فهد بن سعيد.. لا يرضى بهذا!!

لا شك ان الموت حقيقة مرة.. وان حاولنا تغافلها وتناسيها.. فكم مرة داهم الموت احد احبابنا.. وكم مرة نسمع خبراً مفجعاً عن وفاة قريب او عزيز.. ولكننا مازلنا نعتقد متغافلين ان الموت لغيرنا وليس لنا !! واننا مخلدون وغيرنا يفنون.. واننا نُشيعُ فقط وكأننا لن نحمل على الاكتاف!!
وقد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم انه « في آخر الزمان يكثر الموت الفجأة».
فكان من موت الفجأة ما طالعتنا به «الجزيرة» في عددها رقم 11176 في صفحة الفن حيث ذكرت وفاة الداعية «فهد بن سعيد» اثر نوبة قلبية مفاجئة بعد وضوئه واستعداده لصلاة الظهر.. فحرصت على قراءة الخبر كاملاً وكل ما يحويه من سيرة للداعية رحمه الله.. ولكن ما ان استرسلت بالقراءة عن حياته الا وافاجأ بذكر مفصل لسيرته الاولى.. وما حوته من ضياع وبعد عن الله.. التي كان اخونا فهد بن سعيد - رحمه الله - يشكر الله ويحمده على ان اخرجه من تلك الحياة البئيسة.. حياة اللهو وتخدير الامة بالاغاني التي لا تزيد في حياة الشباب واجيال المستقبل الا تميعاً وهامشية..! فكان مما قال رحمه الله:« والله لو مت على حياتي السابقة من غير توبة لمت ميتة حمار..!!».
وصدق والله فبعد ان منّ الله عليه بالهداية وهجر الحياة الرخيصة حياة اللهو والعبث والضياع.. الى الحياة الكريمة حيث الانس بحياة ملؤها السعادة والطمأنينة.. مليئة بذكر الله والتفكر بالائه ونعمه وحينما وافته المنية.. على خاتمة حسنة مات ميتة الكرماء ميتة الصالحين والتائبين.. فخرجت الجموع بالآلاف لتشييع جنازته واصبحت الجنازة تمشي على ايدي المشيعين لكثرتهم.. وهذه والله ميتة الشرفاء الذين اكرمهم الله بالهداية وثبتوا على الطريق المستقيم.. وايقنوا ان الحياة ماهي الا سلم وطريق الى الآخرة.. وكما قال احد السلف:« ان الدنيا لم تخلق لينظر اليها، بل لينظر بها الى الاخرة» فحينما عرف - رحمه الله - ان من اعرض عن ذكر الله وهجر كتابه.. واستبدله بالآت العزف واللهو..!! فإن له معيشة ضنكاً في الدنيا.. مع ما ينتظره في الآخرة.. قرر قراراً حاسماً بأن يهجر هذه الحياة النتنة الى حياة رغيدة سعيدة.. فكان له من اسمه نصيب.. حيث كان فهد: فهد ضارياً في وجه الشهوات واربابها الذين حاولوا ان يحولوا بينه وبين الاستمرار في طريق العزة والكرمة.. فأصبح بذلك سعيدا: بطاعة الله والانس بقربه ومناجاته.. فتوفاه الله وهو يستعد لمناجاة ربه والاتصال بخالقه.. وهذه والله من علامات حسن الخاتمة التي يتمناها كل مسلم.. قال صلى الله عليه وسلم:« اذا اراد الله بعبده خيراً استعمله»، قالوا: كيف يستعمله، قال «يوفقه لعمل صالح قبل موته».
ومن المواقف التي تجلت فيها علامات حسن الخاتمة ما حصل للخليفة عمر بن عبدالعزيز الذي ترك حياة الترف والنعيم الى حياة الزهد والعبادة فلما احتضر عمر بن عبدالعزيز قال لمن حوله: اخرجوا عني فلا يبق احد. فخرجوا فقعدوا على الباب فسمعوه يقول: مرحباً بهذه الوجوه، ليست بوجوه انس ولا جان، ثم قال: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الارض ولا فساداً والعاقبة للمتقين.. ثم قبض رحمه الله.
وكان السلف رحمهم الله يخافون من سوء الخاتمة وهم من اشد الناس عبادة وطاعة - فكيف بأمثالنا - فقد كان يزيد الرقاشي يقول لنفسه:« ويحك يا يزيد من ذا الذي يصلي عنك بعد الموت، من ذا الذي يصوم عنك بعد الموت، ثم يقول: ايها الناس، الا تبكون وتنوحون على انفسكم باقي حياتكم.. ولماذا لا يخاف المسلم من سوء الخاتمة وهو يعلم ان الذنوب تخذل صاحبها عند الموت كما قال ابن كثير رحمه الله:ان الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت .
وهناك موعظة بليغة لانس بن مالك - رضي الله عنه - حيث قال:« الا احدثكم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن: اول يوم يجيئك البشير من الله، اما برضاه او بسخطه.. واليوم الثاني يوم تعرض فيه على ربك اخذاً كتابك اما بيمينك واما بشمالك.. واول ليلة: ليلة تبيت فيها بالقبر.. والليلة الثانية: ليلة صبيحتها يوم القيامة..»
واخيراً.. اعود واشكر مَنْ كَتبَ عن وفاة الداعية فهد بن سعيد رحمه الله في تلكم الصفحة.. واقول يا حبذا لو لم تذكر حياته السابقة التي كان يقول عنها:« والله اني لاود ان انفق الملايين لاسحب اشرطتي من الاسواق».. لانه عرف انها ليست «صدقة جارية او علم ينتفع به!! بل هي وبال على صاحبها ان لم يمن الله عليه بالهداية..
نسأل الله ان يتغمده بواسع رحمته وامواتنا وجميع موتى المسلمين.. وان يمن على من خدر شباب الامة بالاغاني والعبث بالهداية والرشاد.. آمين..