|
|
في يوم الأحد الذي سبق دخول الولايات المتحدة بغداد ظهر بول ولفوويتز في أحد البرامج ليروج لرؤيته لمستقبل الشرق الأوسط، وقال ان العراق المحرر سوف يكون بمثابة منارة الديموقراطية في المنطقة مثلما كانت اليابان نموذجاً لقارة آسيا، وأضاف «إن نموذج اليابان ألهم العديد من الدول في شرق آسيا لإدراك أنهم يستطيعون بناء اقتصادهم بطريقة تحرير السوق، وأنهم يستطيعون تطبيق الديموقراطية حتى في تلك الدول التي كان لها ذكريات أليمة مع اليابانيين». وبول ولفويتز الذي كان يعمل مساعداً لوزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والباسيف يكفي إدارة الرئيس ريجان قام بلي عنق التاريخ على حسب هواه، فاليابان لم تكن أبداً ملهمة لبزوغ الديموقراطية التي اكتسحت دول شرق آسيا في الثمانينيات، ولكن في المقابل كانت شريكا أصغر للولايات المتحدة في أثناء الحرب الباردة، عندما خلقت واشنطن حلفاً من القادة الدكتاتوريين المعادين للشيوعية، والذين دعموا سياسة الولايات المتحدة الخارجية في الوقت الذي كانوا يقمعون شعوب بلادهم، وهذه السياسات لم تلهم الديموقراطية في آسيا، ولكنها إذا كانت ملهمة لشيء فإنها لم تكن سوى لخنق الديموقراطية في تلك القارة، وقد كانت العلاقة بين واشنطن وطوكيو تقوم على التعايش بين البلدين والتي تم التوقيع عليها في عام 1948 عندما قامت الولايات المتحدة «بعكس مسار» احتلالها لليابان، لتقوم في المقابل بالتركيز على احتواء الشيوعية، فبين عشية وضحاها تبدلت سياسة الولايات المتحدة بعدما كانت تتمثل في الضغط على المسؤولين اليابانيين ورجال الصناعة المسؤولين عن القتال في الحرب العالمية الثانية إلى تجنيدهم في حرب عالمية ضد الاتحاد السوفيتي والصين. وقد كان رئيس الوزراء الياباني «نوبوسوكي كيشي» الذي شغل ذلك المنصب بين عامي 1957 و1960 ممثلا لذلك التحول السياسي في اليابان وكان كيشي يشغل منصب وزير التجارة والصناعة في حكومةرئيس الوزراء «توجو» في وقت الحرب. وقد أوضح لي الكاتب الياباني «موتو إشيو» والذي عمل جنبا إلى جنب مع الحركات الأمريكية المناهضة للحرب في الستينيات قائلا:«لقد أرادت طبقة المستعمرين اليابانيين الذين جردوا من سلطاتهم بعد هزيمتهم في الحرب إعادة إحياء أنفسهم من جديد، ولكن كانوا يعلمون تمام العلم أن الموقف قد تغير بعد الحرب، كما أدركوا أن القتال ضد الولايات المتحدة ثانية سوف يكون مستحيلاً وبلا طائل أوهدف في الوقت ذاته. لذا تبنوا إستراتيجية واضحة المعالم: أن اليابان سوف تركز على الاستفادة من القاعدة الاقتصادية الهائلة للاحتلال الأمريكي، في حين تقوم أمريكا بحكم قارة آسيا عمليا عن طريق قواتها العسكرية». وقد استفادت الصناعة اليابانية بذكاء من إمدادات البنتاجون لها بخامات الصلب والذخيرة وحتى مادة النبالم في أثناء قتال الولايات المتحدة ضد كوريا وفيتنام، ثم بعد ذلك عندما قامت الولايات المتحدة بدعم زعيم كوريا الجنوبية ، بارك شونج هي، والزعيم الفلبيني، فيرديناند ماركوس، والزعيم الإندونيسي، سوهارتو، بكميات هائلة من المساعدات العسكرية، وقد استطاعت اليابان في ذلك الوقت الإبقاء على اقتصادها نابضا بالحياة عن طريق المساعدات الاقتصادية والاستثمارات من المؤسسات اليابانية الكبرى، كما تم إخفاء ذلك التعاون بين اليابان وواشنطن عن الرأي العام الياباني ببراعة، في حين قوبل بتقدير كبير من القادة الأمريكيين، كما أوضحته بعض الوثائق السرية التي كشف عنها النقاب مؤخرا من الأرشيف القومي الأمريكي. وقد صرح ولفويتز لجريدة الواشنطن بوست في السابع من أبريل أنه «قد تقابل مع عدد من الدكتاتوريين وجها لوجه وتعامل معهم بصفة شخصية في حياته» وبالطبع أن ذلك قد حدث، فقد كانت تلك اللقاءات تجري تحت سمع ولوفويتز وبصره في وزارة الخارجية، عندما استقبل ريجان دكتاتور كوريا الجنوبية العسكري «شون دو هوان» في البيت الأبيض في فبراير 1981، بعد تسعة أشهر من قتله المئات في مظاهرات «كوانجو»، وكان ولفويتز نفسه الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة في إندونيسيا في الثمانينيات، وكان هو ذاته من حث الكونجرس على عدم النظر بصورة ضيقة لمسائل حقوق الإنسان. والنظر إلى ما وراء «تلك القضايا الهامة والحساسة، والاعتراف بقوة وكفاءة قيادة الرئيس سوهارتو»، وإذا ما أجرينا مقارنة دقيقة لقارة آسيا بعد الحرب العالمية الثانية وبين سياسات الولايات المتحدة اليوم فسوف نكتشف أن الولايات المتحدة ستقوم بتعيين قيادات صديقة لها في بغداد سترحب بأوامر الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.وسوف تعين موظفين حكوميين تابعين وموالين للولايات المتحدة يدعمون سياساتها الاقتصادية الاستعمارية الجديدة، ثم بعد ذلك، وبعد عقود من «الديموقراطية» التي سوف تفرضها الولايات المتحدة ربما ينهض الشعب العراقي من أجل تشكيل مستقبله، وهذا هو الوقت الذي استغرقته آسيا في لفظ ديموقراطية الولايات المتحدة، التي أينعت زهرتها وترعرعت في براميل البارود الأمريكية. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |