تتعدد الخطوب والفتن، وتتنوع المصائب والمحن، إلا أنها تتفق على كونها مصيبة، ولحظة على النفس عصيبة، وأنها في حياة البشر نوع من أنواع الابتلاء، ونازلة من نوازل البلاء، يبتلي الله بها من عباده من شاء {وّلّنّبًلٍوّنَّكٍم بٌشّيًءُ مٌَنّ الخّوًفٌ وّالًجٍوعٌ وّنّقًصُ مٌَنّ الأّّمًوّالٌ وّالأّّنفٍسٌ وّالثَّمّرّاتٌ}. فهذا يبتلى بنقص في ماله، وذاك يبتلى بهلاك أهله وولده. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره معلقاً على هذه الآية «1/198»: «أخبرنا تعالى أنه يبتلي عباده أي يختبرهم ويمتحنهم تارة بالسراء وتارة بالضراء من خوف وجوع.. {وّنّقًصُ مٌَنّ الأّّمًوّالٌ} أي ذهاب بعضها {ّوالأّّنفٍسٌ} كموت الأصحاب والأقارب والأحباب{وّالثَّمّرّاتٌ}.. وكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده فمن صبر أثابه ومن قنط أحل به عقابه. ولما كان الابتلاء سنّة من سنن الله في خلقه، فقد وعد الله عباده الصابرين المحتسبين بالأجر العظيم، والثواب العميم، فقال جل وعلا: {وّبّشٌَرٌ الصَّابٌرٌينّ (155) الّذٌينّ إذّا أّّصّابّتًهٍم مٍَصٌيبّةِ قّالٍوا انا لله وانا اليه راجعون(156) أٍوًلّئٌكّ عّلّيًهٌمً صّلّوّاتِ مٌَن رَّبٌَهٌمً وّرّحًمّةِ وّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ المٍهًتّدٍونّ}. وإن من المصائب والمحن، ما فعلته أيدي الخوارج - عاملهم الله بما يستحقون - من فساد وإفساد، وترويع للعباد، وزعزعة لأمن هذه البلاد، وإهلاك للحرث والنسل، والله لا يحب الفساد، وقد طالت فيمن طالت تلك الأيادي الظالمة، المجرمة الآثمة، أخاً عزيزاً كريماً، وابناً براً رؤوفاً رحيماً، عرفته وجالسته، فعرفت فيه الخير ومحبة أهله، ومجانبة الشر وأهله، فقد كان - رحمه الله - دمث الخلق، لين الجانب، من رآه أحبه، ومن خالطه آنس قربه، يقابل القاصي والداني بابتسامة صادقة، ونفس مرحة متواضعة، ما رأيته مذ رأيته إلا ووجهه مسفر، وثغره ضاحك مستبشر، وما قابلته قط إلا وسابقني السلام والسؤال عن الحال والمآل، ولا رأيت أحداً قط إلا وأثنى عليه بما هو أهله، وسجّل فيه من عبارات الثناء ما يستحقه، وإني لأرجو الله جل وعلا أن يكون من أهل الجنة، وقد قال ابن ماجة - رحمه الله - في سننه: «باب الثناء الحسن» ثم أورد قوله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تعرفوا أهل الجنة من أهل النار قالوا بم ذاك يا رسول الله قال بالثناء الحسن والثناء السيئ أنتم شهداء الله بعضكم على بعض»، وأخرج الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنه لضعيف العبادة». كما أنه - رحمه الله - كان ذا ثقة كبيرة بنفسه، عارفاً لقدرها ومقدارها، لذا؛ كان متواضعاً إلى حدٍ بعيد، عرفه بذلك القريب والبعيد، فزملاؤه وأصدقاؤه كلهم سواسية في تعامله معهم، يقدر الكبير، ويرأف بالعاجز الفقير، يحترم من يساويه في سنه، ويجل من هو أعلى منه في مكانته وفضله وعلمه، وليس هذا بغريب، ولا من مثله عجيب، فوالده سعادة الشيخ عبدالله، وجده الأستاذ الأديب الشيخ محمد بن عبدالله، فهو كريم من نسل كريم، وحقاً «الطيِّب لا يستغرب من معدنه، والمعروف لا يستنكر من أهله». وإنني بهذه المناسبة أحب أن أذكِّر كل محب لأبي لين ولينا، وأقول: صبراً أبا محمد.. فإن من أعظم نوازل البلاء والمحن، فقْد الأولاد، وفلذات الأكباد، وثمرات الفؤاد؛ لذا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم هذه المحنة، فقدَّرها حق قدرها، ورتب عليها الثواب العظيم، بدخول جنات النعيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، فيما أخرج أحمد وابن قانع في معجم الصحابة وابن منده في المعرفة عن حوشب: «من مات له ولد فصبر واحتسب قيل له ادخل الجنة بفضل ما أخذنا منك». وأخرج النسائي عن ابن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فصبر واحتسب بثواب من الجنة». وأخرج أحمد والترمذي وحسنه، وابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي، فيقولون نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي، فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد». وصبراً زوج محمد، وصبراً ذويه.. وإني أذكِّركم، بما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيراً منها . قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم». ولنعلم أيها الاخوة أن دروب الحياة دروب محن ومشقة، وإن مما يعين على تجاوزها وعبورها هو تقوى الله والصبر {يّا أّيٍَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا \صًبٌرٍوا $ّصّابٌرٍوا $ّرّابٌطٍوا $ّاتَّقٍوا پلَّهّ لّعّلَّكٍمً تٍفًلٌحٍونّ}. وأخيراً.. أبا لين ولينا سنذكرك والله ما حيينا.. وستبقى فينا ما بقينا.. ولا نملك إلا أن نقول: «إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا محمد لمحزونون».
*المستشار بإدارة الشئون الأمنية بإمارة منطقة الرياض وعضو هيئة التدريس بكلية الملك فهد الأمنية
|