الريبة هي الابنة الشرعية لسوء الظن، وهي كومة من السموم والملوثات التي تلقى في نهر الحياة، فتعكر كريستاله وتستلب طهارة مائه وحيويته وتدفقه.
الريبة هي تلك المخلوقات التي تحاك في الظلمة وفي الكهوف وفي الأماكن القصية النائية عن ضوء الحياة وصيرورة التطور«سنة الله في الخلق».
وفيروس الريبة إذا ما انتشر في مجتمع اخترقه بصورة متوحشة ومرعبة، وأول ما تفعله الريبة في جسد المجتمع هي اختطافها لنعمة البصر والرؤية، فيصبح المجتمع شحيح الرؤية، محدود النظر، ولا يرى في ما حوله سوى وحوش وهياكل تطوقه وتتربص به.
ونحن في وقتنا الحاضر قد نعاني من بعض التحديات الحضارية والثقافية التي نتجت عن الاستراتيجيات الدولية، ومخططات الدول العظمى، وقد نكون حقاً أمام مفارقة صعبة وخيارات أشد مرارة.
ولكن هذا جميعه لا يجب ان يجعلنا نهب أنفسنا وعقولنا وأرواحنا لفيروس الريبة، يعيث فيها ويحولها الى خراب ومراجل تغلي بالغضب، لا يجب ان ننساق بحمى عاطفية مباغته دون ان نهيئ الكوابح التي تسمى «اللحمة الوطنية».
وهذا بالضبط هو أس الشجرة وترياقها، اللحمة الوطنية هي الوثاق المتين الذي يجمع عصبة الرماح فتأبى أن تتكسر آحاداً أو أفراداً.
حسن الظن هو مطلب عقدي وتشريعي قبل أن يكون واجباً وطنياً.أما قضية أن يتأبط الواحد منا بندقيته ويملأها بالتهم الجاهزة يترصد بها من لا يوافقه أو يشبهه، فهذا بالتأكيد رعونة وصبيانية تفتقد عمق الرؤيا وبعد النظر.
وإلا ما معنى أن نفسر كل حركة حضارية داخل المجتمع كل توجه كل تغيير تحت مظلة الشك والريبة وسوء الظن، ما معنى ان نهيئ البندقية دوما ونلغمها بالتهم اللاسعة والجاهزة، ففلان علماني، والوزير الفلاني متأمرك، والمسؤول الآخر عميل.. وهكذا تهم جاهزة تهدد أي مشروع إصلاحي أو تقدمي، أو لنقل جميع الخطوات التي تحاول ان تجعل من هذا المكان بلداً حضارياً بجميع المقاييس.ان كنا نعترف بأن هناك تهديدات حضارية تطوقنا، نتيجة لطبيعة المنطقة وطبيعة الصراعات فيها، إلا ان هناك تهديداً أشد نكاية ومرارة يترصد جسد المجتمع وصحته وتماسكه وحيوية أعضائه وترابطها باتجاه أهداف وطنية.
باعتقادي تفوق جميع ما يثرثر به مثيرو الفتن ومروجو الأقاويل، أولئك الذين يتأبطون بنادق الريبة في الظلمة، ويوجهونها نحو صدور عباد الله الغافلين.
|