|
|
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد.. فإن الكلمات لتقف عاجزة والعبارات لتضطرب حائرة في دقة التصوير وعمق التعبير لهذا الحادث الجلل والمصاب الأليم الخطل الذي وقع في مدينة الرياض عاصمة بلاد التوحيد - حرسها الله - ويُعد بحق سابقة خطيرة تحمل نذر سوء وتورث قلقاً يخشى ان تمتد آثاره الى ابعاد خطيرة، وشرور مستطيرة، إنها جريمة نكراء، وفعلة شنعاء، تخطر أن وراء الأكمة ما وراءها، فأي دين وعقلية، بل أي مروءة وإنسانية، تحمل على ارتكاب هذه الفظائع، والإقدام على تلك الفواجع، واستمراء مثل هذه الشنائع، وإنها بصدق عمل فظيع، وجرم شنيع، ولون من ألوان الإفساد في الأرض وصورة من صور المحاربة لله ولرسوله وللمؤمنين والغدر مع المعاهدين والمستأمنين فأفٍ لنفس تتوق لقتل الأبرياء، واراقة الدماء، وتناثر الأشلاء، .. ويأبى الله ورسوله والمؤمنون أن يكون خير واصلاح في الارهاب، وان يكون أمن وفلاح في الارعاب، وان يتحقق استقرار ونجاح في أعمال العنف والتفجيرات، والقتل والتدميرات، ونسف عامر البنايات، ولقد قصدت الشريعة الى حفظ الضرورات الخمس وهي: الدين والنفس والعقل والمال والعرض، وحرّم الإسلام الظلم والعدوان وازهاق الأنفس المعصومة وجعل عاقبة ذلك الغضب واللعنة والعذاب العظيم في الدنيا والآخرة قال تعالى:{وّمّن يّقًتٍلً مٍؤًمٌنْا مٍَتّعّمٌَدْا فّجّزّاؤٍهٍ جّهّنَّمٍ خّالٌدْا فٌيهّا وّغّضٌبّ اللهٍ عّلّيًهٌ وّلّعّنّهٍ وّأّعّدَّ لّهٍ عّذّابْا عّظٌيمْا (93)} [النساء: 93] وقال سبحانه: {وّلا تّقًتٍلٍوا النَّفًسّ الّتٌي حّرَّمّ اللهٍ إلاَّ بٌالًحّقٌَ } [الإسراء: 33] وقال عز وجل {مّن قّتّلّ نّفًسْا بٌغّيًرٌ نّفًسُ أّوً فّسّادُ فٌي الأّّرًضٌ فّكّأّنَّمّا قّتّلّ النَّاسّ جّمٌيعْا} [المائدة: 32] وقال صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة». إن كل من في قلبه أدنى ذرّة من إيمان وأقل مسكة من عقل ليستنكر أشد الاستنكار ويدين أشد الإدانة هذه الأعمال الوحشية، وتلك الجرائم الهمجية، وإن الواجب على المسلمين جميعاً ان يتعاونوا في القضاء على هذه الظواهر المفزعة، وتلك السوابق المفجعة، واستئصال شأفتها، ويكونوا يداً واحدة وعيناً ساهرة لحفظ دينهم وبلادهم ومنهجهم، كما يجب الإبلاغ وعدم التستر على كل من أراد تعكير الأمن أوالسعي في الأرض بالفساد.. وعلى كل مشترك في الجريمة سواء بجلب هذه المتفجرات او الإعانة على نقلها او التواطؤ في تهريبها او السكوت على اصحابها، وإننا لنرفع خالص عزائنا وصادق مواساتنا لولاة أمرنا ولذوي المتوفين، وان يعجل بالشفاء للمرضى والمصابين، مشيدين بما تنعم به هذه البلاد من أمن وارف الظلال، واستقرار سابغ الخلال، مهما حاول خفافيش الظلام النيل من أمنها وتعكير صفوها: فلن يضر البحر أسى زاخراً أن رمى فيه غلام بحجر كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل يا ناطح الجبل العالي ليثلمه اشفق على الرأس لا تشفق على الجبل والدعوة موجهة الى علماء الأمة ودعاتها، فقد آن الآوان لفتح الصدور والنزول الى ميدان التوجيه وسدّ الثغور واحتواء الجيل.. فمتى يصل العطاش الى ارتواء إذا استقت البحار من الركايا ومن يثني الأصاغر عن مراد إذا جلس الأكابر في الزوايا لا بدّ مــن فتح قنوات الحوار الهادئ الهادف بكل مصداقية وشفافية ووضوح وموضوعية، وحسن اسلوب وجودة في الطرح وصدق في الرؤى وعمق في الحجة، ومن فضل الله على بلادنا ان حوت جيل الرواد من علماء الشريعة وريثي الدعوة السلفية الإصلاحية - حفظهم الله وبارك في جهودهم -. وهمسة في آذان المربين وأولياء أمور الشباب الى ضرورة تحصين الجيل، وحماية الناشئة من كل فكر دخيل، ومنهج هزيل، وللأبوين والاسرة والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام، أدوار غير منكورة في هذه المهمة العظيمة.. ودعوة المحبة والاشفاق والغيرة على شبابنا وفلذات أكبادنا، ألا ينخدعوا بالأفكار الهدامة، والمناهج الضالة، وألا ينساقوا وراء حرب الشبهات التي يروجها من قل فهمه وضل سعيه، وان يحذروا أن يستجروا بدعوى الجهاد الموهوم الى مثل هذه الأعمال الشنيعة، فالجهاد في الإسلام ذروة سنامه لكن له مفهوم وشروط وضوابط لا تخفى على أهل العلم، كما يجب على أحبابنا الشباب أن يلتحموا مع ولاتهم وعلمائهم في هذه البلاد مهد الإسلام ومنبع الرسالة، وان يحرصوا على التمسك بعرى القيادة الشرعية والعلمية، والرجوع إليها لا سيما في النوازل . كما قال سبحانه {وّلّوً رّدٍَوهٍ إلّى الرّسٍولٌ وّإلّى" أٍوًلٌي الأّمًرٌ مٌنًهٍمً لّعّلٌمّهٍ الّذٌينّ يّسًتّنبٌطٍونّهٍ مٌنًهٍمً } [النساء: 83] مؤكدين على ضرورة سلوك الرفق واللين والدعوى الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وإنكار المنكر على مقتضى قواعد الشريعة ومقاصد الدين وآداب الإسلام، وإظهار الوجه المشرق وعكس الصورة الحسنة عن الإسلام والمسلمين، والدعوة مُلحة الى علاج هذه الظواهر الغريبة على مجتمعنا وبلادنا عن طريق مركز البحث العلمي وقنوات الحوار المعرفي حتى لا تقابل الأفعال بردود أفعال وألا ينظر الى النتائج في غفلة عن المقدمات وان يعالج الفكر بفكر أصوب، وأن يتولى أهل الاختصاص في الشريعة والأمن والتربية وعلم النفس والاجتماع، دراسة هذه الظواهر وعلاجها العلاج الامثل والأنجع، حتى تسلم البلاد والعباد من عواقبها وشرورها ولأوائها، وهنا لفتة مهمة للتحذير من كل من يريد الاصطياد في الماء العكر، وينسب للدين ويتهم المتدينين كلهم هذه الأعمال البشعة، فليست كل بيضاء شحمة ولا كل سوداء فحمة، ولا يظن بشبابنا وأبنائنا إلا الخير في جملتهم ولا تزر وازرة وزر أخرى، فيشجعون على سلوك منهج الوسطية بلا علو ولا جفاء ولا إفراط ولا تفريط. ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم وإن كان من غرر بهم قلة بحمد الله، ففي الكثرة من أبنائنا وشبابنا الخير، كيف وقد تربوا على منهج الدعوة الإصلاحية التي انبثقت من ربى هذه البلاد المباركة حرسها الله. والله المسؤول أن يديم على هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين الأمن والأمان، وان يحفظ عاصمة التوحيد وسائر أرجاء بلاد الحرمين وبلاد المسلمين من كيد الكائدين وعدوان المعتدين وأن يسلمها من شر الأشرار، وكيد الفجار، وأن يرد كيدهم في نحورهم، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. (*) إمام |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |