فاجأني أحد الشباب في مقتبل العمر بأحد الأماكن العامة هذا الشاب لا أعرفه وسألني عن صفحة الفن وعن بعض الأمور المتعلقة بالصفحة لعل أهمها محور حديثي معه وصلب هذا اليوم وسؤاله عن الفنان الراحل طلال مداح وأننا لم نعد نكتب عنه فاعترفت له وأعترف لكم بتقصيري الشديد في هذا الجانب.. وحتى لا اخرج عن الموضوع الذي استفزني فقد استطرد «علي» وهذا اسمه بعد ان عرفني بنفسه قائلاً: هل تصدق انني وجميع أفراد أسرتي من عشاق هذا الفنان الكبير وأدين له بالفضل.
قلت: كيف؟
- قال: في أحد الأيام قابلته في مطار جدة في كافتيريا صالة المغادرة وانا في طريقي للرياض لأبحث عن وظيفة بعد ان اكملت الثانوية العامة بنسبة منخفضة.. وكان معه صديقه «الصدوق» الاستاذ خالد منذر والاستاذ فقندش فاستأذنت للسلام عليه وكان كعادته وعرفه الجميع مرحباً بي تلازمه كلمته الشهيرة التي ما انفك يرددها تفضل يا ولدي.. وتشعب الحديث ووجدت نفسيأحكي له عن قصتي مع الدراسة والوظيفة التي لم تفتح لي أبوابها وعن أملي ان اجد حلاً في الرياض وتأثر «ابو عبدالله رحمه الله» بقصتي واكملنا حديثنا في الطائرة وتصادف ان كان معي على نفس الرحلة..
سكت الشاب فجأة ثم اكمل: تصدق انه كان احد ركاب درجة «الضيافة» هذا الفنان الكبير ودعاني للجلوس الى جواره متحمساً لقصتي؟.. ثم انه اعلن استعداده لمساعدتي بالتوسط عند الفريق أسعد عبدالكريم مدير الأمن العام ويومها كان مديراً عاماً للجوازات وكتب له رسالة شخصية واعطانيها وهو يقول لو كان الوقت مبكراً لكلمته لك بالهاتف حيث كان الوقت قرابة الفجر.. وأضاف انه جاء للرياض حتي ينهي بعض الأعمال في فنون الجزيرة وسيعود الى جدة بعد يومين.. واعطاني ارقامه مبدياً اهتمامه الكامل بي ومشدداً على ان اتصل به واعطيه أخباري.. يقول علي بعد ان تلعثم قليلاً: تأخرت لظروف عائلية في تقديم الخطاب للفريق اسعد عبدالكريم وفي يوم ذهبت لمكتبه لافاجأ بانه في اجازة فعدت الى جدة حاملاً معي ذلك «الخطاب» الذي قرأته الف مرة وحفظت جميع كلماته التي كانت بروعة ما قدم لنا طلال مداح حيث وصفني في الخطاب بابنه ويهمه امري، وفهمت مدى العلاقة التي كانت تجمعهما.
وبعد ان عدت الى جدة اتصلت بالراحل قرابة الواحدة صباحاً ولن تصدق حين عرفني منذ أول كلمة وسابقني بكلمة «بشر يا ولدي» فقلت له ان الفريق اسعد في اجازة.. ودعاني للحضور الى منزله على وجه السرعة وحين وصلت اتصل بالفريق اسعد الذي قال حين اعود سيكون موضوع هذا الشاب قد انتهى إكراماً لهذا الإنسان وتقديراً له، ولكن عليه ألا ينسى ان يحضر معه الخطاب ومرت الأيام ولم اسافر للرياض وبعد فترة ليست قصيرة واثناء الصيف كنت في المنطقة الشرقية قبل ليلة من حفلة أبها التي سقط فيها «ميتاً».
قالها.. والدموع تتساقط من عينيه..
وبعد ان استجمع قواه على الكلام قال: في ذلك اليوم اتصلت به بعد ان قويت علاقتي معه وكأني أحد ابنائه وسألني هل ستحضر غداً؟
قلت له: لا اعتقد فأنا أولاً في الشرقية وثانياً قيل لي ان التذاكر قد نفذت.
فاجأني: ولا يهمك تعال واترك الباقي علي وسأتكفل بدخولك المسرح ولكني اعتذرت منه وسألته ماذا ستغني..
فقال: سأغني كما لم أغني من قبل.. سأغني من القديم وخاصة «الله يرد خطاك»..
الآن.. وكما توقعت لم يتمالك على نفسه من البكاء..
وبعدها واصل بعد ان شاهد فنانه المفضل «يسقط» على خشبة المسرح..
المهم..
واصل علي كلامه قائلاً: وبعد وفاته كنت لازلت محتفظاً ب«الخطاب» وبالصدفة وفي احدالأماكن العامة قابلت ابنه «عبدالله» وحكيت له قصتي مع والده ومع الخطاب.. فأعلن استعداده لمساعدتي وتوصيل «الخطاب» للفريق اسعد حسب قوله.
ولأني كالغريق سلمته «خطاب» والده الأغلى..
وبعد ان مسك «الخطاب» قال:
طلال مداح مات؟
قلت: نعم!!
قال: اذهب ولن أسمح لك بالتسلق على كتف والدي:
«انتهى»
ايقاع القلب
الله يرد خطاك
لدروب خلانك
لعيون ما تنساك
لو طال هجرانك
دام الأمل.. موجود
فالنفس خضاعة
لأجل العيون السود
السمع والطاعة
|