تحدث الكثير من معوقات الاتصال في العمل الإداري وقد يحمل البعض منهم على البعض الآخر نتيجة للتقصير أو عدم التعاون.
وهؤلاء يمكن أن يكونوا فاشلين في الاتصال الإداري.. والسؤال الذي يمكن طرحه: ما هي أساليب الإقناع الإداري؟
للإجابة على هذا التساؤل سنحاول في هذا الأسبوع التطرق إلى كتاب أساليب الإقناع الإداري «لكيت كينان».
وقد تناول المؤلف الاتصال مع الآخرين الذي يشمل كل أنواع النشاطات، المحادثة، والإقناع، والتعلم، والمفاوضة، ولكي تكون جيداً في أي من هذه النشاطات من الضروري أن تفهم ما هو دور الاتصال مع الآخرين وكيفية تطوير مهاراتك المطلوبة لامتلاك المقدرة الجيدة على ذلك الاتصال وإليكم استعراضاً موجزاً لأبرز ما تناوله المؤلف في هذا الشأن:
الحاجة إلى اتصال جيد مع الآخرين
إن الاتصال جيداً مع الآخرين يبقي الأمور في حركة متواصلة، وهو يشمل في إطار الإدارة إما طلب المعلومات أو إبلاغها بشكل أو بآخر أو التأثير في الآخرين لكي يفهموا تلك المعلومات وتعليمات أخرى، وأن يعملوا على تنفيذ تمنيات المدير ورغباته.لكن الكثير من المشاكل تنتج عن سوء الاتصال مع الآخرين أو النقص في ذلك الاتصال، واللذين قد يؤديان معاً إلى معلومات خاطئة أو حصول سوء تفسير وسوء فهم المعلومات.. ومعرفة أين يمكن أن يحصل الخطأ في الاتصال مع الآخرين هي نقطة بداية مفيدة للشروع في السعي إلى إقامة اتصال فعال مع الآخرين.
فبدون الاتصال الفعال مع الآخرين لا تكون الإدارة ممكنة بل مستحيلة، وإذا لم تكن قادراً على الاتصال مع الآخرين بوضوح لن يعرف الآخرون ماذا تريد وماذا تعني أو ما في ذهنك من أفكار، والإيصال الصحيح يصنع الصلة بين الفكر والفعل. والاتصال مع الآخرين ليس شيئاً يحصل هكذا وحسب، بل يتطلب انتباهاً لموضوع الرسالة إذا كان يراد لها أن تصل وتفهم بالشكل الصحيح.
وفي حال عدم حصول ذلك لا أنصحك حتى بالبدء بالكلام، أي ألا تتكلم إلا إذا كنت متأكداً من إيصال رسالة ما تقوله بوضوح إلى الآخرين.
فهم عملية الاتصال مع الآخرين
من أجل فهم عملية الاتصال مع الآخرين قد يكون من المفيد معرفة القليل عن كيفية عمل الدماغ، فرغم أنه ليس من الواضح حتى الآن كيف يعمل الدماغ بشكل عام، لكننا لا نعرف الكثير عن نشاطه وكيفية تأثيره في طريقة اتصال الناس ببعضهم البعض.
إن تأكدك من أنك تتصل مع الآخرين بالشكل الملائم فيه نوع من الشك، ومن الأسهل إدراك ذلك إذا كنت واعياً لكيفية استيعاب الآخرين للمعلومات وتخزينها ومعالجتها وتوليد الأفكار وتحويلها إلى نظام نطقي كلامي.
لكن من المدهش أيضاً معرفة ما يحصل عندما يتأثر الاتصال مع الآخرين بالاختلاف الشخصي في إدراكهم وأفضلياتهم الفردية. وهكذا لا يمكن لتفسير أحد الأشخاص أن يكون مماثلاً دائماً لتفسير الشخص الآخر للمعلومات ذاتها، فعمليات الإدراك الذاتي والحالة النفسية والهوية الجنسية تلعب كلها دوراً مهماً في طريقة اختيار الشخص للمعلومات ومعالجتها.وكل هذا لا يؤثر فقط بكل شخص بشكل يختلف عن تأثيره في الشخص الآخر،
بل يؤثر فيهم في شكل مختلف من وقت لآخر أيضاً لأن عملية الاتصال مع الآخرين هي عملية متواصلة ومتغيرة.
تلقِّي الرسائل الفكرية والكلامية وإرسالها
الاتصال مع الآخرين هو عملية ناشطة تشمل نقل الأفكار وفهمها من خلال تلقي الرسائل الفكرية والكلامية وإرسالها.
وفور تشكل إحدى الأفكار قد تبقى الفكرة عالقة في الذهن كفكرة دائمة، وهذا حسن إذا كان هذا ما يريده الشخص، لكن إذا رغب ذلك الشخص بنقل تلك الفكرة فلابد من وضعها في شكل رموز توصل الفكرة بوضوح إلى الشخص الآخر، فلا يمكن لأي شخص أن يقفز إلى دماغ شخص آخر لانتزاع الفكرة منه أو استكشاف ما في ذهنه كما لو كان يصور ورقة ما، أو كما يقرأ الصحيفة مثلاً.
وبما أن الاتصال مع الآخرين هو عملية ثنائية فأنت تحتاج إلى تقدير طرفي عملية نقل الأفكار:
- عملية وضع رموز الفكرة من قبل المرسل، أي تحويلها إلى كلمات، وتحويل الأفكار التي تتمنى إيصالها إلى كلمات.
- عملية فك رموز الفكرة من قبل متلقي أو مستلم الرسالة، أي تفسير الكلمات وإعطاؤها معنى.
وعند الاتصال مع الآخرين تقوم أنت بالإرسال والتلقي في الوقت ذاته، وللدماغ قدرة على معالجة المعلومات بسرعة تساوي أربع مرات سرعة سماع الكلام، لهذا يكون لديه الوقت الكافي لتحضير جواب.لكن كمرسل للأفكار والكلمات بإمكانك أن تعرف عما إذا كان مستلم الإرسال يتلقى الأفكار والكلمات بالشكل الملائم فقط عند حصول جواب منهم أو منه أو أي تجاوب آخر.
وعليه فهناك جانبان أساسيان في عملية الاتصال مع الآخرين، فالرسالة الفكرية أو الكلامية تحتاج لكي ترسل بوضوح، ولكي تستلم بوضوح أيضاً.
والاتصال مع الآخرين هو مزيج بين الإرسال الفعال والاستلام الفعال في حلقة متواصلة.
على هذا الأساس فإن المستلم هو حقاً الشخص الذي يضع حلقة الاتصال، فالمرسل يتكلم فقط أو يكتب ما يجعل من الممكن على المستلم التجاوب معه.
الكلام أو المخاطبة والاستماع
سرُّ الاتصال الجيد هو معرفة أن كيفية قولك لشيء ما هي أهم مما تقوله حقاً، وهكذا ولإيجاد أعظم تأثير ممكن يجب أن تستعمل أفضل التعابير المتوافرة من خلال حركات يديك وجسمك ونغمة صوتك ومفردات مختارة.
وتشير الأبحاث إلى أن نغمة الصوت والمظهر الخارجي للشخص تساهم بنسبة 90% من الانطباع المتكون لدى الآخرين عنك كما يلي:
- الصورة المرئية أو التأثير المرئي: 55%، ونقصد بها وضعية الجسد وهيئته وحركاته ومدى الاقتراب من الآخرين بصرياً والسلوك العام.
وكلها تساهم في إعطاء انطباع فوري عنك، وبسبب حركاتك وتعابير وجهك التي تعتبر أقوى بكثير تعبيرياً من الكلمات التي تستعملها.
لذلك يجب أن تكون مدركاً لأهمية ذلك وأن تتأكد من الانتباه جيداً لها.
- التأثير الصوتي: 35%، ونقصد بهذا نغمة صوتك وقوته وحدته وسرعته، وهذه تؤثر في كيفية تفسير الآخرين لما تقوله، ولأن ثلث مدى تأثيرك في الآخرين يأتي من التأثير الصوتي يجب أن تتأكد من أنه يعزز ما تريد قوله أو إيصاله إلى الآخرين.
- التأثير اللفظي 7%، قد لا تكون الكلمات المستعملة جزءاً كبيراً من تأثيرة في الآخرين لكن يجب أن تتذكر أنه وبعد تبدد التأثير المرئي والصوتي تبقى الرسالة الكلامية نفسها فقط.
من الواضح إذن أنه من أجل إيصال الرسالة وجعلها مفهومة كلياً يجب أن ترفقها بلغة جسدية تعززها.
وسواء عند التكلم أو الإنصات تكون حركاتك وهيئة جسدك وتعابيرك أساسية في حصول الاتصال المقنع والشامل مع الآخرين.
واستعمال صوتك وجسدك لتجسيد ما تقوله يعطي أقصى انطباع عند المنصت والإشارة بفاعلية إلى أنك مقتنع، وتفهم الرسالة تجعلك توجد ذلك الانطباع بفعالية للمتكلم أيضاً.
الكتابة والقراءة
إن الكتابة والتدوين يؤكدان وجود سجل دائم بالاتصال مع الآخرين، لكن الكتابة ليست دائماً سهلة، بل هناك قاعدة ذهبية يجب تذكرها وهي الشروع أولاً بتدوين الاتصال قبل تنقيحه.
وبعد كتابة الاتصال أو ما تريد إيصاله يمكنك تنقيحه في نسخة أولية تعكس ما تريد حقاً قوله، فإذا كنت تتوقع أن تكون قادراً على كتابة أفكارك على الورق بشكل مثالي في المرة الأولى ربما لن تبدأ بالكتابة على الإطلاق.
ويتطلب الاتصال بواسطة الكتابة معرفة نوع القارئ ودرجة ثقافته واهتماماته، وتذكر كل ذلك خلال الكتابة، فالتقديم الجيد يساعد كثيراً في جعل الرسالة المكتوبة ومواضيعها سهلة، وبحيث تكون متابعتها سهلة، وعندما يمكن للأشخاص فهم ما هو مكتوب يبقى عندهم الدافع لمتابعة القراءة.
وبتسهيل أسلوب وموضوع الكتابة وجعله قريباً من الفهم تبقى ككاتب على اهتمام القارئ بما يقرأه، وتترك عنده انطباعاً بأن ما هو مكتوب يستحق القراءة، ومن الأكثر احتمالاً عندها أن يعيد القراءة ثانية.
اهتمام الآخرين
لجعل الاتصال أكثر فعالية يجب أن يكون الشخص الذي تخاطبه أو تكتب إليه إلى جانبك أي معك في المبدأ لأنه في معظم الأحوال إذا لم يكن الشخص الآخر معك فهو إما حيادي أو ضدك.
قد تظن أنك في حالات كثيرة كل ما تفعله هو إعطاء الحقائق للآخرين، ولكن لجعل هؤلاء يصدقون ما تقوله يجب أن تأخذ في عين الاعتبار أولاً سبب اتصالك معهم.فبغض النظر عن موضوع الاتصال أنت تريد من الآخرين أن يهتموا بما تقوله،
وأن يفكروا أنه يستحق الإنصات أو الاستماع أو القراءة، ولفعل هذا يجب أن تشير إليهم أنهم موضع تقدير عندك.
إن الاهتمام بالآخرين هو مكون أساسي للاتصال الجيد معهم، فإذا بذلك جهداً لإظهار أنك تقدر أهمية الآخرين من خلال التركيز على ما يقولونه وإظهار التقدير له فإن ذلك يجعلهم يشعرون بأهمية أنفسهم مما يفتح لك أذهانهم.
وعندما تؤمن أن الآخرين لهم أهميتهم سيكون بإمكانك إيصال الثقة لهم، وهذا يجعلهم يشعرون أكثر بالجدارة، ويعني أيضاً زيادة احتمال تجاوبهم معك، وعندما يحصل هذا يكون الاتصال مع الآخرين على أفضل وجه.
وإذا كنت تجد أنك لا تحقق اتصالاً جيداً مع الآخرين فكر عما إذا كان سبب ذلك أنك أخفقت في اعتبار واحد أو أكثر من الأمور التالية:
الإرسال والاستلام:
إذا لم يفهم الآخرون رسالتك أو كلامك قد يكون سبب ذلك أنك لم تنشئ رسالتك حتى يحصل استلامها كما يجب، وإذا لم تقدم معلوماتك بوضوح كاف أو تختار كلماتك بعناية قد يجد الآخرون أنه من الصعب متابعة أفكارك، وقد يضيع كل جهدك في الاتصال إذا أخفقت في فهم أن كيفية استلام الرسالة المكتوبة أو الكلامية هي التي تحدد ما إذا كان الاتصال قد تحقق.
التكلم والكلام:
إذا لم يبد أن الآخرين يؤمنون بما تقوله أو ظهر عليهم الملل، قد تكون أسأت تقدير وجوب أن تعكس حركاتك وتعابيرك وأقوالك وتعززها، وقد يكون السبب أنك أخفقت في اعتبار التأثير المرئي أو الصوتي، ولكي يتم فهمك وتصديقك يجب أن تنتبه إلى حركاتك وقوة صوتك واللغة التي تستعملها.
الاستماع والإنصات:
إذا لم تفهم ما يقوله الآخر قد يكون السبب أن ذهنك منشغل بأمور أخرى بحيث فاتك الموضوع، وإذا لم تبذل جهداً للاستماع والإنصات بنشاط ربما تفهم الرسالة بشكل خاطئ، والتركيز على ما يقوله المتكلم وتوجيه الأسئلة إليه وإعطاؤه إشارات واضحة بأنك مهتم بما يقال يؤكد حصول الاتصال بين الطرفين.
الكتابة والقراءة:
إذا وجدت أنه غالباً ما يساء فهم ما تكتبه أو أن الآخرين لا يفهمون النقطة التي ترغب في إبرازها قد يكون السبب أن استعمالك للغة غير ملائم لقرائك، أو قد يكون السبب أنك لم تصمم الرسالة أو الوثيقة بحيث يجد الآخرون أنه من السهل قراءتها وفهمها.
تقدير الآخرين:
إذا لم يتجاوب الآخرون مع ما تقوله قد يكون السبب أنك لم تركز انتباهك عليهم، أو لم تشر إلى تقديرك لأهميتهم، وبالإمكان معالجة ذلك بتقدير آراء الآخرين ووجهات نظرهم.
وفور إظهارك أنك مهتم بالآخرين وتقدرهم يحصل الاتصال الأفضل معهم.
|