* القاهرة مكتب الجزيرة على البلهاسي:
جاءت جولة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول الى المنطقة بعد عام او اكثر من توقف الجهود الأمريكية لاقرار السلام في الشرق الاوسط لتضع الكثير من علامات الاستفهام حول مدى جدية الادارة الأمريكية في المضي قدماً نحو تحقيق السلام وتطبيق خريطة الطريق واعلان الدولة الفلسطينية كما وضعت الجولة علامات استفهام اكثر حول مستقبل التعامل الأمريكي في المنطقة بعد التطورات التي شهدتها اثر حرب العراق.
اجندة باول في جولته كانت تحمل العديد من الاهداف الخفية والمعلنة كعادة اي تحرك أمريكي في منطقة الشرق الاوسط والمعلن ان وزير الخارجية الأمريكي جاء الى المنطقة بعد طول غياب في محاولة جادة من الولايات المتحدة لاقرار السلام في الشرق الاوسط وتحقيق خريطة الطريق وتأكيد الالتزام الأمريكي بإنهاء الصراع العربي الاسرائيلي وتحقيق السلام واقامة دولة فلسطينية، في حين يرى المراقبون ان الجولة انتهت تقريباً بفشل حقيقي في انتزاع أي ضمانات اسرائيلية لتطبيق الخريطة واستئناف عملية السلام او حتى الموافقة الاسرائيلية من حيث المبدأ على خريطة السلام الأمريكية التي ترى فيها واشنطن حلاً لجميع مشاكل الشرق الاوسط. باول نفسه له وجهة نظر اخرى حول نتائج جولته فوفق رؤية الكثير من المراقبين فقد أدى باول مهمته بنجاح كامل خاصة اذا كان الهدف الاساسي منها توجيه رسالة واضحة الى العرب تحدد ملامح التعامل الأمريكي الجديد مع المنطقة بعد ان بلغ غرور القوة الأمريكي مداه اثر تحقيق النصر في العراق فالمنطق الأمريكي الجديد يقوم على اساس ان المطالب الأمريكية في المنطقة اصبحت التزامات واجبة التنفيذ حتى وان كانت دون مقابل والادارة الأمريكية حددت مطالبها من المنطقة في هدف واحد وهو القضاء على جذور الارهاب الذي تراه منتشراً في العديد من الدول العربية من خلال منظمات المقاومة المسلحة وعلى رأسها حزب الله ومنظمات المقاومة الفلسطينية ومن وجهة النظر الأمريكية فقد نجح باول في توصيل هذه الرسالة واضحة الى الدول التي قام بزيارتها خلال جولته ومن بينها سوريا ولبنان وفلسطين.
المأزق السوري اللبناني
الرسالة الواضحة التي استبق بها باول زيارته في المنطقة كانت في تصريحاته اثناء زيارته لاسبانيا في اطار جولة شملت عدداً من دول اوروبا قبل بدء جولته في الشرق الاوسط حيث اكد فيها باول ان ازاحة صدام حسين عن السلطة في العراق قد غيرت التوازنات في الشرق الاوسط في اشارة الى ان الاوضاع اختلفت وان التعامل الأمريكي مع المنطقة سيكون مختلفاً هذه المرة ورأى المراقبون باول يلزم حذراً شديداً في هذه الجولة التي تشير الى تحركات جديدة في منطقة الشرق الاوسط تأتي في اطار الجهود الأمريكية للقضاء على الارهاب والتي كان آخر ضحاياها النظام العراقي السابق.
ومنذ انتهاء الحرب الأمريكية على العراق والكثير يتساءلون: من التالي على قائمة الولايات المتحدة؟ ولم تتردد الولايات المتحدة في اعطاء ايحاءات واضحة الى سوريا بعد اسابيع من الاتهامات والتهديدات لها بدعوى تطويرها لاسلحة كيميائية وتأييدها للجماعات المسلحة الفلسطينية واللبنانية بالاضافة الى دعمها للهاربين من بقايا نظام صدام حسين الذين زعمت واشنطن انهم فروا الى سوريا ولذلك لم يكن غريباً ان تكون سوريا هي المحطة الاولى لجولة باول في المنطقة وبعدها لبنان ولم تخل هذه البداية من اشارة واضحة بأن واشنطن لديها خطط جديدة في المنطقة وتريد من سوريا ولبنان ان تكونا جزءاً فيها.. تصريحات باول في زيارته لسوريا اكدت ان هناك رسالة ثابتة من واشنطن لدمشق فقد قال باول انه كان هناك العديد من الشكوك حول سوريا ولكنه اتى الى المنطقة ليحصل على رؤية اشمل وليستمع الى رؤية الرئيس السوري بشار الاسد حول الموقف واشار الى انه يريد ان يرى اذا ما كانت سوريا تريد الآن ان تعيد النظر في سياساتها القديمة على ضوء التغيرات الجديدة ام لا ووضح باول المطالب الأمريكية من سوريا في انهاء الدعم السوري للجماعات المسلحة التي تصفها واشنطن بأنها ارهابية وعلى رأسها حزب الله اللبناني الذي ترى واشنطن ان سوريا هي الجهة التي يمكنها ان تساعد في وقف نشاطه. الخطاب الدبلوماسي الذي اتسمت به زيارة باول لسوريا لم يخف التهديدات الأمريكية المتوارية ولم يخف دوره في زيادة الضغوط الأمريكية على دمشق في ظل وجود مؤشرات على ان واشنطن مازالت تبحث امكانية فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على دمشق اذا لم توقف دعمها للجماعات اللبنانية والفلسطينية المسلحة ورغم ان الموقف السوري يبدو ثابتاً من حيث رفض لغة التهديدات الأمريكية واعتبار نشاط هذه الجماعات التي تراها واشنطن ارهابية كفاحا مشروعا ضد الاحتلال الاسرائيلي الا ان المراقبين يقولون ان سوريا بدأت تدرك بالفعل ان المنطقة شهدت بالفعل تحولات جديدة وان هذه التحولات وضعت زمام الامور في المنطقة في يد الولايات المتحدة ولذلك يتوقع المراقبون مزيدا من التجاوب السوري مع المطالب الأمريكية في ضوء التجاوبات السابقة التي قامت بها سوريا مع المطالب الأمريكية لخفض حدة التوتر بينها وبين واشنطن فقد اغلقت حدودها مع العراق وابعدت بعض مسؤولي حكومة صدام حسين الذين فروا الى داخل الاراضي السورية كما قامت واشنطن مؤخراً بإغلاق عدد من مكاتب بعض الجماعات المناهضة لاسرائيل في دمشق وهو ما شجع باول على القول بانه في انتظار ان تقدم سوريا المزيد واذا كانت زيارة باول قد وضعت امام سوريا خياراً صعباً بين واشنطن ومنظمات المقاومة فان مجال الاختيار اصبح ضيقاً كما يقول المحللون في ظل التحولات الجديدة في المنطقة. نفس الامر اشار اليه المحللون فيما يتعلق بلبنان التي يوجد على ارضها حزب الله الذي اصبح فيما يبدو العدو رقم واحد لأمريكا بعد بن لادن وصدام حسين فرسالة باول كانت واضحة تماماً للحكومة اللبنانية اثناء زيارته لبيروت وهو انه قد آن الأوان لكي ينتشر الجيش اللبناني على الحدود مع اسرائيل ليضع حداً للوجود المسلح لميليشيا حزب الله والحفاظ على الهدوء على امتداد الحدود الجنوبية للبنان وهو الامر الذي ينتظر ان تتعامل معه الحكومة اللبنانية في الفترة القادمة وهو ما سيضعها في مواجهة مع حزب الله صاحب الفضل في تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي وربما كان للموقف السوري المنتظر تأثيره على الموقف اللبناني من حزب الله وكلاهما ربما سيميل للمطالب الأمريكية.
فشل في الطريق
ورغم ان سوريا ولبنان وباقي العرب يضعون المسار الاسرائيلي الفلسطيني بمثابة اختبار للنوايا الأمريكية في منطقة الشرق الاوسط وان الزعماء العرب يريدون معرفة اذا ما كانت الطالب المطلوبة منهم ستتوازى معها مطالب اخرى من اسرائيل لانهاء الاحتلال وتحقيق السلام الا ان وجهة النظر الأمريكية ترى فيما يبدو ان العرب مطالبون باثبات حسن النوايا والتنفيذ أولا للمطالب الأمريكية و الاسرائيلية في حين تستمر اسرائيل في ممارسة ابشع صور الاحتلال دون أي محاسبة أمريكية فالمحللون يرون ان جولة باول التي شملت ايضا لقاء مسؤولين اسرائيليين وفلسطينيين لم تتوصل الى نتائج ذات مغزى فيما يتعلق بموقف اسرائيل من خريطة الطريق واكتفى باول بممارسة مزيد من الضغوط على حكومة ابو مازن من اجل محاربة التنظيمات الفلسطينية المسلحة التي تراها واشنطن ارهابية وباستثناء الوعد الأمريكي بتقديم مساعدات مالية بقيمة 50 مليون دولار للسلطة الفلسطنيية لم تقدم زيارة باول اي نتائج ايجابية أو مكاسب للفلسطينيين الذين زادت شكوكهم في جدية الالتزام الأمريكي بتحقيق السلام واقامة الدولة الفلسطينية. على الجانب الاخر حققت الزيارة مكاسب عدة للجانب الاسرائيلي كان على رأسها تأكيد الالتزام الأمريكي بتحقيق الامن لاسرائيل من خلال الاصرار على القضاء على منظمات المقاومة المسلحة وعلى رأسها حزب الله الصداع المزمن في رأس اسرائيل وكذلك تكثيف الضغوط على حكومة ابو مازن لمحاربة منظمات المقاومة الفلسطينية ولم ينجح باول في انتزاع موافقة اسرائيل على خريطة الطريق بل لم يسع للضغط على شارون من اجل اتخاذ اجراءات من شأنها تطمين العرب بحسن نيته في تحقيق السلام بل ان شارون اكد في وجود باول ان اسرائيل لن تقدم اي تنازلات في مجال الامن وقامت قوات الجيش الاسرائيلي بتصعيد عسكري جديد باجتياحها مدينة رفح واغلاق قطاع غزة بعد ساعات من تخفيف القيود على حركة الفلسطينيين بسبب زيارة باول الى المنطقة.
كل ما فعله باول انه اعلن ان الشروط اصبحت مكتملة لتطبيق فوري لخريطة الطريق مؤكداً ضرورة التحرك الفلسطيني لمحاربة الارهاب ومشيرا الى انه ما زال ينتظر تعليقات اسرائيل على الخريطة وهو ما رأى بعض المراقبين انه يفتح الباب امام شارون لطلب التعديلات التي يريدها وهوما سيفرغ الخريطة والتحركات الأمريكية من مضمونها ولعل الحكم الوحيد الباقي على مدى جدية هذه التحركات هو نتائج الاجتماع المنتظر بين شارون وابو مازن وقمتهما المنتظرة مع الرئيس الأمريكي بوش في واشنطن.
|