من مهارات التعبير عمَّا يجيش في النفوس كتابة الخواطر، والأشعار، وألوان النصِّ الإبداعي الجميل حتى إن جاء في قوالب قص، أو سرد، مباشر أو غير مباشر..
وعلى هذا تعارف الناس، وتآلف الفكر، ولجأ القارئون لاقتناء كلِّ ما يصدِّر لهم الكاتبون من تعبير وبوح في أيَّ قوالب لمشاركتهم، والاعتماد عليهم في أمر التعبير عنهم والإنابة بالبوح عمَّا في صدورهم وعقولهم بل مشاعرهم وأحاسيسهم، ذلك لأنَّ ليس كلُّ من يشعر ويتفاعل يستطيع أن يصوغ ما في جوفه حروفاً نثرية أو شعرية تتقافز بمشاعره وأحلامه وأخيلته بل مواقفه على الورق.. سواء كان ورقاً ورقاً!!، أو ورقاً إلكترونياً!!...
الآن تطورت مهارات التعبير فأصبحت تجئ في عبارات مكثفَّة، شعراً و نثراً تتَّسع لها شاشة جهاز الهاتف النقال، وتستوعب العشرات منها صناديق الوارد فيه وصناديق الصادر عنه...
كنت قبلاً أشرت إلى أنَّني بدأت حين انتشار «موجة» الرسائل الجوالية في حصد ما لا يقل عن ألفي رسالة وقمت بتصنيفها حسب موضوعاتها وأساليبها بل كلماتها وعباراتها، ووظَّفت ذلك تحت خانات القيَّم الاجتماعية حيث وجدت أنَّ هناك مروقاً وانفلاتاً في جوانب تدلُّ على تبدلات وتغيرات مهمَّة في هذا الشأن الفكري والسلوكي والتربوي يصل إلى الشأن الأخلاقي أيضاً.
إلا أنَّني توقفت بعد أن وجدت هذه الفكرة هاجس كلِّ من يكتب، من جهة ومن جهة أخرى لا تزال تتقاطر الرسائل ولا ما يوقف سيل بحرها وليس نهرها بما لا يمكِّن من إحصائها أو السيطرة عليها.
الآن أجد أنَّ ملَكة الشعر طغت، وازدادت رهافة الناس، وتعمقت نظرتهم للحياة إذ أصبحت الرسائل تحمل إلماحات فنية وأدبية وفكرية يمكن أن تؤدي إلى دراسة تطور مهارات التعبير، ونمو الإحساس الإيجابي بالحياة وبالعلائق البشرية من خلال هذه اللُّغة المكثفة، ذات الحس الجميل والكلمات المنتقاة سواء كانت في أسلوب دعابة منثور أو شعر بجدية أو هزل إلا أنَّ هناك متغيرات سائدة بدأت وتستمر تنبِّئ إلى زيادة وعي من جهة وقدرة على الانطلاق من «قوقعة» الصمت الذي كان يخيم على الشريحة الأكبر تلك التي لا تستطيع التعامل مع أسلوب الكتابة الصحفية أو الإبداعية لعدم وجود قدرة على الإفاضة، فجاءت رسائل الجوال مُعينة لفتح الباب على مصراعيه للغة التعبير المختزلة المكثفة العميقة تلك التي تنطلق بومضة فكرية أو شعورية لكنَّها معبرة أبلغ تعبير.. ولعمري إنَّه نهج جديد يدخل ضمن أساليب التعبير وأنماط الكتابة.
|