«كل ذي نعمة محسود» حقيقة قررتها الأحداث التي شهدتها عاصمة بلاد الحرمين والتي تؤكد مرة أخرى أن هذه البلاد محسودة على ما تنعم به من الأمن والرخاء في ظل قيادة حكيمة معطاء. إن هذه الأحداث تؤكد أن هناك من يسعى إلى زعزعة أمن واستقرار هذه البلاد حماها الله من كل سوء، والأمر المحزن أن تكون الأداة المستخدمة لهذا الغرض فئة من شباب هذا الوطن الذي يتفيؤون ظلاله وينعمون بخيراته، والذي مد لهم يده بالخير ولكنهم كالكلاب المسعورة التي إذا مددت يدك إليها بالخير نهشت يدك.
إن التفجيرات التي وقعت في مدينة الرياض لا يمكن أن يقرها عاقل فضلاً عن مسلم مؤمن بالله كيف وهي مخالفة لكل معاني الإنسانية والرحمة، بل ومخالفة لتعاليم الدين الإسلامي الذي جاء رحمة للعالمين؟ إن هذه التفجيرات استهدفت أناساً لا حول لهم ولا قوة، بل كانوا آمنين في منازلهم كفل لهم الإسلام حق العيش بأمان {لا يّنًهّاكٍمٍ اللّهٍ عّنٌ الذٌينّ لّمً يٍقّاتٌلٍوكٍمً فٌي الدٌٌَينٌ وّلّمً يٍخًرٌجٍوكٍم مٌَن دٌيّارٌكٍمً أّن تّبّرٍَوهٍمً وّتٍقًسٌطٍوا إلّيًهٌمً إنَّ اللهّ يٍحٌبٍَ المٍقًسٌطٌينّ}.
إن مما انتحله هؤلاء الجهلة المغرر بهم الاستخفاف بولاية المسلمين، والخروج على طاعة الإمام، والسعي في الأرض فساداً، يقول الشيخ سعد بن حمد بن عتيق رحمه الله: «وقد علم بالضرورة الإسلامية أنه لا دين إلا بالجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، وإن الخروج عن طاعة الإمام والافتيات عليه من أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد».
كما أن من الأمور المهمة التي لا ينبغي أن نغفل عنها دور الأسر في توجيه أبنائها ودلالتهم على طريق الخير وزرع حب الدين وحب هذا الوطن في نفوسهم، وعدم تركهم عرضة للتيارات الجارفة التي قد تؤثر على عقولهم وتبصيرهم بأهمية الجماعة وأهمية الالتفاف حول ولي الأمر الذي أوجب الله طاعته.
الأمن بمفهومه العام: هو طمأنينة النفس وزوال الخوف وعدم توقع مكروه في الزمن الآتي والخوف بعد ذلك، ويشمل ذلك الأمور الدنيوية والأخروية وأصول تحقيق الأمن أن يأمن الإنسان على دينه ونفسه وماله وعرضه وعقله، فالأمن في الدين يقتضي احترام الشرع والالتزام به وتطبيقه في كل شؤون الحياة، ومن ذلك أن يؤدي العبد شعائره الدينية وعبادته كما أمر بها الشرع دون منع أو مضايقة أو سخرية، والأمن على النفس يعني حفظها وصونها وعدم التعدي عليها أو النيل منها أو الاضرار بها بأي نوع من أنواع الضرر سواء كان بإزهاق الروح أو بما دونه وسواء كان ذلك من الإنسان نفسه أو من غيره والأمن على المال يكون باحترام مال الغير وعدم التعدي عليه أو أخذه بغير رضا بسرقة أو اختلاس أو غصب أو خيانة أو غش، أما الأمن على العرض فهو حفظ كرامة الإنسان التي وهبها الله إياه بحفظ الفروج وحفظ النسل وحفظ الأنساب وتقويمها باحترامها بالطرق المشروعة التي تشبع الغرائز وتحقق مصلحة الفرد والمجتمع وتحافظ على الأسرة وترفع الإنسان عن الفاحشة والذل والمهانة، ومنه كذلك كف الفحش بالقول وإلصاق المثالب بالغير من تهم وسب وشتم. وحفظ العقل يكون بعدم تعريضه لما يذهبه أو يضرّبه من قبل صاحبه أو من غيره.
الأمن بمفهومه السابق ضرورة للأمة ليؤدي الإنسان رسالته التي خلق من أجلها، ولا تستقيم الحياة إلا بها، فالإنسان إذا أمن واطمأن واستقر عمل وأنتج وأثمر، وإذا خاف واضطرب وفزع وذعر أثر ذلك على عمله وانتاجيته، ولم يتمكن من الوفاء برسالته ومهمته، ولذا فقد جاء الإسلام بالتشريعات التي تحفظ للمرء أمنه وطمأنينته واستقراره فحرم كل ما يخل بأمن الفرد والمجتمع ونهى عن كل سبب يؤدي إلى ذلك، وأمر بكل ما يحفظ للناس أمنهم ويصون حقوقهم وينفعهم في دينهم ودنياهم والله تعالى وهو الخالق للخلق والعالم بطباعهم وما فطرهم عليه وأودعه فيهم اقتضت حكمته أن لا يكتفي في تقرير العقوبات على المعتدين على مصالح عباده المخلين بأمنهم بما أعد لهم من جزاء أخروي، بل شرع عقوبات دنيوية أيضاً إذ أن بعض النفوس الضعيفة قد لا يثنيها عن غيها ويردها عن طغيانها العقاب الآجل بل لابد لها من عقاب عاجل لتذوق مرارة الألم فيمنعها من المعاودة، ويحمل غيرها على الامتثال. والطاعة وعدم الانزلاق في مهاوي الرذيلة، ويقضي على نوازع الشر في مهدها فيحفظ على الشريعة حرمتها ويصون على الناس مصالحهم التي لا تستقيم الحياة إلا بها. فشرع القصاص في النفس وما دونها وبين الله أن في قتل القاتل تحقق الحياة الآمنة يقول الله تعالى: {وّلّكٍمً فٌي القٌصّاصٌ حّيّاةِ يّا أٍوًلٌي الأّّلًبّابٌ لّعّلَّكٍمً تّتَّقٍونّ} وشرعت الحدود بالقتل والرجم والجلد والتغريب على من أخل بمقومات الأمن بمن ارتد عن الإسلام أو استهزأ بالله ورسوله وآياته ومن سرق المال، أو انتهك الأعراض بفعل فاحشة الزنا أو قذف غيره بها، أو بغي على الأمة بشق عصا الطاعة فيها وإثارة الفرقة، أو قطع الطريق وأرهب الناس وأخافهم وسعى في الأرض فساداً. شرع التعزير لمن ارتكب ما يخل بأمن المجتمع من غير موجبات الحدود والقصاص لئلا يفلت متعد من العقوبة، فيرتدع عن الانزلاق في غيرها ويستقيم سلوكه ويأمن المجتمع شره وشر من يقلده.
لكن المصيبة تأتي من أشخاص أو جماعات ترتكب أعمالاً باسم الإسلام يدعون أنها من الإسلام وأن الإسلام يأمر بها ينزلون نصوص الشرع على غير وقائعها ويفسرونها وفق أهوائهم فيقتلون الأبرياء وينهبون الأموال ويتلفون الممتلكات العامة والخاصة انتقاماً من أشخاص آخرين.. والإسلام بريء من أفعالهم، فالإسلام لا يؤاخذ أحداً بجريمة غيره يقول الله تعالى: {ولا تّزٌرٍ وّازٌرّةِ وٌزًرّ أٍخًرّى"}.
إن الإسلام دين حق وعدل وحكمة ورحمة فهو خير لأهله ولغيرهم وأولئك هم بقواعد الشرع وطريقه فقدوا الأمن فأحدثوا الخوف لأنفسهم ولغيرهم من المسلمين / وهم بذلك يهيئون أي الطرق لأمم الكفر والمنحرفة ضد الإسلام والمسلمين.
إن ما يقع فيه أولئك أو غيرهم من أخطاء ينحرفون من خلالها عن طريق الشرع القويم هو نتيجة لعدة عوامل بعضها تزين تلك الأفعال من قبل أعداء الإسلام وبعضها عوامل شخصية تعود للأشخاص أنفسهم ولكن ما يهمنا من هذه العوامل أمران.
الأول: التربية بان نهتم بتنشئة أولادنا وشبابنا في المنزل والمدرسة والمسجد والشارع تنشئة اسلامية قوامها الدين الصحيح الذي ينطلق من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دون تعصب أو حمية جاهلية أو تبعية غوغائية بل بشخصية اسلامية متزنة.
الثاني: أن يقوم كل من جانبه ببيان حقيقة الإسلام وايضاح أصوله وقواعده وصلاحيته لكل زمان ومكان وارشاد الناس عموماً إلى أنه الدين القويم الذي يوافق الفطرة والعقل وينادي بالعدل والسلم ويرفض الظلم والاعتداء ويحقق طموح البشرية وهذه المهمة ليست مهمة الدعاة وحدهم أو العلماء بل كل فرد مسلم عليه نصيب من هذه المهمة، فإمام المسجد والمعلم في المدرسة
|