لم نكد نبتهج بالإنجاز الأمني الكبير في كشف الخلية الإرهابية مع قوائم الأسلحة الضخمة، الذي يشهد بقوة أمننا الضاربة ويقظة عيوننا الساهرة، حتى كان ليل يوم الاثنين «الأسود» العاشر من صفر 1424هـ بوقوع سلسلة انفجارات في العاصمة الرياض، كما نشرت ذلك صحيفة «الجزيرة» في عددها ليوم الثلاثاء اللاحق ليوم الإرهاب.
مشكلة التفجيرات الإرهابية أنها أخذت نمطاً جديداً من حيث طريقة التنفيذ، التي تبلورت في تبني أسلوب «العمليات الانتحارية» لحصد أكبر عدد ممكن من الضحايا الأبرياء، فلم يعد الأمر مقصوراً على تفجيرات عن بعد أو إطلاق نار على غربيين، إنما تحول دور الارهابي المنفذ إلى المشاركة الجسدية في أتون نار في هذه التفجيرات حتى لو كانت حياته هي عربون التنفيذ، كما يبدو في التفجيرات الأخيرة.
وهذا يؤكد أن هناك نقلة خطيرة في الفكر الذي يغذي عقول هؤلاء الإرهابيين، ومن ثم يوجههم بحيث أصبحت أرواحهم رخيصة في سبيل تنفيذ أعمالهم الإرهابية بغض النظر عن مشرعية ما يقومون به من وجهة النظر الإسلامية التي تعتبر أن للإنسان حرمة في دمه وماله فضلاً عن أمن الوطن فما بالك وهذه المملكة العزيزة هي بلاد الحرمين وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ومحط أنظارهم، وسلامتها واستقرار أمنها ينعكس ايجاباً على بقية العالم الإسلامي، وعليه تتساقط مع هذه الأعمال الإرهابية كل المبررات في هذا التوجه الشيطاني، الذي يطال الأبرياء ويهز الأمن ويروع الآمنين ويدمر الممتلكات.
لذلك لابد أن نعزز الوحدة الوطنية ونلتف حول مركزها ونفعل مناشطها كونها العامل الرئيسي في تثبيت الاستقرار الأمني لبلد كان ومازال متميزاً بأمنه وسط عالم مضطرب بالانقلابات والحروب والجرائم الكارثية لأن هذا الأمن هو «الخصوصية الجلية» بالنسبة لمملكتنا «والنعمة الكبرى» لساكني هذه المملكة، وأول متطلبات هذه الوحدة أن نستنكر كل عمل إرهابي أو إجرامي يمس الوطن في قيادته ومقدراته ومقوماته، أو يطال أرواح الناس أو ممتلكاتهم من مواطنين أو مقيمين بمختلف جنسياتهم وأعراقهم ودياناتهم، وألا نلتفت لحديث الشيطان على لسان التبرير أو نحاول أن نبحث في مسوغات الحدث.
لأن صوت الاستنكار يعطي رسالة حازمة إلى أولئك الإرهابيين مفادها أننا «جماعة» ضدكم ويد الله مع الجماعة، ونرفض أعمالكم لأنها افساد في الأرض ونستهجن كل تبريراتكم في الإخلال بأمننا، لأن وطننا الرافل برياض الأمن يعني بيوتنا وأهلنا وممتلكاتنا وإخواننا الذين يفدون إلينا أو معاهدينا الذين يعملون معنا وبيننا.
وثانيها أن يعمل كل مواطن مهما كانت صفته أو الفئة التي ينتمي إليها على الرقعة السعودية مع رجال الأمن في تعقب الجناة أو التبليغ عن أية معلومات قد تقود إليهم، فالوطن سفينتنا التي يجب أن نحافظ عليها من الخرق، وأن نضرب على يد السفهاء بيد من حديد حتى لا يغرقوا فيغرقونا معهم نتيجة أفكار منحرفة لا يشرعها دين، ولا يقبلها عقل! وبالذات داخل محيط الأسرة كون الوالدين هما أعرف الناس بأولادهم أو بمن يعيش معهم داخل هذه الأسرة أو حولها لأن التكامل الأمني لا يقوم إلا بمشاركة المواطن لرجل الأمن في مهمة حفظ هذا الأمن، وهي مهمة يشترك فيها الجميع.
وثالثها أن يتم النفير على مستوى العلماء والفقهاء والمثقفين والمفكرين ممن لهم الصوت المسموع وسط جماهير الشباب للتوعية الصحيحة في تبيان حقيقة الأعمال من حيث موقف الشرع الحكيم تجاهها، وألا يقتصر دورهم على موشحات الندب لما حدث أو مواقف النقد بعبارات المناحة، بل السبق لهذا الحدث قبل وقوعه بالتوعية الجادة، والعمل بالأسباب لمنعه من خلال فضح فكر التكفير وتفنيد مبررات التفجير، فربما كلمة خالصة النية والقصد تهدي إرهابياً إلى الصواب أو على الأقل تدخله دائرة سؤال النفس عن مشروعية ما ينوي القيام به، بدل أن يمضي في غيه وهو يعتقد أن ما يفعله جهاداً وهو بالأساس انحراف عقائدي وقتل متعمد وإفساد في الأرض.
ورابعها وجوب عقد الندوات التربوية التعليمية ودفع المطبوعات المدرسية للأجيال الصاعدة التي تشدد على الوحدة الوطنية كعنصر أساسي في الوحدة الإسلامية، مع التوثيق الديني على أن الإسلام وهو دين رسالة نقية وسامية يرفض رفضاً قاطعاً انتهاج العنف أو العمل بقاعدة الغاية تبرر الوسيلة، لأن المسلم المؤمن الحق هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، كما أنه لا يقتات على موائد الإرهاب خاصة أن مفهوم الجهاد بمقاصده العظيمة لا يمكن أن يتطابق مع واقع الإرهاب الذي يتصور لنا بتفجيرات تحصد الأرواح والممتلكات.
يبقى التأكيد على أن ما تم عرضه هي أبسط متطلبات وحدتنا الوطنية فهناك أمور أخرى لا يتسع المجال لحصرها فهذه الوحدة لن نتنازل عنها أو نقبل المساس بها، لأن حقنا التاريخي في فضائل الأمن شاهد على أن المركب السعودي بوحدته الفريدة استطاع ان يبحر - ومازال ولله الحمد- متماسكاً وسط أمواج متلاطمة بين القضايا الشائكة والأزمات الدولية خصوصاً أن التصريحات الرسمية تشير إلى وجود جهات خارجية تغذي الإرهاب ولا تريد بنا خيراً، هذا ما كان والله المستعان وهو الحافظ لبلادنا وبلاد المسلمين.
|