(1/2)
لن أحدثكم جميعاً هذه المرة، سأختار منكم بضعة نفر لحديث خاص أهمس به في آذانهم، لتنتقل همساته إلى من بجوارهم، حديث إشفاق، وليس حديث إعنات وتشنيع وإحراق.
إنني أحدثكم أيها النفر، ولي حديث آخر مع شقنا الثاني من بنات آدم وحواء، مع الأخوات المؤمنات بعنوان: (حدثوني عنكِ).
وما حديثنا به عنك ليس قولا من أطراف اللسان ولا حديث المجالس ولا تزيّد الرواة ولا اختلاق النقلة بل هو حديث مستفيض، إن لم يصدق كله صدق بعضه، والمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى والمؤمنون نصحة والمنافقون غششة.
وكم مرة أتحفتكم بنصيحتي
وقد يستفيد البغضة المتنصح
1- الهمسة الأولى لأخي محبوب أيها الصديق المراهق: الإنترنت منتج طارئ على حياتك، وهي وسيلة محايدة ووعاء قابل، يستخدم للخير فينفع ويتجاوز الحدود، ويستخدم لغيره فيضر ويدمر الجهود.
وأنت ربما بدأت بشعور طيب وطموح محمود، لكن مالي أراك تغلق الباب عن أهلك، عن زوجتك وأطفالك وتقعد الساعات إلى الفجر مستمراً وراء جهاز الكمبيوتر مشدود الأعصاب.
ألم يخطر في بالك أن ثمة من مشى وراء خطواتك واستخرج من المهملات إدانات برسائل سخيفة ومحادثات جنسية واتصالات وعلاقات غرام وجلسات عبر الماسنجر وفي التشات وشبكة روابط يضل فيها الدليل الهادي؟
إنها الخطوة الحرام التي تجر إلى مابعدها!
خل الذنوب صغيرها
وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماشٍ فوق أرض
الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرةً
إن الجبال من الحصى
يقول أحد الباحثين في الصفحات الإباحية: غالباً ما تبدأ العملية بفضول بريء ثم تتطور إلى الإدمان.
ألم تعلم أن أمريكا هي أولى دول العالم في إنتاج المواد الإباحية؟
وأنت بتسللك لهذه المواقع تقع فريسة عدوك ليس بالضرورة ان تتحول إلى عميل للسي آي إيه ولكنك ستقدم الكثير من مالك لجيوب المفسدين وستفقد الكثير من تفاعلك مع مشكلات إخوانك المسلمين وهمومهم ومنها قضايا أمتك.
إن أمريكا تصنع من السجائر بمعدل ثماني سجائر لكل إنسان يومياً وهذا كاف لإبادة الجنس البشري أو يكاد.
فأنت بمقاطعة لمعصية الله تقاطع أيضاً موقعاً أو بضاعة جعلها عدوك فخاً لاصطيادك.
وها أنت ترى تكرار سماعك للأصوات الرخيمة والكلمات الغزلية يفسد ذوقك فلا تجد في حليلتك غنى ولا ترى فيها جمالا، ولا تطربك كلماتها الحانية وغزلها الصادق.
ولو أنك اطلعت منها على مثل ما يقع منك لم تتردد في طلاقها البتة، ولو وقع في بالك أنها وهي معك على الفراش تتخيل أنها في أحضان شخص آخر ما هان عليك ذلك.
ومن الإنصاف أن تحاسب نفسك على هذا وان تعلم ان الله مطلع عليك: {إنَّ اللّهّ لا يّخًفّى" عّلّيهٌ شّيًءِ فٌي الأّرًضٌ وّلا فٌي السَّمّاءٌ}.
يا من يرى مد البعوض جناحها
في ظلمة الليل البهيم الألْيَلِ
ويرى مناط عروقها في نحرها
والمخ من تلك العظام النُّحَّلِ
ويرى مكان الوطء من أقدامها
في سيرها وحثيثها المستعجلِ
امنن على بتوبة تمحو بها
ما كان مني في الزمان الأولِ
لقد بعثت بصورك إلى بعض نساء القوم وربما وقعت في يد صديق فحزن أو عدو فشمت وربما جرك الأمر إلى إركاب وخلوة ومتعة حرام.. فتذكر هذا الجسد الجميل وهذا الطرف الكحيل وهذا الشعر الفاحم وهذا الإهاب الناعم وهذا الصوت الرخيم وهذا القد القويم.. وقد لعبت به يد المثلات، وتنوعت عليه الآفات فهذه بنت عشرين فاجأها السرطان في المخ وهذا شاب في غضاضة الشباب ابتلي بتليف الكبد الوبائي، وزميلك صاحب الفشل الكلوي، وجارك صريع السيارة وابن عم لك قتيل السكتة..
أتيت القبور فناديتها
فأين المعظّم والمحتقرْ
وأين المدلُّ بسلطانه
وأين القوي على ما قدرْ
تفانوا جميعاً فلا مخبرٌ
وماتوا جميعاً وأضحوا عبرْ
تروح وتغدو بنات الثرى
فتمحو محاسن تلك الصورْ
فيا سائلي عن أناس مضوا
أما لك فيما مضى معتبرْ؟
ولقد قلت لنفسي
وأنا بين المقابرْ..
هل رأيت الأمن والرا
حة إلا في الحفائرْ..
فأشارت فإذا للدود
عيث في المحاجرْ..
انظري كيف تساوى ال
كل في هذا المكانِ.
وتلاشى في بقايا ال
عبد رب الصولجانِ..
والتقى العاشق والقا
لي فما يفترقانِ..
أيها القبر تكلم
أخبريني يا رمامْ
هل طوى أحلامك المو
ت وهل مات الغرامْ؟
من هو الميت من عا
م ومن مليون عامْ؟
هؤلاء صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية
وأولئك على الأثر ما بين مريض ومنتظر..
قطع تآبين مضرجة
مصبوغة بدم بغير يدِ
قطع تقول له تموت غداً
وإذا ترق تقول بعد غدِ
وإلى هذا وذاك.. فقل - حماك الله ووقاك - أفصحيح ما بلغني عنك أنك تسهر الليل آخر أسبوعك في استراحة مع رفقة ما أعانتك على هدى ولا ردّتك عن ردى تشاهدون القنوات الفضائية وآخر ما يعنيكم هو شأن اخوانكم المسلمين في العراق وفلسطين.. أما جلّ وقتكم ففي متابعة الغواني والراقصات عارضات الأجساد.. حسان الوجوه قباح الأرواح.
مما أضر بأهل العشق أنهمُ
هووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوُا
تفنى عيونهم دمعاً وأنفسهمْ
في إثر كل قبيح وجهه حسنُ
أفترى هذه الجارية تقبلك أو تنظر إليك وعندها من هو أصح منك جسماً وأنضر وجهاً وأوسع ثروة وأعرض جاهاً، وأنت ما زلت تسدد ديون السيارة وإيجار البيت.. أفلا تكف وتعف.. وتعقل فإن العقل هو ما زجرك عن المعصية وحماك من المرتع الوخيم..
وربما كان من خير وقتك ما تصرفه في مشاهدة الرياضة ومتابعة الدوري، وهذا وإن كان أخف وألطف إلا أنه محفوف بتعصب كروي وإدمان، وإضاعة وقت، وانشغال بال وضعف همة.
كم فتاة مثل ليلى
وفتى كابن الملوحْ
أنفقا الساعات في الشا
طئ تشكو وهو يشرحْ
كلما حدّث أصغتْ
وإذا قالت ترنّحْ
أحفيف الموج سرٌّ
ضيّعاه؟ لست أدري!
2- الهمسة الثانية في أذن أخي سعيد أيها السعيد: لقد خلقك الله من حيوان يوجد في الدفقة الواحدة منه مئات الملايين، وتنقلت من ضعف إلى ضعف وخرجت من بطن أمك بلا قشر واهن القوى عاجزاً فقيراً ليس معك لباس ولا طعام ولا شراب ولا كساء.. ثم سخر الله لك من خلقه ما سخر {وّاللَّهٍ أّّخًرّجّكٍم مٌَنً بٍطٍونٌ أٍمَّهّاتٌكٍمً لا تّعًلّمٍونّ شّيًئْا وّجّعّلّ لّكٍمٍ السَّمًعّ وّالأّّبًصّارّ وّالأّّفًئٌدّةّ لّعّلَّكٍٍمً تّشًكٍرٍونّ}.
دعني أبدأ معك الحديث من آخره..
لقد انغمست في التجارة وحسناً فعلت، فنعم المال الصالح للرجل الصالح، ولقد كان أبوبكر بزّازاً، وعثمان ثرياً جهز جيش العسرة، وطلحة وسعد وابن عوف من أصحاب الملايين وعبدالله بن المبارك وغيرهم كانوا ذوي سعة ويسار، ونجد اليوم في كل منطقة من التجار الموسرين الباذلين من يشار إليهم بالبنان في نجد وفي الشرقية والغربية والجنوبية، ودول الخليج وعالم الإسلام.
وها هو الجم الغفير من إخوانك وأصحابك وزملائك قد ولجوا هذا الباب وقطعوا فيه سيراً حسناً وأثروا وانتفعوا ونفعوا ووفوا لمبادئهم والتزموا بقيمهم ولم يتغيروا على من حولهم، فقيمة الإنسان في ذاته وليست في ممتلكاته:
دعيني للغنى أسعى فإنّي
رأيتُ الناسَ شرُّهُمُ الفقيرُ
وأبعدهم وأهونهم عليهم
وإن أمسى لهُ حسبٌ وخيرُ
ويُقصيه النّديُّ وتزدريه
خليلتُهُ وينهرُهُ الصغيرُ
ويلقى ذا الغنى ولهُ جلالٌ
يكادُ فؤادُ صاحبه يطيرُ
قليلٌ ذنبهُ والذنبُ جمٌّ
ولكن للغنى ربٌّ غفورُ
أما أنت وإن كنت لا أعرف شكلك ولم اجتمع معك ولم أرك يوماً من الدهر إلا أنني أعتب عليك أن الناس وضعوا ثقتهم فيك لصلاحك فجدير بك أن ترعى هذا المعنى حق الرعاية وألا تخاطر بأموالهم ولا تغرربها، بل ترعاها حق رعايتها، وألا تعمّي عليهم وجوه المتاجرة.
ثم إني أرى لك - والأمر إليك- أن تجعل في قلبك نية صادقة يعلمها الله أن تعزل نسبة من ربحك لأعمال الخير للفقراء والمجاهدين وأبواب الدعوة والاحتساب على طريقة صاحب الحديقة (ثلث له ولعياله، وثلث يرده فيها، وثلث للفقراء والمساكين).
{وّمّا تٍنفٌقٍوا مٌنً خّيًرُ يٍوّفَّ إلّيًكٍمً وّأّنتٍمً لا تٍظًلّمٍونّ}.
والثالثة وأنا لك فيها - والله- من الناصحين تعاهد قلبك كل حين عن شعور بالترفع عن عوام الناس وسقطهم وفقرائهم وضعفائهم فبهم ترزقون وتنصرون.. فليكن عليك أثر التواضع لعظمة الله ومجده، وأعلم ان النفس شديدة الطموح فألجمها بالمراقبة، واستنصح من حولك من المخلصين ليكونوا عوناً لك على نفسك واجعلهم سياجاً بينك وبين مقارفة الحرام.
إنني أحمد لك اتجاهك في تثمير المال، وأثني على حسن اختيارك، فالمال عصب الحياة، ولعلك ما زلت على ذكر لحديث قديم «دلوني على السوق» وأنت اليوم ترى وتدرك ان الاقتصاد من أهم أسباب القوة للأمم والشعوب والجماعات والأفراد.. فسر في طريقك مباركا موفقا وحاذر المزالق، ولأن تبقى لنا دون مال، خير من يأخذك المال عنا وخير منها ان تصيب الحسنين!
وما المال والأهلون إلا وديعةٌ
ولابد يوما ان ترد الودائعُ
وما الناس إلا عاملان فعاملٌ
يتبِّرُ ما يبني وآخر رافعُ
فمنهم سعيد آخذ بنصيبه
ومنهم شقيٌّ بالمعيشة قانع
وما المرء إلا كالشهاب وضوءه
يعود رمادا بعد إذ هو ساطعُ
وإذا دعاك أهلك أو ولدك إلى الإمساك فبادرهم واصرخ في وجوههم: