القليل من المتابعين من غير المنتمين لقطاع الثقافة رغم أهميته في بناء جسد الحضارة عامة والسعودية على وجه الخصوص يجهلون دور الثقافة السعودية وحجم عطاءاتها على مدى سنوات طويلة لم يكن وقتها قد تحقق للمملكة ما تحقق من تواجد عالمي وحضور مشرف في الفكر قبل الصناعة إذا اعتبرنا أن الثقافة جزء من تكوين أي مجتمع لعلاقتها بكل التفاصيل في حياة الشعوب من تراث ديني واجتماعي وما يتبعها من عادات وتقاليد وأسلوب حياة أتت بعدها مرحلة لاحقة لتفعيل كل تلك المعطيات الدينية والاجتماعية فأصبحت رافداً ولبنة في البناء الإنساني عوداً لأصالة منابعها ومرجعيتها وقد عاشت العطاءات الثقافية الفكرية في الكتاب والقصة والرواية أو الفنون التراثية الشعبية والفنون البصرية ردحاً من الزمن بين العديد من القطاعات منها من استطاع الاعتناء بها ووضع الخطط والدراسات والبحوث للنهوض بها مع وقف التنفيذ ومنها من وجد فيها سبيلا للدعاية والحضور باسم الثقافة ومنها من أذابها في أنشطة لا علاقة لها بها فأضمحلت وتبعثرت أطرافها وشلت الكثير من مقوماتها وضاع حقها بين حابل ونابل مع أن هناك جهات حاولت قدر استطاعتها أن تلملم الأطراف وتجمع الشمل فحققت تواجدا محلياً ودولياً وفي مقدمتها الرئاسة العامة لرعاية الشباب التي أسهمت إسهاماً كبيراً في هذا المضمار ورسمت نهجا ومسارا للثقافة والإبداع السعودي ولهذا حق علنيا وأقول علينا ممثلاً في هذا الجانب ما تحقق للفنون التشكيلية كونها أحد روافد الإبداع المحلي ولأنني ممن راقب وتابع عن كثب مراحل تشكل هذا الفن في رحم الثقافة ومراحل حضانته وولادته حتى شب عوده وأصبح منافسا للفنون والثقافة العالمية بطعم ورائحة ونكهة ثقافة إسلامية عربية سعودية الأصل والمنشأ مع قربنا من جهودها في دعم الثقافة بروافدها الأخرى كالأندية الأدبية ونشاطات الفنون الشعبية وجمعية الثقافة والفنون، كما لا ننسى ما قدمته وزارة المعارف في زرع الثقافة في نفوس الناشئة وشحذ عطائهم فيها أو ما قامت به رئاسة الحرس الوطني من دعم كبير عبر مهرجان التراث والثقافة في الجنادرية إلى آخر عقد التكامل والمساهمة من قطاعات أخرى.
وإذا كان هناك من يرى أن في وجود وزارة للثقافة في المملكة مطلباً وضرورة حتمية مقابل ما يشهده العالم من غليان في الأفكار وتوجه للحوار بين الحضارات وبروز مفاهيم العولمة وتعميم الثقافات على الشعوب. فإن المملكة باعتبارها القلب الإسلامي النابض دينا وتاريخ وما يقع عليها مهمة كبيرة في المساهمة والتأثير على تشكيل ثقافة المنطقة والدفاع عنها وحمايتها من الأهداف المسمومة وما يعد لها من هجمات، وفي الوقت نفسه الوقوف بثبات أمام محاورة الآخر بقدرة على الإقناع انطلاقاً من ثوابت صلبة فإن هناك من يرى أن الاهتمام بالثقافة لا فرق فيه بين وزارة مستقلة أوغيره فالمهم أن تصبح الثقافة بكل فعالياتها وأنشطتها في جهاز واحد مع وضع الدراسات والاهتمام المستمر بتنفيذها والبحث عن نقاط الضعف وحل المشكلات التي تواجه المثقفين والمبدعين وإيصال صوتهم إلى الآخر وتقوية أدوات المبدع وتسهيل سبل إبداعه ليشعر بالثقة والمكانة محلياً ودولياً لهذا فالكثير يؤملون في تمازج الثقافة والإعلام في وزارة واحدة ما يفتح أفقاً جديداً وتلاحما بين طرفين متقاربين ومهمين فالإعلام قائم على الكلمة والصورة وهي أهم ركائز الثقافة ولا يمكن أن يكون هناك إعلام بدون مثقفين ومبدعين في مختلف وسائله المسموعة والمرئية والمقروءة كما أن المنتمين للثقافة في أمسِّ الحاجة لمن يصل بأصواتهم وإبداعاتهم للمتلقي مع أن وزارة الإعلام هي الأقرب للثقافة وهي المعنية بإجازة أي إبداع فكري قبل أن تكون الثقافة جزءا من تركيبتها حالياً.فمثل هذا القرار وهذا التنظيم ما يحرك السكون والتراجع في واقع الثقافة ومنسوبيها من المبدعين نتيجة عدم وجود جهة رسمية واضحة للمثقفين وللثقافة السعودية.
|