كانت الصدفة في المسجد في يوم الجمعة، حيث جمعت بين رجل فاضل بلغ من سمو الأدب وكرم الخلق اعلى درجات التفضيل، وبين رجل وضع نفسه مكان الواعظ حيث قال لذلك الفاضل: ان «مشلحك مسبل» وعليك تقصيره.
وفي الجمعة الثانية كان ذلك الفاضل الذي لا يعرف الخيلاء، بل لم ار رجلاً قط قد تواضع تواضعاً تجاوزبه نظراءه من اصحاب الرتب العالية، والمكانة الرفيعة السامية، قد جاء الى المسجد متجرداً من «مشلحه» فاستثار ذلك فضولياً، فسألته لماذا جئت بلا «مشلح» وليس هذا من عادتك وبخاصة يوم الجمعة؟ فقص علي قصة واعظه، وقال: اخشى ان تتكرر منه النصيحة. ولعلمي التام بأن ذلك الرجل الفاضل لا تهمه المظاهر بقدر ما يهمه الالتصاق بالمجتمع بكل ما يملكه من لباقة ولطف وحسن خلق نفث الكثير منها على سن قلمه فدونه في مؤلفات ادبية وتاريخية اتحف بها المكتبة العربية - قلت لعلمي بذلك الواقع: بادرت الى رسم تلك الصورة الفضولية في ابيات مزجت فيها واقع حال ذلك الرجل الواعظ، بمداعبة ذلك الرجل الذي يتمتع بأعلى درجات الوقار، فقلت:
بحسن اللباس تُخَص الجُمَع
وسُنَّ المجيءُ لها في البكور
بخطوٍ وئيد وسير بطىء
وفيها يفضل مس العطور
وقد رابني من اديب اريب
وصاحب جاه بكل الامور
ومن عِلية القوم في حقبة
تبارك موقعها في الدهور
أتى للصلاة بلا «مشلح»
وما تلك عادته في الحضور
فقال خلعته.. ارضي الذي
دعاني لنبذ لباس الوقور
وبالغ في النصح عن لبسه
وقال: اسبالا ورمز غرور
ولو كان يعلم اني بريء
من الخيلاء واهل الشرور
لو فر النصح لمن يسحبون
«مشالحهم» طمعا في الظهور
وحب التعالي بما يلبسون
ليخفوا به ما بهم من قصور
وتابع النصح برفق مبهم
يدل بأنه ذاك الغيور
على دينه ما استطاع له
من الامر.. لا يعتريه الفتور
وغاص الى اللب في نصحه
وعاف التوقف عند القشور
واصبح بالوعظ في نعمة
وخص بوعظه أهل الفجور
لكان بذلك أجدى له
لدى من يقابله بالنفور
|
احمد عبد الله الدامغ
|