صحيح ان الفاجعة كبرى والخطب فادح والمصيبة جلل إلا ان ذلك لاينسينا ضرورة التفكير بعقلانية والتروي والتأني والبعد عن الانفعالية والارتجالية في اتخاذ القرار ومعالجة الخطر. ان الفكر حقيقة لايمكن تجاوزه إلا بالفكر ومقارعة الحجة واشهار الدليل ولطالما نبَّه الغيورون على هذه الأمة ومقدراتها العلمية والشرعية على ناقوس الخطر القادم والمتمثل في الفكر الخارجي التكفيري الذي وجد في شبكات المعلومات «الإنترنت» مرتعاً آمناً خصباً روج من خلالها لأفكاره وبث سمومه وارائه والتي يمكن تنظيرها بالآتي:
1- انها جاءت نتيجة تفاعلات عديدة وأحداث متسارعة بادروا لاستغلالها في صالح تلك الأفكار والتمويه على الصغار والدهماء بان تلك الأحداث تستدعي المواجهة العسكرية الحاضرة استعمال كافة السبل المتاحة والممكنة والتي على رأسها بالطبع العنف والذي يحمل معه ازهاق الأرواح وقتل النفوس الذميَّة حتى لو جرى في سبيل تحقيقها دماء مسلمة.
2- الغياب الكبير للمُحاور المجيد والمتمكن لأولئك عن طريق احتواء فكرهم ومقارعة حجتهم بعيداً عن التهميش والاستخفاف اللذين يولدان مثل هذا النشوء المبتور والمعتوه.
3- تقصير المرجعية الشرعية في ذلك والفجوة الهائلة التي طالما نادى بسدها المتابعون بين طلبة العلم والعلماء والشباب والكبار والعامة والخاصة.
فهذه أفنية فراغ واسعة مشهودة يتم ا ستغلالها وملؤها بشخصيات مشبوهة وأخرى معتوهة.
وجعل الشباب والناشئة في خضم هذا التلاطم الكبير.
إن على علماء الأمة ورجال الفكر والدعوة ان ينزلوا إلى ميدان شبابهم وألايظلوا قابعين في أبراجهم فلا يعلمون ولايدرون مايجري في الساحة التي تسكب كل ساعة نوازل ومستجدات تحتاج إلى مزيد بسط وبيان وعلاج وإلى متى الفصل بين قضايا الساعة وأحداثها وبين دور العلماء فيها، فيتم اثر ذلك استغلال أبنائنا وفلذات أكبادنا من أولئك النشاز في تلك المآسي الإجرامية الدامية.
من المسؤول عن هذا الخرق والشرخ المؤلم بين صفوف الشباب والعلماء حتى آل المصير إلى هذه النهاية المؤسفة.
4- يجب ألاتقودنا وتدفعنا تلك الأحداث إلى مغالطات أكثر تطرفاً وعنفاً مما وقع وذلك بوصم كافة الأنشطة الإسلامية والنخب العلمية في الأوساط الشرعية انها تحمل الفكر ذاته والعنوان نفسه.
ان علينا ألا نستهين أو نخنع أو نتسامح مع هذا الفكر المشين لكنه في ذات الوقت يتعين ألا تكون جرعة العلاج له أكثر من اللازم فتؤدي إلى نتائج عكسية وعواقب وخيمة.
5- ان على وسائل الإعلام دوراً مهماً في تجاوز المراحل السابقة وتقديم المعالجات الراشدة لتلك النوازل والفواجع بعيداً عن التعميم والاستعداء لأبرياء وأسوياء.
وكم هو مؤسف حين يصل الأمر إلى ان يوصف خطابنا الدعوي والديني بأنه طيلة السنوات الطويلة الماضية بالفشل.
مع أن وجود خطأ في مرحلة من المراحل واختراق فكر وافد محدود ضيق لمحيط أمة كبرى لايعني بالضرورة خطأ الخطاب برمته وفشل المنهج بمجموعه.
وأجزم ان مجتمعنا واجه العديد من تلك النوازع الشريرة والتي تظهر مابين فترة وأخرى لكنها سرعان ما تسقط وتتهاوى وتنهار.
إن هذه الأحداث تقودنا بحق وجد وعزم واصرار إلى ضرورة المراجعة المتأنية البعيدة عن قلب الحقائق وجلد الذات واسقاط الأخطاء على الآخرين.
وإن التكاتف الصادق بين القيادة والشعب وولاة الأمر والعلماء وأرباب القلم والفكر والدعوة والبيان خصوصاً في هذه المرحلة أقوى سلاح.
ان علينا ان نعي بمصداقية تقودنا إلى العمل الجاد بان شبابنا مستهدف في شتى أطيافه ومستوياته.
وإذا كانت الأرض الدينية الخصبة التي تعيشها بلادنا مصدر عز وفخر فلا يعني ذلك ان التحول من قبل البعض إلى أداة تدمير وخراب مروضة النصوص الشرعية لايديولوجيتها ومنطقها وأهدافها على حساب شبابنا وفلذات أكبادنا ومقدراتنا يقودهم أنصاف متعلمين وأصحاب أهواء دينية ونفسية وحزبية معلومة.
وإن أعز كلمة تقال في أوج الحدث وحرارته ان نصلح أوضاعنا ونداوي جراحنا بأنفسنا لا من الآخرين الذين قد يجدون في ساعة الحرج والألم فرصة لأغراض سيئة ومقاصد شريرة.
وخير وصية ألا يستخفنا أولئك الطائشون ويوقعوا بيننا ما ينتظره الحاقدون.
حمى الله بلادنا من شر المغرضين وصانها من مقاصد المتربصين.
|