لم يكن انتهاج الولايات الأمريكية النظام الفدرالي التأثير الوحيد على الاتجاه السائد والأكثر احتمالاً للنظام القادم في العراق، إذ إن الأمريكيين يرون في النموذج العثماني الذي كان مطبقاً في العراق، حلاً يرضي حلفاءهم في العراق وبالذات الأكراد ويلبي رغباتهم في إبقاء العراق بأكمله تحت سيطرتهم.
مطالبة الأكراد بالنظام الفدرالي يحظى بتأييد أحزاب المعارضة العراقية التي أقرت هذا المطلب في اجتماعات لندن وصلاح الدين، إلا أن أحزاباً عراقية أخرى لا تخفي قلقها من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الوحدة الوطنية العراقية.
الولايات المتحدة الأمريكية مستلهمة النموذج العثماني، بدأت في اتخاذ الخطوات العملية بتقسيم العراق إلى ثلاث «مناطق»، حيث وضعت بغداد «الوسط» بإدارة أمريكية والبصرة «جنوباً» بإدارة بريطانية والموصل «شمالاً» لم تحدد إدارتها، وإن ظهرت إشارات على إسنادها إلى البولنديين.
هذا التقسيم كان معمولاً به إبان خضوع العراق لحكم الإمبراطورية العثمانية، حيث كان العراق مكوناً منذ عام 1534م حتى تفكك الدولة العثمانية وقيام العراق عام 1921 وإخضاعه للوصاية البريطانية، من ولاية بغداد منذ عام ضم العراق 1535م في عهد السلطان سليمان القانوني، وكانت ولاية العراق تضم معظم العراق من الحواف الجنوبية للفرات الأوسط حتى المناطق الشمالية، وفي عام 1672م أنشئت ولاية الموصل التي اقتطعت من ولاية بغداد، حيث ضمت مناطق كركوك وبعض المناطق الشمالية، وفي عام 1749 أنشئت ولاية البصرة، ومع أن ولايتي الموصل والبصرة كانتا تخضعان لسلطة الوالي العثماني المرتبط بالإستانة حاضرة الإمبراطورية العثمانية، إلا أن والي بغداد كان يمارس نفوذاً على الولايتين، وفي زمن الوالي داود باشا الذي يعد من أوائل الولاة الذين حاولوا فصل العراق عن الباب العالي في الإستانة، مكرراً تجربة محمد علي في مصر، إلا أن محاولته لم تكتمل بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية دخلت القوات البريطانية العراق بدءاً من البصرة وصولاً إلى الموصل، وبعد إنشاء عصبة الأمم أقرت وضع العراق الذي كان مستعمراً من البريطانيين تحت وصايتهم حتى عام 1921 قيام العراق المعاصر الذي كان في البداية مكوناً من أربع عشرة محافظة أصبحت فيما بعد ثماني عشرة محافظة.
| 
