Tuesday 13th may,2003 11184العدد الثلاثاء 12 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
بين ينبع وبدر
عبدالرحمن صالح العشماوي

حينما دعاني مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي في ينبع الذي يديره الأستاذ «عبدالعزيز الحجام» لاقامة أمسية شعرية في ينبع، كانت الاستجابة لهذه الدعوة الكريمة تعبيراً عن سعادتي بلقاء جمهور الشعر والأدب في هذه المنطقة المهمة من مناطق المملكة، وهي منطقة ذات علاقة وطيدة بالأدب العربي الأصيل شعراً ونثراً، أشار إليها من كتبوا عن الشعر في ينبع مثل الأستاذ الإذاعي الكبير عبدالكريم الخطيب في كتابه «شعراء ينبع وبني ضمرة»، ورغبة في تلبية دعوة كريمة من أحد شباب محافظة «بدر» الكرماء لزيارة «بدر» التي تهتز نفوسنا لذكرها تقديراً وحباً وفرحاً لا ينقطع بذلك النصر الإسلامي الكبير، وبتلك المعركة الفاصلة التي فرَّق الله بها بين الحق والباطل.
هنالك في ينبع كان اللقاء الشعري، حيث تتناغم أصوات الآلات الحديثة في مدينة ينبع الصناعية، وكأنها تنشد شعراً «ميكانيكياً» خاصاً، يفهمه كل من له علاقة وطيدة بالصناعات البترولية وبالتجارة والاقتصاد، في ينبع حيث ينشد البحر ألحان أمواجه التي لا تنقطع، لأنها تعبر عن أعماقه المليئة بالأسرار، وحيث يطل جبل «رضوى» على المنطقة إطلالة الشموخ والثبات، وإطلالة الاعجاب بما يرى من هذا التطور الذي تشهده ينبع وما حولها، ولربما كان في اطلالة «رضوى» سؤال ممزوج بالعجب عن هذه المصانع العملاقة التي ترتفع إلى الأعلى ناطقة بمشروع صناعي كبير.
«لا تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين»، هذا ما تؤكد حولي كل الأمسيات الشعرية التي أسعد بإقامتها في مناطق متعددة، وهو ما تؤكده لي هذه القلوب الحية التي تحسن التعامل مع لغة الشعر ومعانيه وصوره وأفكاره، وهذه الوجوه التي تعبر ملامحها عن تفاعل صحيح مع الشعر.
ومن ينبع إلى «محافظة بدر»، كانت الرحلة التي رافَقْنا فيها أحداثاً تاريخية عظيمة، وكيف لا تكون عظيمة وهي تزف إلينا ذكرياتٍ عطرة مشرقة من غزوة بدر الكبرى، تلك الغزوة التي رسمت نتائجها ملامح دولة الإسلام الفتية القائمة على نهج الله بقيادة سيد البشر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.
الغزوة التي وقعت في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية من الهجرة المباركة وكان عدد المسلمين فيها ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً منهم ثلاثة وثمانون من المهاجرين ومائتان وواحد وثلاثون من الأنصار، وكان عدد الملائكة الذين شاركوا في المعركة ألف ملك بقيادة جبريل عليه وعليهم السلام، الغزوة التي كان عتاد المسلمين فيها سبعين بعيراً، وستين درعاً، وحصانين، وكان عتاد المشركين فيها أضعاف ذلك، الغزوة التي شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت العريش رافعاً كفيه إلى السماء يبتهل إلى الله «اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض».. اللهم نصرك الذين وعدتني»، فكان النصر بفضل الله وكان الظفر..
نعم.. الرحلة من ينبع إلى بدر ليست طويلة بمقياس المسافات المعروفة، ولكنها طويلة ماتعة بمقياس مسافات العزة والنصر، واللجوء إلى الله العلي القدير..
من ينبع إلى بدر لاحت لي صور الماضي المشرق، صور المسلمين الذين وجهوا قلوبهم إلى ربهم، وآمنوا به إيماناً راسخاً رسوخ جبل «رضوى» هذا العملاق الذي نراه، ولاحت صور صفوف المسلمين تقف كالبنيان المرصوص أمام جموع المشركين يلعبون ويمرحون وينحرون الجزور لتقول العرب ها هي قريش ذات المكانة والعزة حسب ما رأى أبو جهل، هناك وقف أهل الباطل وراء العدوة القصوى، والشيطان يتجول بينهم فرِحاً بهذه العقول الخاوية.
كما رأيت وراء العدوة الدنيا وجوهاً مشرقة بنور الإيمان ورسولاً صادقاً مصدوقاً عليه الصلاة والسلام يرفع يديه إلى السماء مناجياً ربه، وأصواتاً ندية ترتل آيات القران الكريم..
شتان بين الفريقين، وشتان بين العُدوتين.
بين ينبع وبدر، كانت السعادة غامرة، وكانت القلوب عامرة، فالحمد لله الذي أسعدنا بهذه البلاد الطيبة المباركة.
إشارة


أمتي، لم يزلْ يحرِّك عزمي
أملٌ في طريقك المنشودِ

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved