Thursday 15th may,2003 11186العدد الخميس 14 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

صحا نبض القلم في قلبي وآلمني صحا نبض القلم في قلبي وآلمني

تعقيباً على ما نشر في عزيزتي الجزيرة يوم الأربعاء الموافق 14/ صفر عام 1424هـ العدد «11157» بقلم الأخ سليمان العقيلي تحت عنوان إلى «عشاق الحرف والكلمة إلى متى يتجمد الدم الأزرق في عروقكم..؟
في البداية وقبل كل شيء أشكر الأخ سليمان على كل ما كتبه في هذه المقالة أو غيرها من المقالات التي كنت من متابعيها بحق، فقد زاد في كتاباته على النور، نوراً، وأبدع في المقدمة كما أبدع في الخاتمة وازدان العرض جمالاً بترابط الأفكار فلا أجد ما ينطبق عليه سوى قول ابن زيدون:


أيها البحر الذي مهما تفض
بالندى يمناه فالبحر وشل
من لنا فيك بعيب واحدٍ
تحذر العين إذا الفضل كمل
شرف تغنى عن المدح به
مثلما يغنى عند الكحُل الكحَل

أخي في الله..
حينما ينزوي الحرف في حدود الكلمة، وتتلاشى الكلمات المعبرة وترفع مقامات الجملة لتلحق بقافلة النقاش.. تبقى الآراء محل الجدل لاختلافها، ولكن نتفق معاً بأن الهدف هو جلاء الحقيقة للأنظار.. عبر حدود أرض عزيزتي خاضت تلك الأقلام الصادقة معركتها مع القضايا التي تهم المجتمع وحاولت أقلام أخرى المشاركة بآرائها لتكتمل الرؤية وتعم الفائدة أما في كتابتي هذه فاسمحوا لي بأن أرفع شراع قلمي للإبحار عبر أرجاء الحرف والكلمة والنقاش الحر.
أخي في الله .. سليمان..
في مقالتك الأخيرة.. إلى عشاق الحرف والكلمة..
أضم صوتي إلى صوتك.. وأؤيدك في كل ما كتبت فقد لامس قلمك الرفيع قلب من يبحث فعلياً عن عالم الكتاب والثقافة في زمن وللأسف أصبح معظم شبابه لا يرون في الكتب وعداً في جيل ينبض بالعقلية المتفتحة والناضجة قبل أوانها نعم يا أخي.. سئمنا الركود المميت.. كرهنا الكلمات المعلبة أصابنا الإرهاق من كل ما يحدث حولنا مقالتك أثارت في النفس بركان الحبر الأزرق الذي عمدت ألا أثيره لعدة أسباب سوف أسردها لك بعد قليل.. بإذنه تعالى.. والآن أستأذنك وقراء عزيزتي الجزيرة بأن أمتطي صهوة قلمي وأتكلم من غير حدود تقيدني فدعوني فقد صحا نبض القلم في قلبي وآلمني.. دعوني فقد اشتقت لأن أكتب بعض من أفكاري الصدئة وأن أمزق وريقاتي بين اللحظة والأخرى مللت الروتين في الكلمات وحن القلم إلى التلاعب بالأحرف وحنين السهر مع كتبي العتيقة البالية ما زال يؤرقني.. مقالتك جعلتني أتحسس محبرتي وأزيل بقايا الأتربة من على سطحها علمتني بأنني خالفت عهدي مع قلمي بأن أكتب كل ما يجول في خاطري..
بأن أسمع كلماتي من به صمم .. فها أنا أقولها على مسمع من الملأ عذراً يا قلمي.
أخي في الله..
يقال إن هناك نوعاً من السحر ما يستحل وفي نظري الكتابة من السحر الحلال.. الذي لا يقام عليه حد الشريعة إذا كان ما به من فائدة تعم على البشرية جمعاء.. ولا تخالف كتاب الله وسنة نبيه ولله در ذلك الشاعر حين قال..


توشي البلاغة أقلامه
إذا ما الضمير عليها أمل
بيان يبين للسامعين
ان من السحر ما يستحل

نعم الكتابة عالم آخر.. زاخر بالعلم الجليل يأخذنا حيث أردنا ومتى أردنا تبرز حروفه بأسلوب المتكلم.. لا تحتاج إلى تعقيد ولا تعرف حدود الزمان ولا المكان.. ومن الخطأ الذي نلاقيه في زماننا الحالي برغبة كل من أراد الكتابة بالوجاهة فقط، وكثير ما يطرح على مسمعي ذلك القول.. لكنهم نسوا بأن القلم معرفة، للزيادة من كل علم والنقصان من كل جهل.. فالشق الأول بين ما نطرحه من أفكار وعلم على غيرنا ليستفيد الجميع وتسود الفائدة والثاني وهو ما نلاقيه من نقد بناء يقوّم من عزيمتنا ولا يمحو الهدف المراد به..
أخي في الله..
هناك أسباب تحتم على الفرد منا أن يغفل قليلاً عن عشقه وأن يتوارى خلف ضباب حلمه.. لعلي أسردها لك ولقراء عزيزتي..
1- اننا ما زلنا على مقاعد الدراسة وقد يكون هذا السبب شخصياً بالنسبة لي ولكنَّ كثيراً ممن حولي أصبح عنصر الدراسة حاجزاً بينه وبين الاستمرارية في الكتابة.
2- ضعف الثقافة لدينا وقلة مورد الكتب التي تستهوينا وتناسب ميولنا في مكتباتنا.. ونحن يا أخى لا نرى مكتبات متخصصة للفتيات أسوة بالشباب وإن وجدت في المدارس لا تولي أهمية تذكر.. ولا نجعل من حصص الاحتياط «وما أكثرها» راحة من عناء الروتين، وفي نفس الوقت نهدف إلى تثقيف الطالبات بطريقة عملية محببة.
3- للأسف.. أقولها بأسى يعتصر قلبي نحن لا نجد التشجيع ولا الدعم من كل ما يقرأ لنا.. في بعض الأحيان أحاول أن أرفع من معنوياتي قليلاً، أقول يكفي بأنني كتبت لفئة تدرك تماماً ما معنى القلم.. ولكن غروري كفتاة وأنانيتي كإنسانة تفرض عليّ أن أبحث عن المدح ولا أقبل أقل من ذلك إذا كنت أستحق.. أذلك يا أخي غير جائز..؟ أم ماذا..؟ أريد أنا وغيري بأن نلمس انتاجنا في غير عائلاتنا.. وكثير ما يصدمني الواقع بقول إحداهن أذلك ما كتبتِه حقا يا فاتن أم هناك من يساعدك أو يكتب عنك داخل المنزل..؟؟ احباط يكسر عنفوان الفرح والنشوى في داخلي.. والتشكيك كثيراً بما نكتبه من قبل العامة يجعل معين العطاء داخلياً وداخل أبناء جلدتي ينضب..
4- فأين المفر من كل ذلك.. أين..؟ وأما ما قصدته من اعتزال الكتابة خشيت النقد أو قل.. بأن كل شيء في الحياة له ضد.. كما أن طبيعة بني البشر الاختلاف في تفكيرهم وميولهم والنقد ما يظهر مساوئ ومحاسن الكتابة ما هو إلا ارتقاء بالناقد والمنقود إلى مصاف الكتاب الراقي وغيرة بعضنا على بعض والاهتمام بالمصالح المشتركة ورفع لبنات هذا الوطن الغالي على أساس صحيح ومتين.. يبيّن صحة النقد الهادف الذي لا يتوافق مع أهوائنا الشخصية وما يوافق رغباتنا الذاتية والانتصار لأنفسنا وكأني أسمع صوت ذلك الشاعر حين يصدح:


أخيك من يغار إذا زللتا
ويغلظ بالكلام متى أسأتا
يسر إذ اتصفت بكل فضل
ويحزن إن نقصت أو انتقصتا
ومن لا يكترث بك لا يبالي
أحدت عن الصواب أم اعتدلتا

أما الكاتب الحق فهو ما حلف على حفظ أمانة قلمه لشعوره بالأسى يعكس تربيته السليمة وخوفه على مجتمعه، فقد قيل قديماً بأن الإبداع وليد الألم لأن أروع ما كتب وأصدق ما قيل عندما يكون نفس ذلك الكاتب محمله بهموم غيره.. الكاتب الصادق تصل كلماته إلى أنفسنا بدون جواز لمروره بل ينساب رقراقاً عبر قلمه ليفجر بذلك الاحساس بشفافية كلماته أما من يتخذه بعض الدخلاء على الساحة من استعراض لمهاراتهم فهؤلاء لن يصلوا إلى ما أرادوه ولا يمكن أن نجعل الكلمات الجارحة جسراً يكون من خلاله العبور.. لأنهم يخاطبون شريحة من المجتمع تميز بين الصواب والخطأ.
في النهاية يا أخي.. قد يطول الشرح وتتعدد المبررات لعدم الكتابة ولكن أومن بقرارة نفسي بأنه ما كان يجب عليه وعلى من تتفق أسبابه معي بأن نهجر الورقة والقلم ولكن يظل التفكير في ماضي آبائنا وكيف كنا نسود الأرض بالعلم وأن حاضر الأمم حالياً لم يقم إلا على نتاج من سبقونا ويظل عبق التاريخ وبقايا آثارنا تولد غصة في الحلق تضيق وتضيق حتى تكاد تخنقنا فأتذكر ابن زيدون حين قال:


ليت شعري والنفس تعلم أن
ليس بمجد على الفتى: ليت شعري
هل لخالي زماننا من رجوع
أما لماضي زماننا مكر..؟

واختتم ردي هذا بما قالته كاتبتي الأستاذة انتصار العقيل «اني أدرك أن القلم أصبح قدري.. وما أصعبه من قدر ولا يخفف من معاناتي بعد كل حالة مخاض للكلمات إلا الهدف النبيل الذي أصبو إليه ألا وهو الدعوة لمخافة الله في المعاملة فيما بيننا ونشر الحب.. والعاطفة الصادقة من خلال شفافية الحرف ونورانيته..
وتذكروا أن
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
كما أن عين السخط تبدي المساويا
ودمتم
فاتن بنت مبارك الحربي/الرس

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved