الإرهاب لا يعرف حدوداً ولا مكاناً ولا زماناً محدداً ولا يعترف بحدود ولا حواجز.
الإرهاب لا يرتبط بدين ولا شريعة ولا عقيدة ولا مذهب ولا أسرة محدودة ولا مجتمع محدد ولا عشيرة ولا قبيلة بعينها.
الإرهاب مصطلح لم يتم الاتفاق عليه عالمياً من خلال هيئة الأمم المتحدة وإن يكن الأغلبية قد يتفقون على الخطوط العريضة له ولكن للبعض من الدول اعتراضات وتدخلات لتحريف ما يمكن أن يشتمل عليه لتحقيق مصالح معينة.
رأينا ذلك فيما يتعلق بمفهوم الولايات المتحدة للإرهاب ومحاولة إدخال كفاح الشعب ضد المغتصبين ضمن هذا المفهوم.
الرياض تلك المدينة التي تموقعت وسط الصحراء لتكون عاصمة للمملكة العربية السعودية ولتشكل منبع سياسات ساندت العالم والأمة الإسلامية تتعرض لهجوم إرهابي مروع في جنح الظلام في 11/3/1423هـ والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو: لماذا هذا الهجوم الإرهابي؟
قبل أن نناقش الأسباب لابد من التنبيه إلى نقطة مهمة جداً في نظري، ألا وهي أن من قام بهذا العمل هي فئة إرهابية منظمة ومحترفة وأن وظيفتها هي الإرهاب.
كما يجب أن تتنبه وسائل الإعلام بألا تنزلق إلى بعض المصطلحات التي تربط الإسلام دون قصد من قريب أو بعيد بالإرهاب كما حصل في أحداث 11 سبتمبر 2001م، أو كما يوصف بمن يقومون بأعمال قتل جماعي في الجزائر بالقول بأنهم إرهابيون إسلاميون.
إن الإسلام بعيد كل البعد عن الإرهاب والتطرف، ليس فيه إسلام إرهابي ولا إرهابي مسلم، إنما هناك إسلام متسامح يقوم على قواعد العدل التي أرساها الله في كتابه الكريم وسنة نبيه القويمة.
الإسلام يحث على العدل والمساواة والتعامل الطيب مع كل الفئات والألوان البشرية. ليس فيه ما يحث على العنصرية ولا الكراهية ولا الانغلاق ولا الغلو ولا التطرف.
وعندما يصبح التعامل عكس ذلك فإن الأمر يصبح شيئا آخر غير الإسلام، قد يُلبسه البعض ثوب الإسلام إما بقصد أو بجهل وكلا ذلك مرفوض تماما. عندما تمت العمليات الإرهابية على أهداف في الولايات المتحدة واندفعت أمريكا في كيل التهم والتخبط، بدأت الدول الإسلامية في انتقاد سياسات الولايات المتحدة، ربما هلل البعض لتلك الأعمال ولكن بلا شك هناك الكثير من الدول أدانت ورفضت مثل تلك التصرفات وأعلنت أن الإسلام براء من تلك الممارسات.
ولكن طرح السؤال التالي على الولايات المتحدة وهو: لماذ لا تبحث الولايات المتحدة عن الأسباب التي دفعت بأولئك الإرهابيين إلى ارتكاب تلك الجريمة؟ وبالطبع لم يجد ذلك السؤال إجابة حتى الآن.
لا شك أن السؤال سيتكرر اليوم لماذا الهجوم على الرياض؟ ما هي الأسباب والدوافع وراء ذلك؟ قد يختزلها البعض ويبسط الإجابة بأن الهدف هو مهاجمة مصالح أمريكية وأن المستهدف ليس المملكة، كما أن هذا الهجوم يأتي استكمالاً لما بدأ في نيويورك وواشنطن وثأرا لما حصل في أفغانستان خاصة وأن المؤشرات تشير بالأصابع إلى تنظيم القاعدة.
إن الهجوم على المجمعات السكنية في الرياض هو هجوم على المملكة العربية السعودية وعلى رمزها السياسي المتمثل في العاصمة وهو هجوم على سيادة المملكة مهما يكن المستهدف من الجنسيات.
كل من يعيش على أرض المملكة فهو في حماية المملكة ومسؤولة عن أمنه سواء كان مواطنا أو مقيما، ولذا فالهجوم المسلح على أي موقع في الرياض أو أي مكان في المملكة هو هجوم إرهابي صرف.
إن محاربة الإرهاب قد تستغرق وقتاً طويلاً ولكن لابد من خوضها. تعاونت المملكة مع دول العالم قاطبة في محاربة الإرهاب لأنها تعرف معنى الإرهاب جيداً وتعرضت الرياض بالذات لهجمات إرهابية متعددة.
يجب أن تكون الحرب على الإرهاب دون هوادة. الإسلام وكل القوانين التشريعية والوضعية ضد ترويع الآمنين وقتل الأبرياء. ولذا فإن السند القانوني الشرعي والوضعي موجود لمساندة هذه الحرب على الإرهاب.
أنا في اعتقادي أن التعامل في محاربة الإرهاب يجب أن ينطلق من داخل الوطن ومن خلال مؤسساته المختلفة ويمكن تقسيم ذلك إلى ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى تتمثل في الإجراءات التنظيمية والإدارية لمؤسسات الدولة بالإضافة إلى ذلك فإن الحاجة ملحة إلى وضع التشريعات والأنظمة والقوانين لمؤسسات الدولة ذات العلاقة بتوظيف السعوديين والتسريع في عملية السعودة لتلافي البطالة والانحراف السلوكي.
المجموعة الثانية هي المؤسسات التعليمية أهلية أم حكومية. لابد من مراجعة المؤسسات التعليمية لدورها ووظيفتها الأساسية تجاه النشء الذين يشكلون الركيزة الأساسية لكيان أي أمة.
لعل مسؤولية وزارة التربية والتعليم أصبحت واضحة بعد تغييرها من مسمى وزارة المعارف إلى هذا المسمى الجديد والجيد الذي نحن بأمس الحاجة إلى تطبيقه عملياً في الوقت الحاضر.
لقد حرصت الدولة على نشر المدارس لتشمل كل أجزاء المملكة في محاولة لشمول كل من هم في سن التعليم للالتحاق بركبه.
ولكن لا يمكن أن ننكر أن هناك ضعفا في مستوى التعليم العام وأن هناك ممارسات ربما تكون خاطئة في ممارسات المعلمين وذلك من خلال الاجتهادات الشخصية.
الطفل أو المراهق في مراحل التعليم هو لبنة وعجينة يسهل تشكيله وتحوير فكره.
يجب أن نتنبه لهذا الجانب وكيفية التعامل معه سواء في الفصل أو الأنشطة اللاصفية أو في المخيمات والمراكز الصيفية.
لقد أسهمت الوزارة في تشجيع الابتكار من خلال ممارسة الأنشطة اللاصفيةوتشكيل المجموعات ولكن هل هناك أولا خطوط عريضة لنوعية هذه الأنشطة؟ وهل هناك متابعة لتقويم هذه الأنشطة وفاعليتها؟
الطلاب والطالبات يعودون إلى المنازل محملين بأشرطة الكاست والكتيبات حيث وجد لدينا ما يمكن تسميته بثقافة الكاست أو ثقافة الشريط.
هذه الكتيبات والأشرطة ربما توزع دون رقابة ولا إذن ومردودها سلبي.
إن من يقوم على طباعة هذه الكتيبات وتسجيل هذه الاشرطة هم بالتأكيد بحسن نية ولكنهم لا يفهمون عقلية الشباب ولا يقدرون حماسهم واندفاعهم.
الأنشطة في المدارس وفي الجامعات يقوم عليها أناس نتوسم فيهم الخير ولكن فيهم حماس زائد واندفاع تجاه رفض بعض الأنشطة والممارسات التي يعتقدون أنها تخالف فكرهم.
هذا نابع من التمسك الحرفي ربما بنصوص بعض الكتيبات وثقافة الكاست، ولا شك أن غياب التوجيهات من الإداريين ربما في المدارس ومؤسسات التعليم العالي وتبسيط الأور يسهم في ذلك. الحاجة ملحة لإعادة النظر في الأنشطة والمناهج لكل مقررات التعليم دون استثناء وتقليل الحشو والابتعاد عن الحفظ والتركيز على جوانب الفهم والتحليل والاستنباط والقياس.
إن الحاجة ملحة ليكون للتعليم دور في بناء الفكر والانفتاح على الآخر وقبول مبدأ النقاش والحوار وتبادل الرأي والاقتناع بأن من يخالف رأيك ليس عدوك وليس بالتالي ضدك ويمكن اعادته إلى الطريق الصحيح.
المجموعة الثالثة: هي المجتمع الذي يبدأ بالأسرة وينتهي بالمجتمع الصغير.إن الدولة مهما بذلت من جهد من إنشاء للمدارس والمؤسسات التعليمية وكل الجوانب الخدمية إلا أن المجتمع يجب ألا يكون سلبيا بل أن يكون متجاوبا ومتفاعلا ومشاركا في ذلك.
التعليم في المدرسة لا يكفي لبناء إنسان سوي، إن البيت في حد ذاته مدرسة النشء الأولى، منه ينطلق أساساً وإليه يعود.
من المفترض أن الطالب والطالبة يقضيان في البيت ومع الأسرة أكثر مما يقضيانه في المدرسة أو الجامعة.
في البيت يتلقى الطفل والمراهق والشاب العطف والحنان والغذاء وفوق هذا وذاك التوجيه السليم والمتابعة، ومتى ما توفر ذلك نجح دور المدرسة والجامعة. بالتأكيد التعامل في البيت مع المراهق يحتاج إلى بناء شخصية الشاب أو الشابة دون إلغائها ويحتاج إلى الاستعداد لسماع الشاب والشابة من قبل الوالدين دون اللجوء لكتم رأيه أو تجاهله ليعزز مبدأ الحوار لكي يمارسه سلوكاً في المجتمع. إن عدم المناقشة واستخدام العنف ربما يولد نفس الممارسة مع الآخر في الشارع، في المدرسة، في العمل، والأسرة مسؤولة عن غياب أبنائها وتأخرهم عن العودة إلى المنازل.
هناك جانب مجتمعي آخر وهو دور المؤسسات والشركات الخاصة. هذه المؤسسات والشركات الخاصة المقتدرة، عليها واجب وطني كبير في تشغيل السعوديين والاستجابة للسعودة. لها واجب على المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بسن القوانين والأنظمة التي تكفل لأصحاب المؤسسات والشركات حقوقهم في كيفية التعامل مع الموظف السعودي. إن تشغيل أكبر عدد من السعوديين في القطاع الخاص يسهم مع القطاع العام في توفير الأمن العام والأمن الاقتصادي للأفراد والأسر والأمن الاجتماعي.
فهل تحرص هذه المؤسسات والشركات على المساهمة بفاعلية في ذلك؟ جانب آخر مشترك بين مؤسسات حكومية وبين المجتمع، إن هذا الجانب يتمثل في المسجد ودوره. لقد حرصت الحكومة على بناء المساجد في كل مدن وقرى وهجر المملكة وتم تعيين الأئمة والمؤذنين والفراشين. إن هذا عمل جيد وليس له مثيل في أي دولة من دول العالم، ولكن هذه المساجد أمانة في عنق هؤلاء الأئمة وشبابنا يتأثرون بهؤلاء الأئمة كثيراً من خلال خطبهم، لهذا ينبغي توظيف الخطبة بما لا يلهب المشاعر وان تقود الشباب إلى ما يفيده ويفيد وطنه بالاختيار الجيد لموضوعاتها وأسلوبها.
وهناك جانب مجتمعي آخر ألا وهو دور المؤسسات والجمعيات الخيرية. لا ينكر أحد دور هذه الجمعيات الخيرية وما قدمته من مساعدات من أجل الأيتام ومن أجل الفقراء في الداخل وفي الخارج.. ولكن هل هناك رغبة في إعادة النظر في طريقة جمع الأموال من أمام المساجد والأسواق الكبيرة؟ هل هناك إمكانية في الاكتفاء بالبنوك للقيام بدور التجميع واقتصار دور الجمعيات على توزيع مخططاتها وأدوارها؟ إن ذلك يأتي من باب الحرص على أن تصل هذه الأموال إلى مستحقيها. هل هناك إمكانية لإسهام هذه الجمعيات في تدريب الشباب وفتح مدارس؟ عمل الخير ليس محصورا على الفقراء والمحتاجين ماديا ولكن يمكن أن يمتد إلى المساهمة في التعليم وإلى المستشفيات وإلى الجامعات وإلى غيرها من مؤسسات المجتمع.
على كل حال فإن القصور في دور مؤسسة حكومية كانت أم أهلية أو التقصير الأسري أو المجتمعي لا يبرر للإرهابيين أن يرتكبوا جرائمهم ضد الأبرياء. إن من قاموا بتنفيذ هذا الهجوم فعليا لم يخلقوا أشراراً ولا إرهابيين ولكن ما حصل هو تغرير بهم وغسل لفكرهم وأدمغتهم. هم شباب صغار السن تلقفهم من لا يخاف الله وأوهمهم بأن هناك قضية تحتاج إلى التضحية بالنفس من أجلها. هم فتية يمكن القول انهم اختطفوا واستغل حماسهم وطيبتهم وشكلت عقولهم بطريقة جعلتهم يرتكبون ما ارتكبوه في الرياض.
إن المخططين والمدربين والقائمين على غسل الأدمغة هم المجرمون الحقيقيون وهم الإرهابيون الحقيقيون وإن كان ذلك لا يعفي من نفذ هذا الهجوم الإرهابي. أعتقد أن من خطط لهذا الهجوم وليس من نفذه هم عصابة إجرامية منتفعة جعلت من التخطيط للإرهاب مصدر دخل لها.
إن هذا الهجوم وأمثاله تجاه دول مسلمة وتجاه أبرياء هو من أعمال المافيا. إن هذا الهجوم الإرهابي المروع شكل صدمة على المجتمع السعودي ولكنه بالتأكيد سيتجاوز هذه الصدمة.
ينبغي أن يشكل هذا الهجوم صحوة لدى المسؤولين ولدى المجتمع السعودي بأسره حتى لا يستغل المخططون للإرهاب هذا التسامح لتنفيذ أهدافهم المادية والسياسية على حساب أبنائنا وفلذات أكبادنا. ينبغي على المسؤولين أن يتبنوا سياسات أمنية استباقية واحترازية كما ينبغي على المجتمع التكاتف والتعاون للوقوف في وجه الإرهاب. ليس هناك ضمانة للسلامة من نتائج العمليات الإرهابية دون تكاتف وتعاون وتخطيط سليم والبحث فيما يمكن أن يكون له علاقة في تحفيز الارهاب لمعالجته وتفويت الفرصة على من يرغب الاصطياد في الماء العكر.
كلنا يرغب في أن يكون من في بيته من أبنائه وبناته المتحمس لدينه ووطنه ولقضايا أمته الإسلامية والعمل على نصرة دينه وأولادنا وبناتنا أمانة في أعناقنا فهلا حافظنا على هذه الأمانة حتى لا نخسرهم ونخسر أمن مجتمعنا وبالتالي يضعف دورنا في نصرة ديننا وقضايانا؟ نسأل الله أن يحفظ أمننا ويذل عدونا.
|