حقيقة اطلعت على ما كتبه الأخ مناور الجهني حول المراهقة في عدد «الجزيرة» «11137» ليوم الخميس 24/1/1424ه تحت عنوان «حين تكون المراهقة بعد الأربعين».. في نظري ان المراهقة ما هي إلا مرحلة سنية يعيشها الإنسان عند اقباله على أبواب مرحلة الشباب تلك المرحلة والتي ترصد لنا ملاحظات التغير الكبير في سلوكيات واتجاهات الإنسان.. وفي نظري انها هي المراهقة المتأخرة، حينما تصدر من سن وقورة.. وهذا واقع البعض فقط حينما ينزعون جلباب هذا الوقار ويقدمون على تصرفات قد يخجل الأبناء من مجرد القيام بها.. والحقيقة لا أحد يستطيع رصد هذه الصور سوى الزوجة «أم العيال» نعم تلك رفيقة العمر القادرة على رصد تحركات زوجها وسلوكياته وملاحظة المتغيرات الطارئة عليه.. وأنا هنا لست في صدد عرض صور هذه المراهقة للاستهجان منها.. ولكن هدفي من ذلك الموضوعية عن طريق الالتفات إلى معالجة هذه المراهقة عن طريق المرأة.. فهناك صور كثيرة للمراهقة أخجل من ذكرها.. ولكن أعرض بعضا منها.. مما لا أجزم بحدوثه عند الكثيرين ولكنها.. أصداء الغير والناس وكل من تحدث عن مراهقة ما بعد الأربعين شاع عند الكثيرين ان الرجل عندما يكثر السفر ويترك ابناء مراهقين لا أحد يرعاهم أو يهتم بهم ان ذلك يعد مراهقة، أيضاً شاعت عند الكثير أيضاً ان الرجل عندما يعكف امام التلفاز وعيناه تتلقفان الحسناوات الاتي تعج بهن الفضائيات يقولون إن في ذلك مراهقة، أيضاً عند البعض تجده يلحظ تغيرا في ملبس الأربعين أو في شكله العام بما يوحي له انه تخلى عن الوقار المعهود فيحكم عليه بأنه مراهق مثلاً.. أيضاً منهم من كان يحب الرياضة ثم لا يلبث ان يتركها إلى الحرص على الاستراحات.. أيضاً منهم من يحكم بمراهقة اربعيني من خلال حرصه على قوام جسده إلى درجة انه يهتم بمقاييس جسده ويتبع رجيما خاصاً.. ومنهم من يحكم على الرجل الأربعيني بمراهقة متأخرة حينما ينتهي من مشاكل الأبناء أو حين خروج الأبناء من المنزل إما لزواجهم أو لعملهم خارج المدينة ويبدأ في التفكير «بالزواج» حيث يستنكر البعض زواجه.. بطريقة الخروج من المنزل بزهو محاولا ان يرجع إلى الوراء قليلاً ويبدأ في استعراض خيالاته ويطارد احلامه للزواج لمجرد التجديد أو الشعور بأنه مازال شاباً مرغوباً فيه «وانا اتحفظ» على رأي هؤلاء في مراهقة رجل كهذا!!
أيضاً البعض منهم يحكم على مراهقة متأخرة عن الرجل الأربعيني أو الخمسيني عندما تختلف مواعيد العودة للمنزل بعد ان كانت عودته محددة ومعروفة لدى أفراد أسرته.
كثيرة هي المشاهدات والصور والتي يحكم الناس عليها بأنها مراهقة متأخرة لدى رجل في سن الأربعين أو الخمسين أو الستين.. وأنا أخالفهم في بعضها وأوافقهم في البعض منها.. إذ أننا لا يمكن ان نُعمم مثل هذه الصور كظاهرة متفشية أو موجودة بشكل يجعلنا نحكم على الرجل بأنه مراهق!! والحقيقة نحن حينما نكتب نريد العلاج لأن هدفنا اظهار العيوب، وتعرية الأخطاء وبعض الصور الشاذة أو الفردية والحكم عليها بأنها ظاهرة.. وهذا الخطأ بعينه.
إلا اننا نقف أمام بعض الصور الشاذة بأن نهيب إلى قضية القدوة الحسنة والتي يجب ان يقوم بإعانتها ابن الاربعين أو الخمسين.. نعم فهو القدوة لأبنائه.. وحري به ان يتوخى التصرفات الحسنة والبعد عن كل ما فيه مساس لسن وقورة كسنه..
حقيقة أذكر لكم صورة نقلها لي أحد الإخوة تبين لنا تجاهل البعض في مواقفهم لمبدأ القدوة الحسنة من ذلك حيث كان هذا الأخ يستقل سيارة فارهة عند إحدى الإشارات وصوت التسجيل يرن بذلك الصوت والضجيج الصاخب وإذا بسيارة أخرى تقف بجواره يستقلها رجل مسن يبدو انه في سن الأربعين.. فما إن رآه ذلك الشاب حتى قام بخفض صوت التسجيل احتراما لهذا الرجل المسن.. التفت الرجل إلى الشاب وقد رفع السيجارة بيده «ولا حول ولا قوة إلا بالله» فما كان من هذا الشاب إلا ان رفع التسجيل كردة فعل بعد تلك الصورة المخجلة.. هذه صورة أتركها لكم للحكم عليها من منطلق مبدأ ان يتبع الرجل المسن القدوة الحسنة وألا يجاهر بمعصية ابتلي بها وأمام شاب مراهق!!.
** أقول إن المراهقة المتأخرة حينما تكون في سن الأربعين.. تجدها مكشوفة لدى المرأة بشكل واضح وبالذات الزوجة فهي ترقب هذا التغير وتظل في حيرة من أمرها وإلام يؤول حال زوجها والذي يعيش مرحلة المراهقة.. والمراهقة ليس لها حد معين فقد تكون في سن الأربعين أو الخمسين أو الستين.. ولكن الذي يهمني في هذا الموضوع والذي دفعني لكتابته ليس مجرد الحرص على عرض صور لهذه المراهقة ودراستها بقدر ما يهمني دور المرأة في معايشة مثل هذه المراهقة والتي قد لا يقبلها العُرف.. وقد تسأل كل زوجة كيف هو الدور الواجب علينا القيام به؟ عندما أقول: المرأة قد تخسر زوجها بنفسها وعليها ان تسرع بانتشال زوجها من هذا المأزق ومن الآن وقبل ان يقع في فخ هذه المراهقة ووحلها ويكون ذلك حسب الآتي:
1) الارتباط القوي بزوجها منذ السنين الأولى من الزواج.. وفي ذلك لا تغفل الزوجة قضية جدُّ هامة في ذلك ألا وهي عدم نسيان الزوج في زحمة تربية الأولاد إذ ينبغي مشاركة الزوج في هواياته.. فما الذي يمنع المرأة من الاقتراب لزوجها وتقريب وجهات النظر بينهما.. وتخصيص ساعات لتقريب هذه الوجهات.. وحتى لا تتسع الفجوة بينهما مع مرور الأيام والسنين ويحدث ما لا تحبذه المرأة!!؟ ولتعلم ان الزوج كالزرع إذا لم تعتن به يجف ويموت!!.
2) أيضاً هناك أمر مهم جدا ألا وهو ثقتها في نفسها وبزوجها.. فإذا المرأة شعرت بالرضا والثقة بالنفس فإن ذلك ينعكس على بيتها وحياتها.. أما إذا لم تثق بنفسها فإن كل شيء في بيتها سيتحول إلى نار!! وكلنا يدرك ان ليس هناك منزل يخلو من خلافات زوجية.. إذاً ليتعلم ان جمالها ليس في حفاظها على وجهها ورشاقتها بل في ثقتها بنفسها فكم من امرأة محت التجاعيد من وجهها ومحت بذلك ثقتها بنفسها باحثة عن الجمال محملة الثقة بالنفس!! ولتقرأ المرأة نظرات زوجها.. فالمراهقة يحكمها السلوك قبل السن.. إذاً الحل بيد الزوجة!!؟ فالرجل قد يتصرف بتصرفات عجيبة في سن متأخرة فالرجل كلما يكبر تزداد نظرته للحياة اكثر واكثر فمن يدري فقد يعاني الرجل من نقص عاطفي أو شيء من ذلك.. لذا لتنتبه الزوجة إلى أمر ثالث مهم جدا ألا وهو:
3) حاجة الرجل إلى مشاعر العطف والحنان ومشاعر الحب العميق حتى لو كان في هذه السن المتأخرة. إذاً لا تهملي تلك الاتصالات العاطفية والمعرفية فيما بينكما فهي حتماً ستضيف إلى حياتكما نوعاً من التعاون.. ادرك ان ظروف السن أجهزت على مثل هذه المشاعر ان يلفظها اللسان ولكن قد تنجب جفافاً عاطفياً.. وقد ينتج عنها طلاق عاطفي!!.
نعم قد يخجل أحد الطرفين عن اظهار تلك المشاعر لأسباب مثلاً لوجود الأولاد.. أو لكبر السن.. ولكن لتكون الحياة سعيدة لابد من البوح بها ولو بكلمة طيبة عابرة.. أو الثناء على عمل أنجز من الطرفين أو الاعجاب بأسلوب احد الطرفين فمثل ذلك أجزم انه سيكون له مردود ايجابي في اشاعة الحب واشباع الجوانب العاطفية والنفسية المطلوبة وبدونها تصبح الحياة جافة سطحية.. قال تعالى: {ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
** ولتعلم المرأة والزوجة بشكل خاص ان وسائل الاتصال هذه الأيام قد تنوعت فنحن في عصر التفتح.. عصر الإنترنت وفي عصر ينبغي ان تعتني بزوجك اعتناء فائقاً.. فكم من زوجة في واد وزوجها في واد آخر.. فكري دائماً.. أين التقارب الفكري بيننا؟! أين التقارب النفسي والروحي بيننا!!؟.
وفي نظري لو تنوعت الاهتمامات وتمايزت بين الزوجين لما بحث الرجل عمن تكون منه أقرب لذاته؟ فالاقتصار على مطالب الجسد في الحياة يدفع الرجل إلى هذه المراهقة السنية المتأخرة وذلك عندما يجد فراغاً في الوقت أو لنقل الفراغ المعنوي الأمر الذي يجعل الرجل ينكص على عقبيه مرتداً إلى مرحلة لا تتناسب مع عمره.. وهنا يصبح محط الأنظار وحديث المجالس.. وقد يتندر البعض منه ومن تصرفاته وسلوكياته..
* إذاً عليك أيتها الزوجة.. قتل الروتين الممل بينك وبين زوجك عن طريق اهداء الهدايا بينكما مثلاً.. واجلسي مع زوجك وازيلا ما بينكما ان كان هناك من ترسبات ولَّدها «سوء الفهم» بينكما، وعالجا اضطرابات حياتكما ب«المصارحة».
* إذاً أساس الحياة الزوجية السعيدة هي المحبة والصحبة والتعاون!!.
* أيضاً لا ننسى الرجل.. حينما ينسى قول المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم «خيركم خيركم لأهله» اكرر واركز على نقطة جدُّ هامة ألا وهي ان يجعل الرجل من نفسه قدوة حسنة لأبنائه لأنه المسؤول عنهم لا أن يجعل ابناءه بسبب تصرفاته السلوكية الخاطئة يعيشون في جو من الانهزامية والمشاكل النفسية والتناقضات.. إذاً الأب الكهل ها هو يشرف على سن ضعف في القوة إذ كان يتوجب عليه إعداد أبناء صالحين يدعون له.. فبصلاحه يصلح الأبناء.. قال تعالى: {كّانّ أّبٍوهٍمّا صّالٌحْا} أما ان يعيش الأب في جو من اللامبالاة وعدم استشعار المسؤولية.. والركون إلى الأصدقاء والاستراحات وقلة الوعي في ظل اهتمامه بأبنائه وأسرته فهذا يعني ضياع أسرته، وهذه اللا مبالاة يكون علاجها التربية سواء الفردية أو الاجتماعية.
وختاماً أؤكد ان الحل في هذه القضية الاجتماعية يكمن في زوجة هذا المراهق من حيث ثقتها بنفسها وبمقدرتها الشخصية والفعلية ومتابعة ردود أفعاله الحقيقية وبتحقيق ذلك ستتربعين على قلب زوجك.. وإلا فلا حاجة لهذا القلب!! ولا تنسي ايجاد تلك المتغيرات الحياتية في نمطها وايجاد ذلك التوافق العاطفي عن طريق تبادل المشاعر فيما بينكما والتواصل معاً في ذلك، وفي نظري متى استطاعت المرأة كسب الزوج من خلال هذه الأمور.. أرى أنها ستقطع جذور هذه المراهقة عن أصولها.. إن وُجدت.. إذاً الحل بيدكِ أنتِ أيتها الزوجة.. فما أنتِ فاعلة!!؟.
أ. سليمان بن ناصر عبدالله العقيلي/معلم بمتوسطة صقلية المذنب
|