اكتب هذا المقال اليوم الاحد 19/2/1424هـ الموافق 20/4/2003م أي قبل صدور التشكيل الوزاري المنتظر وبغض النظر عمن يكون الفارس القادم، فلاشك أنه سيمتطي صهوة جواد بري جموح عصي على الترويض. ومن حقه علينا نحن العاملين في القطاع الصحي الدعاء له بالتوفيق والسداد. وأن نشد أزره لما فيه الصالح العام. وفي الذهن مجموعة من القضايا الملحة والرؤى أحب أن نستقبل بها الفارس القادم لقيادة معركتنا المقدسة ضد الجهل والمرض.
إعادة الهيكلة يا معالي الوزير
القطاع الصحي بحاجة الى إعادة هيكلة شاملة فهناك ثلاثة عشر قطاعاً صحياً حكومياً، تعمل وكأنها تعيش في جزر متفرقة بينها القليل من التنسيق والكثير من التنافس مع تفاوت كبير في مستوى الخدمة وتكرار مزعج لبعض الوحدات التخصصية. هذا بالاضافة الى فرق هائل في متوسط الإنفاق على الفرد بين قطاع وآخر على الرغم من انها جميعاً قطاعات حكومية. ولابد أن ينظر خلال عملية إعادة الهيكلة إلى بدائل التمويل المقترحة مثل الضمان الصحي ومراكز خدمة الأعمال (Busnes Centres) داخل المستشفيات وما الذي واجه هذه البدائل من صعوبات حالت دون وصولها إلى المستوى المنشود ولابد ان تنظر عملية إعادة الهيكلة في تكلفة العلاج داخل القطاع الصحي الحكومي ولماذا هي متفاوتة من جهة واحيانا مرتفعة بصورة غير مبررة من جهة ثانية واقتراح السبل لخفض التكلفة ليستفيد من هذا الخفض مرضى آخرون.
كما ينبغي ان يكون هناك حوار علمي مع وزارة المالية لتحديد متوسط الانفاق الحكومي على الصحة في ضوء إمكانياتنا المالية ومقارنة ذلك بمعدلات الانفاق في دول العالم المختلفة، وذلك بدلاً من ان نترك قرارات مالية مصيرية لأمزجة موظفين ماليين وأهوائهم، قد لا يدركون وهم يعتذرون بحسن نية فداحة الجرم الذي ارتكبوه.
تقنية المعلومات
لن نستغرب لو صدر التشكيل الوزاري الجديد بوزارة للمعلوماتية، حيث يعاني القطاع الصحي فقرا في المعلومة ما يجعل مهمة أي مخطط للقطاع الصحي صعبة واحيانا مستحيلة وتطوير تقنية المعلومات الصحية مطلب وليس خيارا، الملف الطبي الموحد شبكة الاتصالات السريعة بين مراكز الخدمة، تدفق المعلومات الصحية الكترونيا وبصورة انسيابية الخ. إن القدرة على الحصول على أرقام دقيقة وحديثة وبسرعة هي السر في الوصول الى القرار السليم.
ما الذي يمنع من ان يصل الى هذا المستوى؟ أليس غريباً أن نراجع أداء فنيين بل أطباء بعضهم على مستوى عال من التخصص الدقيق عن طريق التوقيع على دفاتر الحضور والانصرف؟! هل المهم ان الدكتور فلان وقع أربع مرات يوميا على دفاتر الحضور والانصراف؟ أم ان المهم كم عملية انجز وكم مريضا عالج؟ وكم كانت نسبة المضاعفات؟ لا حل لمشكلة المركزية التي يطالب الكثير بالفكاك منها إلا ببنية تحتية قوية للمعلومات.
القوي الأمين
هناك شعور بالاحباط والدونية لدى الكثير من الاطباء العاملين بوزارة الصحة انهم يعملون أكثر من غيرهم، ولكن يقبضون اقل من غيرهم وأحياناً يعملون في ظروف صعبة، فقد يتولى قيادتهم إداري سعودي مبتدىء كل مؤهلاته بطاقة الأحوال التي هي بطاقة هوية وليست شهادة خبرة، وأحيانا يعمل أطباء سعوديون في أماكن نائية قليلة التجهيز وينظرون نظرة الغيرة إلى زملائهم في مقاعد الدراسة الذين انتهى بهم الأمر الى مراكز متقدمة.
لابد يا معالي الوزير من التفاتة صادقة منكم تماما كما يلتفت الجنرال إلى جنوده قبل ان يدخل المعركة إلى تحسين الوضع المعيشي لهؤلاء الاطباء ووضع برامج للتدريب والتعليم المستمر وإعادة التأهيل ورفع الروح المعنوية لديهم وإشعارهم بأهمية الدور الذي يؤدونه، وتسليط الضوء على المجالات الصغيرة التي يقوم بها بعضهم في مناطقهم البعيدة عن العاصمة.
الإبداع والتجديد
نحن بحاجة الى جيل جديد من المبدعين ذوي أفكار تجديدية متطورة قادرة على السير بنا إلى الأمام، وهذه النوعية من الموهوبين موجودة بحمد الله داخل القطاع الصحي تحتاج لمن يقتنصها ويمنحها الفرصة إن النمطية والخوف من التغير وعقلية (إنا وجدنا آباءنا) ستحرمنا من الاستثمار الكامل للفرص والإمكانات المتاحة لدينا.
لقد أصبحت فاتورة العلاج باهظة الثمن وحتى الدول القوية والمتقدمة تنوء بحمل هذه الفاتورة، فما بالكم ونحن دولة نامية نستورد العلاج من الخارج، ونستورد التقنية الصحية من الخارج، ونعتمد بشكل ليس بقليل على كوادر فنية أجنبية، لا سبيل لمعايشة هذه الظروف إلا بالابداع والتجديد والتغيير الايجابي.
التمريض.. التمريض
الكوادر الفنية وبالذات التمريض لا تقل أهمية عن الكادر الطبي، وهناك محاولات جادة وصادقة لسعودة هذه الكوادر، وذلك من خلال الكليات الصحية التابعة لوزارة الصحة أو من خلال معاهد التدريب الأهلية. ويجب عدم التساهل في مستوى تدريب هذه الكوادر، فالممرض الوافد يمكن الاستغناء عنه إذا ثبت قصوره بسهولة، ولكن الممرض الوطني لا يمكن أو يصعب ذلك مما يجعله عبئا على الجهة التي يعمل بها بدلاً من ان يكون عوناً، كما يجب الوقوف بحزم عند ظاهرة تسرب الفنيين إلى وظائف إدارية وكثيرا ما رأينا ممرضا أو فني مختبر أو فني أشعة أنفق عليه سنوات ليتعلم مهمة فنية محددة انتهى به الأمر كاتباً في إحدى الإدارات ثم بعد ذلك تظهر الإحصاءات ان لدينا كذا ألف فني بنسبة كذا بالمائة من إجمالي القوى العاملة.
لا نريدها لعبة أرقام بقدر ما نتمناها ان تكون تغييراً حقيقياً وإيجابياً ودائما في شكل القوى الفنية العاملة في القطاع الصحي وهذا قد يستدعي دراسة عمل الممرضة. هذه الأنثى الأم والزوجة وكيف يمكنها ان تجمع بين وظيفتها الأساسية وعملها الإنساني، ربما يكون من المصلحة تقليص ساعات الدوام بحيث يمكن استيعاب اعداد أكبر.
وأجزم انه من المصلحة مراعاة خصوصية الممرضة السعودية، وذلك بقصر عملها على الأقسام النسائية الأمر الذي قد يخفف من الموانع الاجتماعية التي تحول دون إقبال الفتيات على هذا التخصص إذا بقيت السعودة شعارا يستخدم في الخطب أصبحت شعوذة إعلامية. أما إذا صارت ممارسة منهجية فإنها تصبح إحلالاً مدروساً وموفقاً.
ختاما يا معالي الوزير لا نملك إلا أن نكرر ما بدأنا به وهو الدعوة لكم بالتوفيق والسداد في المهمة الصعبة التي أسندت إليكم.
سدد الله على الدرب الخطى.. وبارك القصد والنية.
|