منذ أكثر من ربع قرن، دار نقاش على صفحات الصحف، حول المطالبة، بإنشاء وزارة للثقافة، وأتذكر أن الدكتور «عبدالله مناع» كتب موضوعاً حول هذا الشأن، يُطالب فيه بإنشاء هذه الوزارة. وقد كتبت موضوعاً أُعارض هذه الدعوة، ربما كنت واقعا تحت تأثير حماس يفاعة القلم، واندفاع الشباب، الباحث له عن موقع ورأي يعلنه، وحينما أتذكر تلك الآراء التي، دفعت بها معارضاً تلك الدعوة الآن أجدني ميالاً إليها، وما زلت أعتنق أهم ما جاء فيها، وهي أن الثقافة فعل انساني ومنتج اجتماعي، في مجموعة يشكل نسقا من التعبير عن مطالب ونوازع إنسانية ومجتمعية، في دائرة شاملة تشكل ثقافة الأمم والشعوب، وأنه لا يجب أن يخضع هذا المنتج إلى هيئة إدارية، تمارس عليه سلطتها الإدارية وتتفنن في وضع معوقاتها «البيروقراطية» عليه، وأن الثقافة نقيض البيروقراطية، كان هذا مُجمل رأي في ذلك الوقت، في صياغة حديثة.
وفي ظني أن الدعوة إلى انشاء وزارة للثقافة، كانت تتعالى وتتزايد المطالبة بها بالنظر الى تعدد الأجهزة الحكومية التي لديها ادارات ومؤسسات ثقافية، تتعدد معها الاتجاهات، ويتكرر معها الفعل، وربما يحدث ذلك الاضطراب والتكرار، مما يشكل في النهاية هدراً لتلك الجهود. وأصبحنا ننظر إلى أن «الثقافة» كمؤسسة، بمثابة ذلك الابن التائه عبر مؤسسات تتعدد فيها رعايته. مثل وزارة المعارف والرئاسة العامة للرعاية للشباب، ورئاسة الحرس الوطني، ووزارة الاعلام ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. ويجب الاعتراف بأنه في ظل تلك التعددية، تم إثراء العمل الثقافي، حيث تم الاستفادة من الاعتمادات المالية المخصصة لكل جهة من تلك الجهات الحكومية، وللتدليل على ذلك يمكن النظر إلى حجم المنتج الثقافي، المطبوع في شكل مجلات ومهرجانات وندوات ومؤتمرات. واصدارات للكتب. وقد اتيح لي على المستوى الشخصي أن أنظر إلى تلك المساحة العريضة المتعددة التي تساهم فيها تلك الجهات في العمل الثقافي، حينما أوكل إليّ رصد المنتج الشهري، واصداره في كتيب دوري كل شهر، بمناسبة اختيار «الرياض عاصمة للثقافة العربية عام 2000» وكان الرصد للأنشطة الثقافية مركّزاً على الهيئات الحكومية بالدرجة الأولى، ولم يكن ممكناً رصد ما كانت تنتجه المؤسسات الأهلية غير الحكومية مثل دور النشر، لأسباب منها عدم توفر المعلومات عن تلك المؤسسات، مع أنه كان يُشار إلى دور المنتديات التي كان يفعلها وجهاء المجتمع المهتمون بالأدب والثقافة، وأنشطة مؤسسات مثل «مؤسسة الملك فيصل الخيرية ومركز الأبحاث بها» و«مكتبة الملك فهد الوطنية» و«مكتبة الملك عبدالعزيز» وبنتيجة محايدة فإن التقرير النهائي لتلك الأنشطة الثقافية في بلادنا على مدى ذلك العام، فاق مثيله في العواصم العربية التي اختيرت كعواصم ثقافية للعام الواحد، إذا ما استثنينا مصر.
والموضوع المطروح الآن، أو السؤال: ما المطلوب من وزارة الثقافة والإعلام، التي اصبحت كياناً رسمياً غير مطروح الآن الاستفتاء عليها بهذه «الهيكلية» التي أصبحت عليها. وفي ظني ان وزارة الإعلام بهذا الوضع الذي اصبحت فيه وزارة للثقافة والإعلام، قد أثقلت بعبء تنوء بحمله، على نحو ما سنرى من ضخامة العمل الثقافي القائم في مؤسسات حكومية متعددة، حتى في ظل اعتبار كل من التلفزيون والإذاعة، ووكالة الأنباء السعودية، مؤسستين عامتين لهما اعتبارهما الإداري المستقل، يرأس ادارتهما وزير الإعلام. سوف يُعطي هذا الاجراء مزيداً من الحركة و«اللوجستية الإدارية» لكنهما في واقع الأمر سيظلان، جزءاً من الإعلام الرسمي الحكومي وبنفس المستوى، تصبح «الثقافة» مديرية أو وكالة في وزارة الاعلام، مثلها مثل «وكالة الإعلام الداخلي» أو «الإعلام الخارجي» أو «مديرية المطبوعات» وهذا ما كنت أرمي إليه قبل ربع قرن، حين أبديت رأيي في المطالبة بإنشاء وزارة للثقافة. فما الذي كان يضير العمل الثقافي الحكومي في تعدد جهاته الرسمية في وضعه القائم، قبل إعادة هيكلة الوزارات ومؤسساتها التابعة لها؟ لقد كان الإجراء الذي اتخذه المشرع، من الناحية الإدارية العملية، إجراء، رأي من خلاله توحيد الإجراءات، وحصر المسؤوليات مما يدفع بالعمل إلى حركية إجرائية مركّزة.
وغير واضح الآن ماذا سيكون مآل مؤسسات العمل الثقافي، في الوزارات والرئاسة الحكومية الأخرى، التي تدير من خلالها أعمالا ثقافية.
وبنفس الهاجس، يظل السؤال قائماً، فيما يتعلق بوضع «الأندية الأدبية» التي هي جهاز من أجهزة الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وبصرف النظر عما يدور حول وضع الأندية الأدبية، ومدى تحقيقها لتفعيل العمل الثقافي، لقد كانت فكرة إنشاء «الأندية الأدبية» - التي بدأت منذ عام 1395هـ بأربعة أندية، وأصبحت 12 نادياً حتى عام 1415هـ - فكرة جيدة طموحة، وقد رافقتُ فكرة إنشائها والحلم الثقافي الذي كنا نحلم لتحقيقه، لكنها «تأدلجت» في ظل القيود الإدارية، وكنا نحلم بأن تكون هذه الأندية الادبية، هي المعادل الموضوعي في مواجهة «الأندية الرياضية» وتحقيق معادلة عادلة، فبينما يتيسر للأندية الرياضية مساحة واسعة من الحركة والانطلاق، في ممارسة أعمالها، سواء في إقامة المنشآت، أو في المخصصات المالية الممنوحة لها. أو في حرية العمل والتشكيل الإداري. ظلت الأندية الأدبية، كمثل مكاتب الارشاد الزراعي، في الوحدات الزراعية في المدن والقرى، أو أقل من ذلك. وظل الاستثناء الوحيد في عمل الأندية الأدبية يرتهن إلى شخصية رئيس النادي، وما يبذله على المستوى الشخصي، في تفعيل أداء العمل في النادي، ويعتبر «نادي جدة الأدبي» نموذجاً لذلك.
ومن المؤسسات الثقافية المنبثقة عن الرئاسة العامة لرعاية الشباب «الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون» وقد بدأت هذه الجمعية منذ ربع قرن، وقد منحها رئيسها زميلنا «محمد الشدي» جهده وعمره، فأصبح فعلها الثقافي ماثلاً على المشهد الثقافي عبر فروعها المتعددة في مدن المملكة. ولها إصداراتها من المجلات الثقافية المتميزة كمجلة «التوباد» و«الجيل» وتفعيلها لمعارض الفنون التشكيلية والفنون الشعبية التي أقيمت لها أسابيع ثقافية خارج المملكة. كما تقوم الادارة العامة للأنشطة الثقافية بالرئاسة بدور هام في هذا المجال، وهي التي قامت بدور رئيسي في تفعيل مناسبة اختيار الرياض عاصمة ثقافية لعام 2000، وتنظيمها لأسابيع ثقافية في مدن العالم كما أن مشروعها الرائد، المتمثل في إصدار سلسلة «هذه بلادنا» يعتبر من أهم الأعمال الثقافية التي تُعرّف أبناء بلادنا ببلدانهم، وأبناء البلاد العربية ببلادنا، وهو مشروع جاهز من المهم أن تتبناه الهيئة العامة للسياحة وقد صدر منه حتى الآن 56 كتابا وإذا ما أضفنا إلى ذلك «مركز الملك فهد الثقافي» ودوره الذي بدأ يتفاعل مع الشأن الثقافي منذ أن أوكلت مهامه، إلى زميلنا المخضرم في العمل الثقافي «عبدالرحمن العليق» الذي أمضى جُل حياته العملية في خدمة العمل الثقافي بالرئاسة، يتضح لنا مقدار الحجم الكبير الذي تقوم به الرئاسة العامة لرعاية الشباب.
وإذا ما انتقلنا الى وزارة المعارف الآن وزارة التربية والتعليم نجد أن هذه الوزارة، كانت من أوائل الوزارات الحكومية، التي اوكل لها مسؤولية العمل الثقافي، ويعتبر «المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون» من أوائل الأجهزة التي أوكل إليها الشأن الثقافي في بلادنا، ولكنه ظل يراوح مكانه، بالرغم من كل الاهداف الطموحة التي أوكلت له، وتلك الكوكبة الرائدة من اعلام الأدب والثقافة التي كانت من أعضائه، وأتذكر عدة آراء لبعض هؤلاء الأعضاء في عمل المجلس، ومنهم علامة الجزيرة العربية الراحل «حمد الجاسر» كانت تُنكر على المجلس طريقة أدائه في تحقيقه أهدافه. كما اتذكر أنني حينما التحقت بالعمل في هذه الوزارة، كنت أشعر بعدم وجود هذا المجلس، الذي استحال الى مكتب إداري متواضع لا صوت له ولا حركة، بل أتذكر أن بعض الموظفين كان يأمل في النقل إلى هذا المجلس، لان ليس به عمل.
وعلى هذا القدر من الرؤية، يُمكن النظر الى «المكتبات العامة» التي هي جهاز من أجهزة وزارة المعارف، انشئت بموجب قرار مجلس الوزراء عام 1379ه - 1959م وقد كانت فكرة طموحة، بدأت «بدار الكتب الوطنية» (1388ه 1968م) التي ترحّم عليها عدد من الكتاب وما زلتُ مديناً لهذا الدار التي كانت دارا اخرى لي تعلمت فيها في باكر حياتي ومالبثت فكرة المكتبات العامة أن اتسعت فشملت عددا من المدن وأشباه المدن في بلادنا، حتى أصبح عددها على حد علمي أكثر من سبعين مكتبة عامة وقد كان هذا حلماً ثقافياً، يشبه نفس الحلم بإقامة الأندية الادبية، وتتدخل الظروف والأقدار و«المتلازمات» في حياتي بعد ذلك أن أُساهم في خطوة مهمة، عندما فكرت الوزارة في تأثيث تسع مكتبات عامة، بأحدث اثاث المكتبات، وفقا للأسس العلمية المكتبية في هذا الشأن، وهي خطوة مهمة، وفي اطار «مناقصة عامة» تم الإعلان عنها قبل أكثر من خمسة عشر عاما، فازت «دار المريخ» بمسؤولية تأثيث تسع مكتبات عامة في مدن المملكة، وتم استيراد الأثاث من بلاد السويد، وعبر هيئة علمية للمكتبات في السويد تم وضع تلك المواصفات العلمية لهذا الأثاث، واعتبرت ذلك جائزة شخصية لي، إذ اتيح لي على المستوى الشخصي أن أرد ديناً لواحدة من تلك المكتبات، هي الأم لهذه المكتبات «دار الكتب الوطنية» التي تضم في مجموعاتها أهم مصادر المعرفة العربية، والتي تم إنشاؤها وجمع مصادرها بهمة رجل ربما لا يعرف اسمه إلا القلة النادرة من المتابعين للشأن الثقافي والإداري، هو المرحوم «محمد أمين التميمي» الذي كان وراء فكرة ومشروع إنشاء المكتبات العامة ودار الكتب الوطنية في الرياض، وكان اول مدير لادارة المكتبات العامة في وزارة المعارف ولكن الحلم تبعثر، إذا أصبحت «النظرة الإدارية» إلى هذه المكتبات، وكأنها مجرد قسم إداري يتآكل مع تقدم الزمن، ودخوله في صيرورة العمل الإداري النمطي، وهكذا تم التضحية ببعض مباني المكتبات العامة، كمثل مبنى المكتبة العامة بالرياض التي أُنشئت إلى جانب دار الكتب الوطنية، وتقع تلك المكتبة على رأس شارع «الضباب» مع شارع «المعذر» وكان مآل هذه المكتبة بعد تجهيزها بالأثاث والكتب، إلى «وزارة الحج» تستعملها ليس كمكتبة وإنما كمقر إداري للوزارة ولم يكن حال هذه المكتبة بأحسن حال من المكتبات «السبعين» إذ أصبحت تلك المكتبات بعد إنشائها، وتجهيز بعضها بالأثاث المعتمد من هيئة المكتبات العامة بالسويد، مجرد مخازن للكتب، وقد لفت وضع هذه المكتبات نظر بعض الأكاديميين المتخصصين في علوم المكتبات وأحزنهم ما آلت اليه، ومن هؤلاء الدكتور «سعد بن عبدالله الضبيعان» فكتب بحثاً ميدانياً راجع فيه وضع هذه المكتبات، وقدم فيه الحلول لانتشالها من وهدة التدهور، نَشرتُه في «مجلة المكتبات والمعلومات العربية» التي تصدر عن دار المريخ للنشر، وقد أودعت نسختين من هذا العدد في حين صدوره في مكتب وزير المعارف، عام (1416ه - 1996م).
وما يقال في شأن المكتبات العامة، يُقال عن المكتبات التي تُشرف عليها «وزارة الحج والأوقاف» قبل فصل قطاع الأوقاف عام 1414ه وضمه إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد التي أنشئت في نفس العام، وهذه المكتبات همها أكبر، حيث هي مكتبات أوقاف، وكانت من أقدم المكتبات في بلادنا، وتحتوي على مجموعات نادرة من المخطوطات والكتب، وقد كتبتُ عنها بحثا مبكرا في مجلة العرب «1388ه 1968م» اعتماداً على بحث كتبه الرائد «عبدالله عبدالجبار» وقد استقاه من بحث مخطوط لعلامة الجزيرة العربية الراحل «حمد الجاسر» فقد كان الجهل في ادارتها، في ذلك الزمن المبكر، سبباً لتركها ملاذاً للنهب وسرقة نوادرها.
ومن المهام الثقافية الموكلة إلى وزارة المعارف، الآثار، ولديها وكالة خاصة بالآثار، ويتولى مسؤوليتها واحد من ألمع الآثاريين في بلادنا، هو الدكتور «سعد الراشد» والآثار على نحو من المفهوم الثقافي هي أم الثقافات، والحديث عن الآثار، قد يفتح جرحاً ينزف (وقد تحدثت على مدى مقالات سبع عن قضية الآثار والسياحة في هذه الجريدة) لقد توارى تاريخ بلادنا كأمة من أقدم الأمم والبلدان التي استوطن فيها الإنسان منذ حقب موغلة في القدم، على نحو ما هو معروف في بلاد محيطة بنا لها حضور في التاريخ القديم، بينما توارى هذا الوجه الحضاري بسبب تعثر مجريات البحث الآثاري، فظل هذا التاريخ مغيباً، فأصبحنا وكأننا ننتسب الى التاريخ كنص في متون الكتب، بينما لدينا شواهد هذا التاريخ الحي التي تُضيء النص وتدعمه، فهل تكون مسؤولية الآثار، مسؤولية وزارة الثقافة، أم مسؤولية هيئة السياحة؟
وتبرز «وزارة التعليم العالي» التي تم إنشاؤها عبر طريق «هيكلة» وزارة المعارف في عام 1395ه - 1975م كواحدة من اهم الوزارات، التي ترعى قطاعاً مهماً يصب في العمل الثقافي، حيث اصبحت بعد إنشائها تتولى مسؤولية المكاتب الثقافية والتعليمية، التي كانت قبل ذلك من مسؤولي «وزارة المعارف» وتحتفظ «الذاكرة الثقافية» انه منذ ان اصبح الراحل «حسن بن عبدالله آل الشيخ» وزيراً للمعارف عام (1381ه 1961م) وهو الأديب والمثقف والكاتب، كان يحمل في إهابه هاجس العمل الثقافي، فقد دفع بمشروع «المكتبات العامة» إلى حيز الوجود، وولدت فكرة إنشاء «دارة الملك عبدالعزيز» عام 1392ه، وحينما تم إنشاء وزارة التعليم العالي، أصبحت جهازاً من أجهزتها يرأس مجلس إدارتها الوزير، ومجلساً من نخبة مفكري وأدباء المملكة وتزامن مع ذلك إصدار مجلتها «مجلة الدارة» التي رأس تحريرها الراحل «محمد حسين زيدان» وتكون لها مجلس هيئة تحرير مكون من «عبدالله بن خميس»، «منصور الحازمي»، «عبدالله بن إدريس» وكان من حسن حظي تولي سكرتارية تحريرها ثم ادارة تحريرها، وصدر عددها الأول في «ربيع الأول 1395ه - مارس 1975م) وللتاريخ فقط فقد اتاح لي الوزير رئيس مجلس إدارة الدارة، أن أتولى المسؤولية الادارية في الدارة حيث كلفت أميناً عاماً مساعداً للدارة، لفترة لم تستمر أكثر من عامين، وأصدرت الدارة ولا تزال عدداً من الكتب الهامة في تاريخ وجغرافية بلادنا. وهناك «المجلة العربية» التي لا تزال تصدر عن وزارة التعليم العالي وتقدم وجهنا الثقافي عبر العالم العربي، ويتولى رئاسة تحريرها واحد من أنجب جيلنا «حمد عبدالله القاضي» وحين تولى وزارة التعليم العالي الباحث والعالم الدكتور «خالد العنقري» دفع بالعمل الثقافي في هذه الوزارة، الى الاستمرار ودعم إصدار المكاتب الثقافية بالخارج مجلات ثقافية، تعتبر رافداً للعمل الثقافي في بلادنا وخارجها، وأذكر من ذلك مجلة «الثقافية» التي يصدرها المكتب الثقافي بلندن والتي يرأسها كاتب ومثقف متميز هو زميلنا «عبدالله الناصر» الملحق الثقافي بلندن.
ولا تزال «دارة الملك عبدالعزيز» واحدة من أهم قطاعات العمل الثقافي، بعد ان أصبحت مؤسسة مستقلة يتولى رئاسة مجلسها صاحب السمو الملكي الأمير «سلمان بن عبدالعزيز» وهو الأمير المثقف، صديق وراعي الكتاب والصحفيين ويتولى أمانتها واحد من كوكبة أجيالنا المثقفة المؤهلة بالعلم والبحث الدؤوب هو الدكتور «فهد عبدالله السماري».
ويُعتبر مجال «البحث العلمي» عبر ميادينه المتعددة، الذي تتعهده هذه الوزارة رافداً مهماً من روافد العمل الثقافي الجاد. في عمل الجامعات في بلادنا، عبر مجالسها وجمعياتها العلمية. الذي يتآزر ويتكامل مع الدور الذي تلعبه «مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية». وفي المجال الاداري يبرز «معهد الادارة» في الشأن الثقافي عبر مؤسساته الحكومية.
من خلال هذه القراءة العابرة للشأن الثقافي في مؤسساته الحكومية، ربما تكون معالم مواقع هذه المؤسسات، قد اتضحت الى حد ما، ومعها يتضح حجم العمل الثقافي الذي تقوم به جهات حكومية متعددة، مما يجعل المراقب والمتابع لهذا الشأن الثقافي، يُسلّم بأن وزارة واحدة لديها مهامها، تنوء بحمل هذا العبء، إذا ما أوكل اليها القيام به إلا في ظل عمل مؤسسات مستقلة في ادائها الاداري والمالي، ولها من الحرية القيادية في اتخاذ قراراتها التي تدفع بالعمل الثقافي إلى الحياة والاستمرار والتجدد، لان طبيعة الثقافة هي التجدد وصنع الحياة، تتأثر بالمجتمع ويتأثر بها في علاقة جدلية مستمرة، وإذا ما تم تقييد الانطلاق الثقافي، بخطابات الموافقة «التي تتسلسل فيها الصلاحيات، تنتهي صلاحية المبادرة الثقافية. وأقرب مثال على ذلك، مثلاً المشاركة في المؤتمرات والمعارض الدولية الثقافية، أحياناً تنتهي تلك المؤتمرات والمعارض، قبل أن تتم الموافقة على المشاركة والتمثيل، لانها تتمخض» عبر سلسلة من الاجراءات الإدارية».
وبهذا القدر من الفهم للعملية الثقافية، تتفرد الثقافة بأنها عمل ليس «إعلامياً» إلا في حدود الإعلام عنها وتسويقها، حينما تكون الثقافة إعلاماً، تظل أسيرة لحبائل الإعلام المباشر وخطاباً دعائياً مباشراً، وهو ما تنفر منه الثقافة، ولا أظن أن المقصود بدمج «الثقافة والإعلام» في وزارة واحدة، استجابة لهذا المنحى. ولكنه مجرد تخطيط إداري محض، في معظم دول العالم التي تتباهى بواجهاتها الثقافية كفرنسا مثلا، نجد أن وزارة الثقافة، هي من أولى الوزارات التي اتخذت موقعها في تشكيلها الحكومي، وفي البلاد العربية نجد أن مصر بعد 1952 قد تغير مسمى وزارة الثقافة فيها، حيث كانت في بداياتها، وزارة الثقافة والإرشاد القومي والمقصود «بالإرشاد القومي» «الإعلام» وكان الوجه السائد للثقافة «اعلامياً» خطاباً سياسياً يخدم توجهات الدولة، وكانت الإصدارات الثقافية في ذلك الوقت أسيرة لأعلمة الثقافة» وليس «تثقيف الاعلام» وقدانتصرت الثقافة لنفسها فيما بعد في هذا البلد، الذي يحتوي على أكبر معطى ثقافي، فأصبح المسمى «وزارة الثقافة» لقد كان حجم الثقافة أكبر من الإعلام.
|