بلمح البصر.. وفي وقت قصير جداً.. وجد الشباب أنفسهم أمام العالم بأسره دون جمارك ولا جوازات سفر ولا حتى مجرد استئذان من الآباء.. وأخذوا يتجولون بين مواقع الإنترنت والصفحات المتوفرة بين شبكتها الدولية.. وبالتأكيد فإن هذا الأمر الغريب والجديد بالنسبة لهؤلاء الشباب، كان من الأهمية ما جعلهم يتسابقون إلى مقاهي الإنترنت المنتشرة في كل شارع.. وكل حارة.. ومن لا يتردد على المقاهي تراه منزوياً في حجرته بالمنزل.. ويقضي الساعات الطوال من الليل والنهار أمام جهاز الكومبيوتر العجيب وهو لايصدق أن العالم كله بين يديه!! يتكلم.. يشاهد.. ويزور من يشاء وفي أي بقعة من بقاع الدنيا وهو في تلك الحجرة الصغيرة التي كثيراً ما يخفي على الآباء والأمهات ما يدور خلف بابها من أمور تتعلق بابنهم الشاب!!
إننا ومهما تحدثنا عن الإنترنت وهوس الشباب وإقبالهم عليها، فإننا لن نأتي بأمر جديد.. فالدراسات العلمية الدقيقة.. والإحصائيات المقننة قد أعطتنا ما نريده حول كل ما يتعلق بهذا الخصوص.. وهذا ما شاهدناه وقرأناه وسمعناه في وسائل الإعلام المختلفة.
وفي يوم من الأيام أردت الغوص في أعماق أكثر المواقع انتشاراً وشعبية بين الشباب «الشات والدردشات».. لم أكن غامضاً في تعاملي معهم على الإطلاق بل اقتحمت الشاتات العامة والغرف الخاصة وأبلغتهم أنني أقوم بدراسة بسيطة حول عالم المحادثات عبر الإنترنت وأريد آراءهم بصراحة وصدق.
ولكن الذي لم أكن أتصوره هو تجاوب«المدردشين» معي دون قيد أو شرط بل إن بعضهم بدأ في سرد قصص واقعية حدثت معه في ميدان الدردشة.
وهنا أود أقدم عدداً مما جاء في حواري معهم..
*الشاب«ياونة ونيتها معرفش ليش» يقول:
لقد تمنيت أن أتحدث عن هذا الأمر من زمان ولكن لم أجد الفرصة، صدقني أنني لست راضيا عن نفسي على الإطلاق وكثيراً ما أغلق الجهاز وأنا في حالة من التوتر الشديد مع العزم الأكيد على الإقلاع من مطار الدردشة ولكني لم أقو على الفراق.
* والشاب «أمير العذاب» من إحدى الدول العربية يقول:
أهلاً بك في محادثة خاصة معي!! ولكن في البداية أرجو أن تحدد الطريقة التي تود الحديث بها؟ هل تريد أن نقضي وقتاً من «الهسترة والتنكيت» أم تريد أن «نتبادل السب والشتم على مستوى الفرد والجماعة»؟ وعندما سألته عن سبب هذا التقديم قال نحن هنا نتقلب كيف نشاء ونسير مع الناس كما يريدون وفي أي مجال كان!
* أما «النملة المتينة» فتقول:
لقد احترت في اختيار الاسم الذي يناسبني وعندما دخلت الشات وجدت أن جميع الاسماء السعيدة والحزينة والجادة والهزلية قد استنفدت ولم يبق لي منها نصيب فلجأت إلى النملة!! وحين سألتها لماذا المتينة بالذات؟ أجابت: أشعر أنه مميز أكثر من النملة«حاف»!
* «أسيرة الأحزان» تقول:
والله لم أشاهد الحزن في حياتي وأنا أعيش في ظروف ممتازة من جميع نواحي الحياة وأمارس حياتي بشكل طبيعي ولكن أبحث عن الاسم الذي ينطبق على حال الكثير من الشباب والفتيات.. تقول إنني أراجع نفسي يومياً على الوقت الذي أقضيه أمام الجهاز وكثيراً ما تناقشت مع زميلاتي عن هذا الموضوع ولكنها العادة التي أصبحت جزءاً من حياتي.. وأكثر ما يؤسفني هنا هو المستوى الذي وصل إليه تفكير الكثيرين من الشباب على مستوى الوطن العربي..
* الشاب«سأظل أبكي إلى الأبد» يقول:
كم تمنيت أن أتحدث إليك على الهواء مباشرة كي أروي لك تفاصيل قصتي المؤلمة على الشات!! فمنذ ما يزيد على ستة أشهر كاملة دخلت هذا الشات وأدمنت التنقل بين غرفه المتنوعة.. فتعرفت على من سمت نفسها «لن أتزوج إلا من أحب» يقول: دفعني الفضول للحديث معها على الشات والتعرف عليها وبدأت أتحدث عن نفسي ودراستي ورحلاتي الشيقة في سنوات عمري الحالمة.. وأخبرتها عن كل ما سألت عنه من خصوصيات حياتي.. كل هذا وأنا لا أعرف إلا أنها «لن أتزوج إلا من أحب»!!
وبعد هذه المدة الطويلة وفي إحدى الليالي التي أعددت فيها فصلاً جديداً من الحكايات، أتفاجأ بقولها.. يا أخ«مزيون- كما كنت أسمي نفسي-» تقول: أنا شاااااب مثلك وأعيش في دولة بعيدة عنك ولكن للأسف لم أحبك حتى الآن!! ومنذ تلك اللحظة وأنا في صدمة شديدة وأسمي نفسي«سأظل أبكي إلى الأبد»..
* أما «عاشق التحدي» فيقول:
بدأت الدخول إلى الشاتات منذ مدة بسيطة جداً حيث وجدت عملاً في أحد مقاهي الإنترنت فكانت الفرصة المواتية.. يقول أدخل الشات ولا أدري إلى أين أريد الذهاب وسرعان ما أتعرف على أحد الموجودين في الغرف العامة وأبدأ الحديث معه.. وبصراحة لم أذكر مرة أن قابلني أحد منهم وطلب مني حواراً جاداً.. ووالله لقد بدأت أقضي على الجهاز أكثر من «12 ساعة» يومياً!!
* وأثناء تنقلي في أحد الشاتات.. قرأت اسما يقول«الطبيب خالد» تشجعت للحديث معه وقلت له مباشرة: د. خالد ممكن أعرف اختصاصك؟ قال لي بعد أن كتب بخط عريض ومتكرر: موتني من الضحك يا شيخ.. اختصاصي«ثانوية عامة بالدور الثاني يا شاطر» بس أحلم أكون طبيبا.. هاهاهاااااي!! صدمت وهربت من أمامه.
* أما «هامسة الخليج» فتقول: لقد تسبب الشات في مشاكل كثيرة داخل الأسرة حيث أرهقت والدي بالفواتير المتواصلة والعالية القيمة ولكنه كان يدللني كثيراً وكانت أمي هي الضحية.. وبالرغم من أنني أعرف جيداً أن هذا الوقت الذي أقضيه لن ينفعني بل هو الضرر الأكيد، إلا أنني لم أقاوم الرغبة الشديدة التي تشدني لفتح الجهاز ودخول الشات بشكل يومي.. وبصراحة أقولها لك: الوضع غير مناسب إطلاقاً!!
* وهذا هو الشاب«ملك الشوق» يقول: فصلوا الخط الهاتفي بسبب عدم سدادي الفاتورة العالية.. فقدمت خطأ آخر باسم أحد زملائي ولكنه خلال «3 شهور» سرعان ما لحق بالأول، الأمر الذي دفعني للسكن في مقاهي الإنترنت طوااااال الليل!!
* وبعد يامن تبحري معي على متن الشواطئ.. والله لو بقيت أسرد لك ما وجدته خلال أيام قليلة لما انتهى الحديث حتى آخر يوم في حياة الشات«لا بارك الله في الشات»..
هذا الكلام وهذه القصص والاعترافات لا تعني عدم وجود فئة تستفيد من الشات في حوارات هادفة.. ولكن ماورد على ألسنة الغالبية هو أن النسبة العظمى تتسلى وتضيع الوقت وتسب وتشتم وتهرج وتمرج ولا تجد لها عملاً إلا التنقل بين الغرف المتنوعة على الشات.
جميل فرحان اليوسف
سكاكا- الجوف/ص .ب 495
|