* تحقيق - سعود العلي:
يجمع قطاع المقاولات بطبيعته ظواهر عديدة لما يواجهه المجتمع السعودي بداية بالعمالة الوافدة ومروراً بالاستنزاف الاقتصادي وتداعياته وصولاً لأساليب الغش وأخيراً غياب الرقابة فيه.
ومما يجعل القطاع جاذباً للدخلاء تميزه بندرة العارفين بخفاياه وتطور الأساليب الملتوية وتمتعه بغياب آثاره الخطرة على المدى القصير بالاضافة الى خضوع المستفيد لعمليات الابتزاز رغبة في خلاصه.
الألاعيب التي تدار في خفاء قطاع المقاولات يتقنها بعض المحسوبين عليه من الوافدين خلف إدارات شركات سعودية تاركين فتات العقود المحصلة لمديريها.
شقوق في جوانب القضية لا يجدي معها الترميم في معالجتها واللبنات المتراكمة التي تظهر كقوائم ستتصدع آجلاً اذا لم يكن ثابتاً أساسها.
«الجزيرة» تلتقي المواطن والمقاول والمختص لتقف على بنية القطاع واستدراك ضحايا التطور العمراني مع اتساع رقعته وإيصال ما آل اليه من واقع للمسؤولية.
في البداية تحدث لنا المهندس أنور الشعيل وهو رئيس قسم تنفيذي بإحدى الشركات المختصة في سؤالنا عن المقاولين الأجانب العاملين من الباطن بأسماء مؤسسات سعودية.. قائلاً: هذه الشركات والمؤسسات يكون في اغلب الاحيان اصحابها غير مطلعين على أي شيء فهم فقط مسؤولون عن العقود التي تبرم مع الآخرين وحجم النسبة التي سيحصلون عليها، غير مبالين بالجودة وهذا بالطبع ينتج عنه اهمال كبير ومن المفترض على صاحب الشركة او رئيسها مقابلة المستفيد والتأكد من العمل بنفسه ومتابعة الأمور الإدارية والمادية مع مراجعة شروط العقد.
وفي سؤالنا حول تأثيرهم على تكاليف البناء في السوق السعودي وجودته قال: تخفيض الاسعار يؤثر بشكلٍ واضح على المستفيد لعدم وجود الرقيب وغالبا ما تخفض هذه العمالة 50% من نسبة السعر الحقيقي وهي بلا مقر ويصعب ملاحقتها.
وأضاف المهندس الشعيل والمشكلة انه في هذه الحالة يصعب متابعتهم قضائياً فلا يعرف مكان لوجودهم والمستفيد يلتقطهم من الشارع لغرض الاصلاح او الترميم المفترض، وهنا لا بد من مراقبة هذه العمالة لكي نتفادى عمليات الغش التي يقومون بها وبالتالي تجنب مسألة الملاحقة رغم استحالتها.
وعن دور البلدية في حماية المواطن وايجاد تنظيم لهذه السوق ومراقبة المقاولين اضاف قائلاً: لا يوجد للبلدية دور البتة، فهو مفقود بشكلٍ واضح، فلا بد للبلدية ان يكون لديها مخطط عن المبنى ليتم مراقبته ودراسته، ولا بد كذلك ان يكون للمستشارين الهندسيين في البلدية دور فعالٌ في مكافحة هذا اللون من ألوان الغش.
ومن ناحيةٍ أخرى فتح المجال للاستثمار الاجنبي الذي يمكن مقاولي الباطن.. الأجانب.. من فتح مؤسسات بأسمائهم ومنافسة المؤسسات السعودية مع الوضع في الاعتبار ان تكلفة هذه المؤسسات باهظة واستعانتهم بالمؤسسات السعودية ترجع لقة التكلفة، وبالتالي تحقيق ارباح أكبر بدل فتح مؤسساتهم الخاصة، وعن دور الغرفة التجارية في تنظيم هذا القطاع قال: دور الغرفة التجارية دور إداري فقط ومنه تنظيم العلاقات الخارجية مع الآخرين كالمستوردين وغيرهم.
ولا بد للمواطن من مراجعة الجهات المختصة، فوزارة التجارة هي المسؤولة، ويرجع لها في ذلك ويجب ان يتحقق من هذه الشركة أو المؤسسة والتأكد من وجود السجل التجاري وبذلك يحمي المواطن نفسه من التلاعب الحاصل في هذا الجانب.
وأضاف ان خسارة المواطن تظهر مع الانتهاء من البناء والسكن، ويبدأ في عمليات الصيانة وذلك لأن معظم هؤلاء العمال يتلاعبون بالمواد المخصصة لذلك فالعمالة الأجنبية مؤقتة ويصعب ملاحقتهم عند اكتشاف الغش فأغلبهم يكون قد غادر البلاد على أكبر تقدير، أما بالنسبة للشركات السعودية فيمكن مراجعتها في حالة الاحتياج لذلك وبالتالي تلافي هذه المعضلة. وعن جدوى الاستعانة بمهندسين سعوديين لأعمال المباني قال: ان السعودي وغيره يوجد البعض من هذه العمالة الاجنبية ممن يخاف الله فعندما يُعطون الثقة فهم أهل لها.
وعن المهندسين السعوديين الذين يتعرضون للرشاوي قال: نادراً ما يكون السعودي مرتشياً وذلك لأنه وضع في هذه المهنة من باب الثقة وانه اذا ارتشى كان عديم الثقة والمسؤولية وفصل من عمله ولا يستطيع ان يجد اي عمل آخر، أما الأجانب فعندما يفصل يذهب لبلاده ويستكمل ما قد بدأه.
وعن بداية الحرب والذين توقفوا عن اكمال ما قد بدأوه من البناء قال: 90% من الذين اوقفوا أعمالهم مبانٍ تجارية فهم فعلوا ذلك بدافع الخوف، أما المواطنون فما زالوا يزاولون أعمالهم بشكلٍ طبيعي.
أما عن أساليب الحماية للمواطنين غير المؤهلين والذين يخافون من الغش وهم في نفس الوقت يريدون جودة في البناء فلا بد لهم من الاستعانة بالجهات المختصة.
وفي نفس الجانب التقينا بالأستاذ عبدالعزيز الدريس صاحب احدى شركات المقاولات وسألناه عن مقاولي الباطن فأجاب: ما يقوم به بعض أصحاب المؤسسات هو تستر بإعطاء بعض العمالة عقود عمل.
ولهم تأثيراً على أسعار تكاليف البناء حيث انهم يأخذون بأسعار رخيصة لا يدفعون اجور مكاتب وخلافه.
وأما بخصوص تأثيرهم على جودة البناء يقول الدريس: هم لا يهمهم سوى ما يقبضونه من أجور عملهم وهذا يعود على صاحب العمل فمنهم من يكلف مهندسا مختصا يقوم بالإشراف على العمل مقابل مبالغ مالية ومنهم اشخاص يكتفون بإنجاز العمل فقط وبأسرع وقت ممكن.
وعن عدم وجود مقر لهذه العمالة السائبة قال: هؤلاء يطلق عليهم مؤسسات الشنطة وأرى ان لهم يداً في كثرة الغش. وحول الدافع لغشهم قال: طبيعي ان الدافع هو الكسب المادي غير المشروع.
وعن دور البلدية في حماية المواطن قال: يجب ان تؤهل وتلزمها بتوظيف مهندسين، كما ان على المؤسسات ان تراجع البلديات الفرعية في كل حي وتقدم خبرتها وتسجل اسم كل مؤسسة قامت بتنفيذ المباني في فسح البناء ومسؤوليتها عن البناء.
كما يجب الاستعانة بمهندسين سعوديين لأن ذلك يساعد على مكافحة الغش.
وعن المهندسين الذين يتعرضون للرشاوي قال: انا لا اتصور ان مهندساً سعودياً يأخذ رشوة لغض النظر والتسامح بالغش.
كما اضاف ان توقف الناس عن اكمال المباني منذ بداية الحرب فقط من كان ينبي للتجارة أما من كان يبني للسكن فلا أتوقع أن أحداً توقف.
وذهبنا الى بعض من يشتكون من هذه الظاهرة وتحدثنا اليهم بشكل عام عن الغش الذي يلاحظونه في مبانيهم والتقينا بالمواطن مبارك المبيريك الذي قال: على مدى ما يقارب العام وأنا ألاحظ الغش في منزلي الذي تديره إحدى الشركات وألاحظ ان العمالة الاجنبية يقومون بالغش في المواد وما إلى ذلك، وأضاف ان الله منّ عليه بمعرفة وملاحظة الغش وذلك للخبرة التي اكتسبها في هذا المجال، كما قال: على كل مواطن ان يحرص تمام الحرص لأنه من الطبيعي سيواجه هذه المشكلة.
ويقول المواطن عبدالرحمن القضعان ان هذه العمالة لا تخاف الله ولا يبالون بما سيحدث، من نتائج بعد هذا الغش فكل همهم هو الكسب المادي وبأسرع وقت، كما انني مراراً وتكراراً ألاحظهم يقومون بالغش، ولو لم ألاحظهم أولاً بأول لتكبدت خسائر طائلة بسبب هذا الغش. ومع انعدام الضمير ومع إرادة تحقيق غايات دنيئة فإنهم يقومون بالمخاطرة بحياتنا، وفضل من الله انني اكشف ألاعيبهم في الوقت المناسب.
|