ما كنت اود مناقشة الصحافة المحلية وفي هذه الفترة بالذات.. لولا ان الدولة بدأت منذ الاسبوع الماضي بصرف المعونة الكريمة لها.. والمعونة بعد صرفها تعتبر - ولو من وجهة نظري - توقيتا سليما لكلام طويل عنها.. ومنطلقا رائدا لنقاش هادىء متزن عن كثير من الاوضاع التي تعيشها.. مما يجعلني استعجل بالحديث عن الصحافة.. واعتبر ان تأخير ذلك قد لا يفي بالغرض ولا يخدم المطلوب.
لقد بدأت صحافة المؤسسات بداية قوية امتدادا لما كانت تحفل به صحافة الافراد من مادة مشوقة واقلام واعية مجددة.. وكنا ننتظر وقد رسم - بضم الراء - لها الهدف بنظام خاص بها هو نظام المؤسسات الصحفية.. ان تتطور وبسرعة لتتفق مع آمالنا وامانينا.. ولكي تتناسب والتجارب الطويلة التي مرت بها حتى وصلت الى ماهي عليه الآن..
ولكن ما كادت الصورة المثلى لها تظهر الي الوجود حتى برز الجانب المادي عائقا لها، وحافزا الى عدم الالتزام ببعض ماهو مطلوب منها.
ان الصحف وهي تواجه ذلك مضطرة الى التخلي عن الكثير من المسؤوليات المناطة بها والمعلقة عليها.. ولعلنا قد ادركنا ذلك من فقداننا لحشد ضخم من الكتاب البارزين الذين كانوا يتعاونون معها.. وفي صدورها خالية من صور وكليشهات، ترى انه لابد منها ليكون الاخراج جيدا.. دعك من عدم التزامها بتنفيذ ما طلبه منها نظام المؤسسات في فقرات لو امكن الاخذ بها لسهل تطورها.
اذن فان الصحف المحلية بصورتها الحالية لازالت دون المستوى المطلوب.. وهذا ما جعلها غير قادرة على استقطاب اهتمام القراء نحوها.. وعلى عدم منافسة الصحف العربية في التوزيع.. برغم محاولاتها مناقشة قضايا القارىء من جهة وتوعيته وتثقيفه من جهة اخرى.
لقد كانت الصحافة قبل عهد المؤسسات تقدم مادة ترضي القارىء في اغلب الاحيان.. كانت صحافة تفتقد الى الاخبار العالمية ولا تهتم بالصورة..
ولكنها كانت تعوض عن ذلك بمقالات مقروءة.. وكانت تعتمد بالدرجة الاولى على انتاج الملتفين حولها، لا على النقل او الاقتباس .. وقل ان تجد صحيفة تخلو كتاباتها من انتاج من نسميهم بشيوخ الادب.. ومن تطارد صحافة المؤسسات وراء انتاجهم.. وتعتد حين تأتي موافقتهم على استكتابها لهم.
كانت صحافة تزخر بالاخبار المحلية والتحقيقات الصحفية التي تبرز نهضة المملكة والمستوى الرفيع الذي وصلت اليه.. بالاضافة الى الجوانب الادبية والرياضية والفنية.. فضلا عن الزوايا والابواب الثابتة.. اما صحافة المؤسسات فقد اهملت الجانب الذي كانت تقوم به صحافة الافراد او بعضه.. واوجدت باشتراكها في بعض الوكالات العالمية للانباء سهولة للقيام بالجانب الآخر.. وللانصاف نقول انها قد نجحت في الجانب الثاني والى حد الاعجاب اذا ما قورنت بصحافة الافراد.. ولكنها ابتعدت كلية - مع الاسف - عن حشد الطاقات الفكرية التي يمكن ان يستفيد القارىء منها.
واذا كان مؤلما ان تواجه صحافة المؤسسات في وقت مبكر جدا من الازمات المادية ما يحول دون تحقيقها لكثير من واجباتها ولاسباب قد لا يكون مناسبا التعرض لها.. اذا كان ذلك مؤلما فان في قيام الدولة الآن بتخصيص معونة للصحف وتسليمها ما يخص الاشهر الستة الاولى منذ ايقاف صرف اجور نشر الاعلانات بها.. ما يجب ان يخلق لنا صحافة تسمو بالحرف وتخدم الكلمة وتنافح عن قضايانا الاسلامية والعربية.. وهذا لن يتحقق الا بالاستفادة من المعونة في الصرف والانفاق على كل ما نثق بفاعليته لتطوير الجريدة.. وعلى ان نواجه المتطلبات بتصرف متزن.. مستفيدين من اخطاء الماضي ومن تجربتنا السابقة.. وهي محاولة اخيرة لن يعذر القارىء بعدها صحيفته فيما لو قصرت عن اداء دورها، ولن يقبل الناحية المادية عذرا مقنعا.. لاسيما بعد ان ساهمت الدولة ماديا مما كنا نتطلع اليه.. وبشيء لا يقل عما كان يدور بخلد القائمين على هذه الصحف.. وبرصيد فيه الكفاية لايجاد صحافة ناجحة.
|