|
|
لما كانت الدعوة إلى دين الله، من أفضل الأعمال، وأهم المهمات، وقد جعل الله أفضل خلقه هم حملة رسالة الدعوة، وقادتها، وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، صفوة الخلق، وجعل سبحانه أحسن القول، وأفضله عنده من البشر، هم الدعاة إلى الله. يقول سبحانه: {وّمّنً أّحًسّنٍ قّوًلاْ مٌَمَّن دّعّا إلّى اللّهٌ وّعّمٌلّ صّالٌحْا وّقّالّ إنَّنٌي مٌنّ المٍسًلٌمٌينّ} [فصلت: 33] . ذلك ان مهمة الخلق في الدنيا، وعملهم الذي أوجدهم خالقهم من أجله، هي عبادة الله سبحانه، كما قال تعالى:{وّمّا خّلّقًتٍ الجٌنَّ وّالإنسّ إلاَّ لٌيّعًبٍدٍونٌ} [الذاريات: 56] والذي يعبد الله على بصيرة في حاجة إلى العلم والتبصير بشؤون عبادته.. وهذه مهمة الدعاة والعلماء، بعد الأنبياء، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، استحقوا هذا الميراث، بما وهبهم الله من قدرة وفهم، وبما أُخِذَ عليهم من عهد بأن يبلّغوا هذا العلم في خلقه، فقد جاء في الحديث: «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة». ولأن النفس البشرية، تنفعل وتتأثر بما حولها، وأعداء دين الله حريصون - يقدمهم عدو الله الشيطان وأتباعه -، على بث شرورهم لإبعاد الخلق عن دين الله الحق.. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن الله يهيئ على رأس كل قرن، من أمته من يجدد للناس دينهم.. وهؤلاء هم العلماء العاملون، والدعاة إلى الله على بصيرة وبإخلاص النية. فكانوا من خيرة الأمة، بحرصهم على أداء الأمانة، الذي نكثته الأمم قبلهم، وكان من فضل الله أن حرص أهل العلم العاملون، والعارفون بالمنهج الإلهي في الدعوة، الذي تأدب به الأنبياء والرسل في التدرج الدعوي مع أممهم، وإدراك ما أوضحه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، في مخاطبة العقول، بما يتلاءم مع كل حالة، حتى لا يتطفل على الدعوة إلى الله، من ليس من أهلها مستغلاً العاطفة، ومستظلاً بخيمة الدعوة إلى الله، وهو قاصر عن الوفاء بما تتطلبه الدعوة، من علم وحلم، وقدرة على تلمس متطلبات النفوس، وتبصيرها بالهدوء والبصيرة، مع التّعقل، وإدراك ما تحتاجه البشرية، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «خاطبوا الناس بما يدركون حتى لا يكذّب الله ورسوله». وإن من أبرز ما يجب ان يتحلّى به الداعية، صفات منها: 1- أن يكون الداعي عالما فيما يدعو له، عالماً فيما ينهى عنه، حليماً فيما يدعو له، حكيماً فيما ينهى عنه، وأن يختار الوقت المناسب للدعوة، والاختصار في القول، وعدم التنفير، وبأسلوب هادئ يقول سبحانه: {وّلّوً كٍنتّ فّظَْا غّلٌيظّ القّلًبٌ لانفّضٍَوا مٌنً حّوًلٌكّ فّاعًفٍ عّنًهٍمً وّاسًتّغًفٌرً لّهٍمً وّشّاوٌرًهٍمً فٌي الأّمًرٌ} [آل عمران: 159] . 2- ترغيب المدعوين إلى إفراد الله وحده لا شريك له بالعبادة، وإلانة القول والجانب لهم، وعدم الإثارة والتفرقة، حتى يبلغهم الأمر، أما الهداية فمن الله {إنً عّلّيًكّ إلاَّ البّلاغٍ} [الشورى: 48] . 3- تهيئة الشخصية القادرة على تحمل عبء الدعوة لمواجهة الأجناس البشرية المتباينة في غاياتها، ومستوياتها في الإدراك والفهم. 4- أن يكون الداعي إلى دين الله - ذكراً كان أم أنثى - قدوة صالحة في التطبيق والعمل، حتى يُقتَدى به، لأن الأسوة الحسنة - قدوة بالأنبياء والصالحين - خير ما يُعطى القابلية والتآسي عند المدعوين: خلقاً وعملاً وتعاملاً وحديثاً حسناً {كّبٍرّ مّقًتْا عٌندّ اللّهٌ أّن تّقٍولٍوا مّا لا تّفًعّلٍونّ} [الصف: 3] . 5- سعة علم الداعي، ورحابة صدره، حتى يدعو عن علم، ويتحمل ما يأتيه في هذا السبيل عن حلم، لكي يدرك ما يدور في المجتمع، ويتفاعل مع ما يلجلج بصدور من يدعو، لأنه بمثابة الطبيب الذي يتحسس الداء ليصف الدواء المناسب: {وّاصًبٌرً وّمّا صّبًرٍكّ إلاَّ بٌاللَّهٌ وّلا تّحًزّنً عّلّيًهٌمً وّلا تّكٍ فٌي ضّيًقُ مٌَمَّا المًكٍرٍونّ} [النحل: 127] . 6- أن يحرص الداعي بأن يكون ممن ينسى نفسه، في سبيل مصلحة من يدعو، وأن يهتم بنفع المدعوين، ولا يغضب عندما يثار، بل يجيب ويدعو برحابة صدر حتى يتكوّن المجتمع القادر على توسيع دائرة الدعوة، في الآخرين: {لّقّدً جّاءّكٍمً رّسٍولِ مٌَنً أّنفٍسٌكٍمً عّزٌيزِ عّلّيًهٌ مّا عّنٌتٍَمً حّرٌيصِ عّلّيًكٍم بٌالًمٍؤًمٌنٌينّ رّءٍوفِ رَّحٌيمِ} [التوبة: 128] . 7- إدراك أن الدعوة لله سبحانه، ولبيان ما أمر الله به ان يدعى إليه، طمعاً في وعد الله بالأجر، وحثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفق، وأنها لم تكن دعوة للنفس، وطلب الشهرة، أو للتحدث بما عمل حتى يمدح، فيتحول العمل إلى الرياء الذي يبطل العمل، واليقين بأن الدعوة عالمية، لا اقليمية:«لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى». |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |