Tuesday 13th may,2003 11184العدد الثلاثاء 12 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الإمبراطورية الديموقراطية! الإمبراطورية الديموقراطية!
باتريك بوكانان ( * )

عندما استشهد نيل فيرجسون المؤرخ البريطاني بكلام الرئيس الأمريكي جورج بوش عندما قال: «سوف نظل في العراق طالما كان ذلك ضروريا، وليس ليوم واحد أكثر من ذلك» كان يساوره القلق من أن الإمبراطورية الأمريكية سوف تصبح «أسرع الإمبراطوريات زوالا في التاريخ».
وكان نيل فيرجسون قد كتب في مجلة النيويورك تايمز قائلا: «بناة الإمبراطوريات الأخرى حلموا بأن يحكموا الدول التي احتلوها لمدة ألف عام، ولكن ما قاله بوش بدا وكأنه يمثل أول إمبراطورية يكون عمرها ألف يوم، مما يجعلها مثل ألف ساعة فقط».
ولكن لماذا لا يستطيع الأمريكيون الحفاظ على إمبراطوريتهم؟ لأننا كما يقول «نفتقد واحدة من أهم الصفات التي بدونها سوف ينهار أي مشروع لبناء إمبراطورية، هذه الصفة هي: القدرة على التحمل».
وفيرجسون في ذلك قد أصاب وأخطأ في آن ، فالأمريكيون بالفعل عاجزون، ولكن ليس لأننا نفتقد القدرة على التحمل، فعلى مر 40 عاما استطاع أبناء جيلنا من الأمريكيين المثابرة والتفوق على الإمبراطورية السوفيتية التي كان أكثر ما تميزت به هو القدرة على التحمل، ولكن ما نفتقده هو الإيمان بمبدأ الإمبراطورية ذاته، وهو اعتقاد مطلق بأننا نمتلك تفويضا مطلقا لحكم الشعوب، فهذا هو المعتقد الذي دفع الإنسان إلى إنشاء الإمبراطوريات في السابق.
عندما أتت أسبانيا وفرنسا وإنجلترا إلى «العالم الجديد» إلى الأمريكيتين وأستراليا، لم يكن ذلك فقط من أجل الذهب والأرض الجديدة، بل من أجل السيطرة الكاملة على الثقافة والتقاليد، أما في حروبنا مع الهنود الحمر والمكسيكيين والأسبان والفليبينيين فقد كنا،نحن الأمريكيين، مدفوعون أيضا باعتقاد أننا نتفوق عليهم حضاريا، ولم نتردد في فرض قواعدنا وطريقتنا الأمريكية في الحياة على الشعوب التي هزمناها، والتي وصفهم الروائي الأمريكي كيبلينج بأنهم كانوا «سلالات أدنى لا يحكمهم قانون».اليوم أصبح الاعتقاد السائد هو أن الإمبراطوريات الغربية السابقة كانت مصدراً لكل الشرور الإنسانية في الخمسة قرون الماضية: العنصرية، الاحتلال، الرق، وكراهية الآخر، وفي الأسبوع الذي سبق أحداث 11 سبتمبر عقدت الأمم المتحدة اجتماعا في ديربان بجنوب إفريقيا، كان الهدف من ذلك المؤتمر هو مطالبة الغرب بالنيابة عن مختلف الشعوب والأعراق التي من أصل غير أوروبي بإصلاحات كبيرة، كتعويض عن الجرائم والخطايا التي ارتكبها الغرب في حق الإنسانية،واليوم نعلم أبناءنا أخطاء وشرور تاريخنا إلى جانب معتقداتنا الديموقراطية التي تنادي بالمساواة بين البشر، ذلك المعتقد الجديد الذي يؤمن بأن كل الأعراق والأديان والثقافات والحضارات متساوية، ولا حق لأي منهم بأن يفرض قيمه على الآخر أو يحكم دولا أخرى، وجعلنا من الأمم المتحدة الضريح لتلك الفكرة، ولكن أن تسير تلك الأفكار إلى نهايتها، مع الوضع في الاعتبار تناقص نسبة سكان الغرب مقارنة بالعالم، فإن ذلك سوف يؤدي إلى ما أسماه جيمس بورنهام: «انتحار الغرب».
بل إن الأمريكيين لم يكتفوا بذلك ولكن جالوا خارج بلادهم بحثا عن وحوش لتدميرها، ولن نستطيع بذلك الالتفاف حول قول جيفرسون المأثور بأن كل القوى العادلة يجب أن تأتي من إجماع شعوبها وليس على ظهر الدبابات، أو نلتف حول مقولة ويلسون التي أدرجها ضمن مبادئه التي لخصها في «14 نقطة» بأن كل الشعوب لها الحق في تقرير مصيرها، وعندما تأصلت هاتان الفكرتان في قلوب وعقول النخبة الغربية في السابق اختفت كل الإمبراطوريات القديمة.
الإمبراطورية الأمريكية لا يمكن لها البقاء لأنها تناقض كل أيدلوجياتنا الديموقراطية التي تنادي بأن كل الشعوب متساوية ولها الحق في أن تحكم نفسها بنفسها، وعندما يستشهد العراقيون بمبادئنا تلك ضدنا فسوف يحمل الأمريكيون عصاهم وأمتعتهم حينئذ ويرحلون عائدين إلى بلادهم.فالقضية إذن بوضوح: إذا ما قمت بالاستشهاد بالمبادئ الأمريكية فسوف تستطيع حينئذ أن تطردنا إلى الخارج، وذلك لأننا آمنا بأن الطريقة الوحيدة التي تقدر فيها أمريكا على مهاجمة وغزو دولة أخرى هي بأن تصور نظام ذلك البلد على أنه يهدد أمننا القومي.ولكن بمجرد غزو عدونا والإطاحة بنظامه ونزع أسلحته فلا حق قانوني أو أخلاقي يسمح لنا بالبقاء لنحكم وأن نوجه الشعوب ليتخلوا عن معتقداتهم ويؤمنوا بمعتقداتنا، فالإمبراطورية الديموقراطية متناقضة حتى في اسمها، والأمريكيون ليسوا ببساطة ذلك الشعب الذي يستطيع العيش في تناقض..

(*) مرشح رئاسي أمريكي سابق «ورلد نت ديلي»

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved