعي والجهد في الأخذ باسباب التربية حتى تحلمان على أن المربين يحتاجون الى تربية! وكيف علمتما ذلك؟ ولو سلمنا أن الوضع كما ذكرتما، فهل يعني أننا نستسلم ونيأس. لا.
إذ لدى الأسرة في البيت من الجو المهيأ لتربية ما لو أنه استغل الاستغلال التام الصحيح لكان على الأقل مقللا من انحراف الأبناء كيف والأبوان قدوة لأبنائهما.
مسؤولية التربية
قّالّ سّآوٌي إلّى" جّبّلُ يّعًصٌمٍنٌي مٌنّ المّاءٌ} ولما قال نوح لربه عز وجل {إنَّ ابًنٌي مٌنً أّهًلٌي} قال الله له: {إنَّهٍ لّيًسّ مٌنً أّهًلٌكّ} ..
أي ليس من أهلك الذين وعدتك بانجائهم لأنه مخالف لك في الدين، قال الإمام القرطبي رحمه الله على هذه الآية: وفيها تسلية للخلق في فساد أبنائهم وإن كانوا صالحين «أي الآباء»، ولما وقع ابنٌ للإمام مالك - رحمه الله - في أمر قال أبوه: الأدب أدب الله لا أدب الآباء والأمهات والخير خير الله لا خير الآباء والأمهات فالاستقامة والهداية والصلاح بيد الله عز وجل وإنما الوالدان بيدهما التوجيه والتربية والتقويم.
|