حول الندوة العلمية عن أسماء الأماكن الجغرافية في المملكة والتي تقيمها دارة الملك عبدالعزيز تحدث عدد من المشاركين فيها معبرين عن أفكارهم ورؤيتهم حول موضوع اهتمام الندوة وأدوار دارة الملك عبدالعزيز.
فقد أكد الاستاذ عبدالله بن محمد الشايع وهو يتحدث عن دارة الملك عبدالعزيز وحرصها على ضبط الأماكن التاريخية والجغرافية في المملكة ان الحاجة ملحة لعقد مثل هذه اللقاءات العلمية التي تضم نخبة ممتازة من العلماء والباحثين ممن لهم اهتمام بتاريخ وجغرافية «الجزيرة العربية» والمملكة العربية السعودية بوجه خاص بصفتها مهبط الوحي والحضارة الإسلامية، ومنبع الفصاحة والبلاغة، والتي انبثق من أرضها «ديوان العرب» وهو الشعر الذي سطر فيه أبناء هذه الأرض تلك المفاخر والأحداث الحافلة بالبطولات التي كانت إرهاصاً لتثبيت العقيدة الإسلامية ونشرها في أرض الله الواسعة.
هذا الشعر الذي اعتمد عليه مؤلفو معاجم البلدان في تحقيقهم للأماكن التاريخية والجغرافية.
وقال إن أرض بلادنا مازالت شبه بكر من حيث التعرف على أماكنها التاريخية والجغرافية والآثارية بالرغم مما قيل وكتب فالدرب طويل وشاق تعترضه بعض الصعوبات إلا أن هذه الصعوبات سيتم تذليلها بعزيمة الشباب وآراء الشيوخ.
وهذا التحرك الذي لمسناه في الآونة الأخيرة من الجمعية الجغرافية السعودية يبشر بتحقيق ما هو مؤمل منها إن شاء الله لاسيما بعد أن وضعت يدها مع يد «دارة الملك عبدالعزيز» وسوف يتحقق على يد الجميع ما كان مؤملاً بهذه الجمعية من تحقيق للأماكن التاريخية والجغرافية في بلادنا على أسس علمية سليمة؛ فقد كانت هذه الجمعية محط الأنظار عند إنشائها، ومما قاله أستاذنا «عبدالله بن خميس» في كتابه «محاضرات وبحوث» تحت عنوان «جغرافية بلادنا لا تزال مجهولة» قال معلقاً آمالاً كبيرة على هذه الجمعية عند تأسيسها: (لقد استقبلنا هذه الأيام مولد الجمعية الجغرافية في جامعة الرياض -الملك سعود- واستمعنا في ندوة مولدها الشيقة من أفواه أسرتها دكاترة، وأساتذة، وطلاباً ما هو خليق بمثلها.
الأمير سلملن يتابع احدى الفعاليات
ان جغرافية بلادنا رغم الكشوف المتتالية، وأماكن الزراعة والمياه؛ رغم ذلك لا تزال جغرافيتها متأبدة، وكثير من جوانبها مغلق ولا يزال العالم بله المتعلم أمام مجاهلها ومعاقلها خالي الذهن متبلد المعرفة، ولا تزال أمية الأعرابي المتمكنة هي ذات الاختصاص في معرفة طرقها، ومعالمها، وأعلامها، ونباتاتها، وحيواناتها، ومناهلها، ومجاهلها. -إلى ان قال:-
فعلى جمعيتنا الجغرافية الناشئة عبء ثقيل وأمامها طريق طويل ولها رسالة شاقة متعبة. ولكن نفوسها كبيرة، وعزائمها المستحصدة ونفاسة ما تطلب سوف تكون عوناً على تذليل الصعاب، وترويض النافر، وكسب الانتصار) انتهى كلامه.
أقول: أتمنى لهذا الرائد ان يتحقق له ما أمله في الجمعية الجغرافية السعودية وهذا ما يتمناه الجميع. ولكن أقول: إن الأعرابي ذا الأمية ذات الاختصاص لم يعد في منازله وسط الصحراء؛ حيث استهوته برودة المكيفات داخل المباني الاسمنتية؛ الأمر الذي جعل مقابلته وأخذ ما لديه من خبرة ودراية في هذا المجال من الصعوبة بمكان.
والوقت يمر وأخشى ما أخشاه أن يرحل هذا الرعيل إلى الدار الآخرة وترحل معه معرفته بمسالك الأرض ومواردها وجبالها التي تعرّف عليها وهو يرعى غنمه أو إبله في تلك البراري والقفار.
أما في وقتنا الحاضر فإنك لا تجد عند الأغنام والإبل إلا رعاة من خارج هذه البلاد والغالب منهم لا يفقه ما تسأله عنه نظراً لعجمة لسانه.
وقال الشايع:
لقد سررت عندما قرأت ان من بين الأهداف العامة لهذه الندوة:
1- تحديد مواقع أسماء الأماكن وجهاتها وأبعادها بطريقة علمية ميدانية، ورسم الخرائط الدقيقة التي تساعد على ذلك.
2- عقد لقاءات علمية مصغرة لمناقشة أسماء الأماكن المختلفة فيها واقتراح التوصيات اللازمة لاعتمادها.
وقال: لقد تمنيت ان يتحقق مثل هذا عندما قمت بتحقيق بعض الأماكن التي ضمنتها أول كتاب صدر لي في هذا المجال وهو كتاب «نظرات في معاجم البلدان- تحقيق مواضع هامة في نجد» حيث قلت في نهاية هذا الكتاب تحت عنوان «كلمة أخيرة» ما نصه:
(لعلي أتساءل وقد يشاركني القارئ: هل يمكن بعد التيقن من ان ما توصلت إليه هو الصواب ان يتم تغيير هذين المسميين وتسمية كل موضع باسمه التاريخي القديم؟
وكذلك تغيير أي موضع يتوصل إلى حقيقته أي باحث غيري، وذلك فيما إذا ثبت بما لا يدع مجالا للشك ان ما توصل إليه هو عين الصواب.
ولكن قد يتولد من هذا التساؤل سؤال مفاده:
من هي الجهة التي منوط بها تصحيح مثل تلك الأمور؟
هذا ما لا أستطيع الإجابة عليه، وأتركها لتلك الجهة إن وجدت أما إذا ترك الحبل على الغارب فقل على مسميات المواضع التاريخية في جزيرتنا السلام؛ فتغيير مسميات الجبال والهضاب والأودية وموارد المياه على أشده.
وبعض تلك الأعلام سميت بأسماء أشخاص أو قبيلة، أو نبات فتجد مثالاً على هذا: هضب آل فلان، هضبة فلان، أبو قتاد، أم سرحة، أبو هضيد، وهكذا.
وإذا استمر هذا الحبل مفلوتا فستبدل مسميات مواضع كثيرة على مرأى ومسمع من المؤتمرات الجغرافية التي تعقد بين حين وآخر، ومن جمعيات الجغرافيا، والأقسام المتخصصة في جامعاتنا.
ولعل في قولي هذا تحريكاً لهمة ذوي الاختصاص المناط بهم المحافظة على تاريخ وتراث بلادنا) انتهى ما قلته هناك.
وتمضي عشر سنوات على طرحي هذا التساؤل، ويصدر لي بعد ذلك سبعة كتب جميعها تضمنت تحقيقاً لكثير من المواضع التاريخية والجغرافية سواء من تلك المواضع ما لم يحقق، أو ما كان تحقيقه في نظري غير صائب ممن تطرق إلى تحقيقه في وقتنا الحاضر.
ولم يحرك أحد ساكناً؛ مما أثبت لي ان الجهة التي تساءلت عنها لا وجود لها في الساحة.
وختم الشايع قائلاً: يقيني أنه سيتحقق هذا المطلب من خلال هذه الندوة المزمع إقامتها ولنا في دارة الملك عبدالعزيز والجمعية الجغرافية السعودية آمال كبيرة بسد هذا الفراغ.
وسيتحقق الهدف عندما يعطى القوس باريها.
الدارة.. والتيارات:
وتحدث الدكتور محمد محمود محمدين بهذه المناسبة قائلاً:
وكأحد المتابعين لنشأة الدارة منذ ميلادها، أجد أن الدارة قد التزمت تيارين متقابلين، أحدهما يشدها إلى أصالتها إلى التراث، والتيار الآخر يشدها إلى الحياة المعاصرة بنبضها المتواصل والمتدفق مع الزمن ولا يتوقف.
والتياران، على الرغم مما يبدو بينهما من تعارض، إلا ان حسن المعالجة يتيح نمطاً من الاتزان الواعي، بين قديم يصون التراث ويحميه دون جمود يثقل خطى تقدمها، وجديد يمدها بالحيوية حتى تساير الزمن بكل تقنياته ومعطياته دون ان تتنكر لتراثنا أو تطمس ذاتيتنا.
أما بالنسبة لندوة (أسماء الأماكن الجغرافية في المملكة العربية السعودية) والتي تنظمها الدارة تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز خلال يومي 10، 11 ربيع الأول 1424هـ بمدينة الرياض، فهي ندوة مهمة وتستمد أهميتها من محاور موضوعاتها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها بالإضافة إلى تجارب المشاركين فيها.
إن متابعة محاور هذه الندوة وأسماء المشاركين فيها تستوجب الثناء على الجنود المجهولين الذين خططوا لها ولاختيار محاورها والمساهمين فيها وقد وفقوا في ذلك أيما توفيق.
* أهمية موضوع الندوة واتساع مجالاته:
ويواصل د.محمدين حديثه بالقول:
يتفق الباحثون على ان دراسة أسماء الأماكن الجغرافية مجال رحب فسيح يسع باحثين ذوي تخصصات متنوعة مثل علماء اللغة والجغرافيين والمؤرخين والجيولوجيين وعلماء الاجتماع، فأسماء الأماكن دون أدنى شك وثائق ذات دلالات متنوعة لمن يحسن دراستها، فالاسم قد يكون وصفاً لظاهرة جغرافية مثل: (السروات) فالتسمية اشتقت من سراة كل شيء أي ما ارتفع منه وعلا، واسم (الرياض) هو جمع روضة، والروضة هي المكان الذي تستريض فيه المياه، وغالباً ما تكون الروضة مكاناً ذا خضرة تكثر فيها النباتات، وقد يكون الاسم مشتقاً من اسم نبات أو حيوان مثل: (طريف، القيصومة) و(القنفذة) وقد يكون الاسم مشتقاً من حدث تاريخي أو اسماً لشخصية تاريخية متميزة.
ومما يثري حوار هذه الندوة اختلاف الباحثين في تفسير بعض اسماء الأماكن وليس هذا غريباً، لأن البحث في هذا المجال ليس سهلاً أو ميسوراً، وعلى سبيل المثال وليس الحصر هناك أربعة تفسيرات متنوعة على الأقل لتسمية البحر الأحمر، منها ان الجبال التي تحيط بهذا البحر جهة النوبة، أي من الغرب، تتميز بلون تغلب عليه الحمرة، وقيل إن هناك حيوانات مائية حمراء تنتشر فيه، وقيل إن هناك تكوينات مرجانية حمراء تلوح تحت مياهه الصافية، ويميل كثير من الباحثين إلى الرأي القائل بوجود طحالب تعرف باسم (تريكو ديزميوم ايرينزيوم) إذا ماتت تطفو على سطح المياه وتكتسب اللون الأحمر.
لاشك ان دراسة أسماء الأماكن الجغرافية تسهم في تصحيح نطقها لاسيما بالنسبة للأماكن التي تتشابه طريقة كتابتها وحروفها مثل (حَجْر وحِجْر) وذلك من خلال تحديد إحداثيات موقع كل منهما. كما ان دراسة أسماء الأماكن تعد إحدى الوسائل المهمة التي تعتمد عليها بحوث الجغرافيا التاريخية في تتبع الهجرات والاتصالات، ونستطيع ان ندرك تلك الحقيقة إذا عرفنا ان بالمملكة العربية السعودية أكثر من 170 (مائة وسبعين) قرية وهجرة اشتقت أسماؤها من (الشّعب) وهو مسيل الماء أو ما انفرج بين جبلين.
إن دراسة أسماء الأماكن وتحقيقها تفيد كثيراً في تحقيق طرق القوافل في شبه الجزيرة العربية وتحديد مواقع المدن القديمة والأحداث التاريخية المهمة.
المعاجم الجغرافية:
وتعد المعاجم الجغرافية كما يشير د.محمدين أهم المصادر التي عنيت بأسماء الأماكن الجغرافية، والمسلمون والعرب في هذا المجال مبتكرون غير مسبوقين، وأهم تلك المعاجم: (معجم ما استعجم) لعبدالله بن أبي مصعب البكري (413هـ - 487هـ) وقد استأثرت أسماء أماكن جزيرة العرب بأكثر من 90% من جملة المواضع التي تناولها هذا المعجم، وجدير بالذكر ان أول معجم جغرافي أوروبي لم يظهر إلا في القرن 16 الميلادي وهو معجم أورتليوس Ortelius أي بعد معجم البكري بخمسة قرون.
ومن المعاجم الجغرافية الأخرى (معجم البلدان) لياقوت الحموي، وقد وضعه ياقوت الحموي في القرن السابع الهجري (13م) وسبب تأليفه الاختلاف حول نطق اسم سوق من أسواق العرب في الجاهلية وهو سوق (حُباشه)، ويرى ياقوت ان معرفة أسماء الأماكن وتصحيحها وضبط نطقها وتنقيحها أمر لا يستغني عنه أولو الأبصار من فقهاء وأمراء وأئمة لأن من هذه الأماكن ما هي مواقيت للحجاج والزائرين، ومعالم للصحابة والتابعين ومشاهد للأولياء والصالحين ومواطن غزوات سرايا سيد المرسلين.
وفي القرن الثامن الهجري، ظهر معجم (تقويم البلدان) لأبي الفداء، عماد الدين اسماعيل بن جمال الدين محمود بن أيوب، وقد انتقد ابو الفداء الكتب السابقة واصفاً بعضها بالتطويل وعدم ذكر الأطوال ولا العروض مثل كتاب الشريف الإدريسي وابن حوقل، وبعض الكتب الأخرى اقتصرت على ذكر الأطوال والعروض ولم تحقق الأسماء ولم تذكر صفات المدن، وبعض الكتب الأخرى أهملت ذكر عديد من المدن، لذا قام أبو الفداء بجمع ما تفرق في كتب عديدة مثل: الأقاليم للاصطخري ونزهة المشتاق للإدريسي ومعجم البلدان لياقوت الحموي، إلى جانب الاعتماد على قصص التجار والرحالة، وصاغ من كل ذلك معجمه (تقويم البلدان) الذي عرض فيه المعلومات المختلفة في جداول منظمة، ومعجم تقويم البلدان من أول الكتب التي ترجمت من العربية إلى لغات أخرى ونال شهرة واسعة في أوروبا حتى قال عنه المستشرق الفرنسي (رينو Reinaud): (إن العصور الوسطى الأوروبية لم تعرف كتابا يمكن مقارنته به).
ومن المعاجم الأخرى الجغرافية العربية (معجم الروضة المعطار في خبر الأقطار) لمحمد بن عبدالمنعم الصنهاجي الحميري، وقد ظهر هذا المعجم في القرن التاسع الهجري (15م) وقد اهتم هذا المعجم ببلاد الأندلس والمغرب بصفة خاصة، وعلى سبيل المثال فإن مواضع حرف الألف اشتملت على 34 مادة بالأندلس و 32 مادة بالمغرب و 33 بجزيرة العرب والعراق و 17 بالشام و7 بمصر.
*المعاجم والموسوعات الجغرافية الحديثة في المملكة العربية السعودية:
يعد كتاب (صحيح الأخبار عما في بلاد العرب عن الآثار) أول عمل في العصر الحديث عن تحقيق أسماء الأماكن ومواضعها في شبه الجزيرة العربية، ولقد أنصف أسعد سليمان عبده حينما أطلق على (محمد بن بليهد) مؤلف صحيح الأخبار لقب رائد تحقيق أسماء الأماكن الجغرافية وقد قام بهذا العمل بتكليف وتشجيع من الملك فيصل رحمه الله، واستمر محمد بن بليهد أربعين سنة في رحلاته وجولاته بجزيرة العرب معتمداً على ناقته وقد تكبد المشاق المختلفة وأكل الظباء والضباب، وقد اهتم ابن بليهد بأسماء المواضع المختلفة التي وردت بأشعار العرب وقد اعتمد في إعداد مؤلفه بالإضافة إلى الدراسة الميدانية على معجمي البكري وياقوت الحموي، ويقع صحيح الأخبار في خمسة أجزاء، وظهرت طبعته الأولى 1370هـ (1950م).
أما بالنسبة للمعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية، فقد دعا إلى تأليفه الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - وأسهم في كتابه ثلاثة أقسام منه مرتبة ترتيباً أبجدياً، وصدر أول قسم من هذا المعجم 1397هـ (1977م) ويعد هذا المعجم أكثر المعاجم الجغرافية التي حصرت أسماء المدن والقرى وأهم موارد البادية، وقد اعتمد هذا المعجم على كثير من البيانات الرسمية والكتب إضافة إلى قيام مؤلفه - رحمه الله - برحلات عديدة في جميع أنحاء المملكة ومن الذين أسهموا في كتابة أجزاء مستقلة من المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية، الشيخ عبدالله بن خميس (معجم اليمامة) ومحمد بن ناصر العبودي (القصيم) وسعد بن عبدالله بن جنيدل (عالية نجد)، ومحمد بن أحمد العقيلي (جازان) وعلي بن صالح السلوك الزهراني (بلاد غامد وزهران) وعاتق بن غيث البلادي (معجم معالم الحجاز).
ومن المعاجم الجغرافية الرائدة في تحديد إحداثيات أسماء الأماكن (معجم الأسماء الجغرافية المكتوبة على خرائط المملكة العربية السعودية، وقد قام بإعداد هذا المعجم أسعد سليمان عبده واستغرق ذلك منه ما يقرب من عشر سنوات، واعتمد هذا المعجم على حصر الأسماء الجغرافية المكتوبة على خرائط المملكة العربية السعودية مقياس 1: 000 500 وهي إحدى وعشرون خريطة وبلغ عدد مواد هذا المعجم 7453 مادة حدد موقع وصفة كل اسم منها، والجديد الذي أضافه هذا المعجم على الأعمال السابقة أنه حدد درجات الطول والعرض للأماكن المذكورة.
وقد قامت الجمعية الجغرافية السعودية باصدار (الموسوعة الجغرافية للأماكن في المملكة العربية السعودية) 1418هـ وقد استغرق العمل في هذه الموسوعة بضع سنوات وتضمنت الموسوعة تحديد مواقع 37990 مكاناً مع ذكر خصائصها، ثم أصدرت 1419هـ 1998م (دليل المواقع الجغرافية بالمملكة العربية السعودية) لمستخدمي النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS) وقد تم في هذا الدليل تحديد إحداثيات 22924 مكاناً.
ولعل (موسوعة أسماء الأماكن في المملكة العربية السعودية) التي تم إصدارها بمناسبة مرور عشرين عاماً على تولي خادم الحرمين الشريفين الحكم، هي أهم الموسوعات التي تم إعدادها حتى الآن وتتكون هذه الموسوعة من ستة أجزاء وتضم قوائم بأسماء نحو 73 ألف اسم إضافة إلى خرائط جغرافية وطبوغرافية للمملكة ومناطقها الإدارية.
المشاركون في الندوة
وأكد د.محمدين إن متابعة أسماء المشاركين في الندوة والمحاضرات التي سوف يلقونها توضح بما لايدع مجالا الشك سعة اطلاع اللجنة المنظمة للندوة وحسن اختيارها للمشاركين وتوفيقها في تحديد محاور الندوة وقال: لو تتبعنا جهود المشاركين في مجال أسماء الأماكن وتحقيقها نجد ان أولى المحاضرات هي لمعالي الدكتور خالد بن محمد العنقري وهو أحد أبرز الجغرافيين في منطقة الخليج وله مؤلفات جغرافية عديدة منها الاستشعار عن بعد الذي يدرس في معظم الجامعات العربية، وأحدث مؤلفاته وأهمها (الجزيرة العربية في الخرائط الأوروبية القديمة) وقد صدر هذا الكتاب عن معهد العالم العربي في باريس 2001م وهو يمثل مجموعة خرائط خالد العنقري الخاصة بالجزيرة العربية، في الخرائط الأوروبية بين نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلادي، وقد أقيم لهذه المجموعة معرض بباريس استمر من 15 سبتمبر إلى 28 أكتوبر 2001م والكتاب مدون بثلاث لغات هي العربية والانجليزية والفرنسية.
ومن المساهمين في هذه الندوة كذلك معالي د.عبدالله بن يوسف الغنيم، وهو غني عن التعريف وأحد أهم المهتمين بتحقيق التراث الجغرافي الإسلامي، كما قام بدراسات جغرافية ميدانية عديدة في شبه الجزيرة العربية لتحقيق أسماء بعض المواضع والمظاهر الجغرافية الطبيعية، كما انه قام بدراسة مصادر البكرى صاحب كتاب (معجم ما استعجم) وتتبع منهجه الجغرافي واستدرك عليه بعض الأخطاء.
أما الشيخ محمد بن ناصر العبودي الرحالة المعروف أو (ماركوبولو العرب) كما يحلو لبعض المتابعين لجهوده ان يطلقوا عليه فهو أحد فرسان المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية، وهو الذي تولى الكتابة عن القصيم ومن يتابع ما كتبه يشعر بمدى أبعاد معرفته عن المنطقة التي يكتب عنها وسعة اطلاعه وما كتب عن القصيم في المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية من أفضل ما كتب.ويحدثنا د..أسعد سليمان عبده عن جهود الشيخ محمد بن بليهد في تحقيق المواضع، والدكتور أسعد هو صاحب معجم الأسماء الجغرافية المكتوبة على خرائط المملكة، وهو أحد خبراء الأمم المتحدة في مجال الأسماء الجغرافية وعضو في لجان متخصصة منها لجنة (روضة الأسماء الجغرافية) أي طريقة كتابة أسماء الأماكن بالحروف الرومانية، وقد حضر عدة مؤتمرات دولية، خاصة بأسماء الأماكن.وهناك كوكبة أخرى من الباحثين والمختصين المتميزين يضيق المقام هنا عن الإشادة بجهودهم المتميزة وقد تم اختيار المشاركين في هذه الندوة المهمة نتيجة رؤية واعية ومتابعة موفقة لجهود الباحثين في مجال الأسماء الجغرافية، مما يبشر ان شاء الله بنجاح هذه الندوة التي تتسم باعدادها العلمي المتميز وتخطيطها الرشيد وكلها أمور تتيح السبل أمام عطاءات مبدعة.
الابتكار والمتابعة:
وتحدث أ.د. محمد شوقي بن ابراهيم مكي رئيس وحدة الأماكن في الجمعية الجغرافية السعودية فقال:
يعتز كل مواطن، بل كل مهتم بشؤون العلم والثقافة لما تقوم به دارة الملك عبدالعزيز من جهود وأعمال بعضها مبتكر وبعضها الآخر يكمل أعمالاً سابقة لأفراد أو مؤسسات علمية أخرى فهناك أعمال لا حصر لها قدمتها الدارة، تتمثل في عقد الندوات واللقاءات العلمية والثقافية لمواضيع تهم الباحث العربي داخل وخارج المملكة، وهناك الإصدارات العلمية الدورية وغير الدورية، وهناك المشاريع العلمية العملاقة مثل تتبع طريق الملك عبدالعزيز لاسترجاع مدينة الرياض، وإصدار الأطلس التاريخي والوطني للمملكة.
العديد من هذه المشاريع العلمية تبدأ بفكرة مبتكرة من العاملين في هذا الصرح العملي الشامخ، وبعضها الآخر مساند لأفكار تأتي من خارج هذه الصرح، والجميل في هذه المشاريع ما يسخر لها من إمكانات مادية أو بشرية وعلمية تضمن استمرارها وتطورها. ولعل هذه الاستراتيجية هي أهم ما تفتقده كثير من الأعمال العلمية، وأقصد بذلك المتابعة التي تجعل البحث العلمي لا يقف عند مرحلة معينة وإنما يتبلور بكل مظاهر التطور والتشكل والتحسن لما يخدم الظاهرة المدروسة والمستفيدين منها.
وقال د.مكي إن مما يدخل في هذا المضمون المشروع المتعلق بإصدار الدارة ل «موسوعة أسماء الأماكن في المملكة العربية السعودية»، والتي تعتبر خطوة جيدة في استكمال ما بدأته هيئة المساحة الجيولوجية التابعة لوزارة البترول والثروة المعدنية في إصدار دليل أسماء الأماكن في منطقة الرياض في سنة 1421ه بالتعاون مع إمارة منطقة الرياض بمناسبة الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة، وكذلك الموسوعة الجغرافية للأماكن في المملكة العربية السعودية التي أصدرتها الجمعية الجغرافية السعودية في سنة 1418ه.
ولا شك ان تضافر الجهود لخدمة تاريخ وجغرافية المملكة تصب في خدمة المصلحة الوطنية العليا لأن الاهتمام بتجديد وضبط أسماء الأماكن هو من الأمور التي تشكل محوراً أساساً في الحماية وحفظ حقوق الوطن. ولا شك ان هناك جهوداً بارزة لعلماء وباحثين عكفوا على حفظ آثار وتراث وحضارة بلادنا، ونذروا أنفسهم للعمل الدؤوب الشاق في تحقيق التراث وتأليف الكتب والتجوال والترحال في سبيل تلك الغاية دون كلل أو ملل على الرغم مما كان يعانيه بعضهم من الأمراض والعلل الجسمية، وعلى الرغم مما تكبدوه من مصاعب وتكاليف مادية ليست بالقليلة.
وأشار مكي إلى ان جهات علمية معينة مثل الجمعية الجغرافية السعودية عملت في جمع العديد من الأعمال في عمل متطور واحد يسهل على الباحثين الاستفادة من الكم الهائل من المعلومات في هذه الأعمال بيسر وسهولة ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل الأمل معقود على استمرار التطوير ومتابعة الأعمال الخيرة لخدمة الباحثين والمهتمين بالأماكن وأسمائها. ولعل هذا ما تعمل عليه الجمعية الجغرافية السعودية في خططها المستقبلية، وما أنجزته فعلا دارة الملك عبدالعزيز في إصدار موسوعة أسماء الأماكن في المملكة العربية السعودية. ولهذا فالكل يشد على يد المخلصين والعاملين في الدارة لمتابعة مثل هذه الأعمال الرائدة، بل ونتطلع لتضافر جهود جميع الجهات المهتمة بالأماكن في إصدار عمل تاريخي جغرافي متكامل يخدم المصلحة العامة والإقلال من الأعمال الفردية التي لا شك أنها مفيدة ولكنها قد تؤدي إلى بعثرة الجهود والموارد.
|