فإن المتابع للحملات العدائية المغرضة التي تشنها وسائل الإعلام المختلفة على الدولة السعودية السنية ليظهر له أن أعظم هدف لمروجي هذه الحملات القضاء على الدعوة الإسلامية الصحيحة من خلال أمرين:
الأول: إيغار صدور الناس على ولاة أمرهم.
الثاني: النيل من كبار علماء هذه البلاد.
وذلك أن ولاة الأمر والعلماء في بلادنا السنية يتبنون المنهج السلفي الصحيح في الدعوة إلى الله تعالى، ذلك المنهج النبوي الذي يتمثل قول الله تعالى: {قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله و ما انا من المشركين} فهي دعوة لها مميزاتها التي جعلتها شاهدة على غيرها من الدعوات، فهذ دعوة:
1- سبيلها واضح بين.
2- دعوة إلى الله وحده لا شريك له، فهي منه وإليه وفيه جل وعلا، دعوة إلى توحيد الله جل وعلا وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له، وتنزيهه عن كل ما لا يليق به.
3- دعوة على بصيرة وهدى ونور لا على جهل وتخرص.
4- دعوةنبوية خطها محمد صلى الله عليه وسلم بوحي من الله تعالى.
5- دعوة كل من قام بها على الوجه الصحيح كان من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك الاتباع الذي من أعظم ثمراته نيل محبة الله جل وعلا، كما قال تعالى: {قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}
6- دعوة إلى البراءة من الشرك وأهله مهما كانت ألوانهم أو ألسنتهم.
7- دعوة لا تقبل إلا من وحد الله ودعا إليه على بصيرة.
8- دعوة قد تجردت من حظوظ النفس واتباع الهوى.
9- دعوة إلى الوسطية، كما قال تعالى: {وكذلك جعلناكم امة وسطا} أي عدولاً {لتكونوا شهداء على الناس} أولهم وآخرهم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، وليست الوسطية التي تعني التنازل عن الثوابت أو المساس بالمسلمات التي من أهمها العقيدة الصحيحة والتوحيد.
10- دعوة الإحسان في عبادة الحق، والإحسان إلى الخلق برحمتهم وحسن المعاملة كما قال تعالى: {وما ارسلناك الا رحمة للعالمين } والتلطف في دعوتهم ومجادلتهم {ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن}.
تلكم الدعوة، هي الدعوة السلفية، الخالصة لوجه الله تعالى، لا تدعو إلى حزب، ولا إلى شخص، ولا إلى رأي، بل تدعو جميع الثقلين إلى عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون }.
دعوة يعلم دعاتها أن الناس كلهم في خسارة وبوار إلا من استثناهم الله جل وعلا في قوله: {والعصر <1>ان الانسان لفي خسر<2>الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.
هؤلاء الذين نجوا قد استجابوا لدعوة الإيمان فآمنوا، وعملوا بما يقتضيه هذا الإيمان من عملٍ بالأوامر الشرعية التي من أجلِّها توحيد الله وإخلاص العمل له تعالى، وانتهاء عن المحرمات التي من أعظمها وأشنعها الاشراك بالله الذي حكم الله سبحانه وتعالى على من مات عليه بالخلود الأبدي في الجحيم.
ثم هؤلاء لم يقتصروا على الإيمان والعمل فقط، بل كان نفعهم متعدياً إلى غيرهم، حيث دعوا الناس إلى الخير الذي آمنوا به وعملوا، وأوصى بعضهم بعضا بالثبات على هذا الصراط المستقيم.
ثم إنه لما كان من سنة الله في خلقه أن يُقابلُ الدعاةُ المصلحون من قبل أعداء الله بالعيب والثلب والأذية صبروا وأوصى بعضهم بعضاً بالصبر، أولئك هم الناجون بفضل من الله ومنّة.
ألا وإن من دعاة الحق الذين نالهم ما نالهم من الأذى والمشقة في سبيل الدعوة السلفية (دعوة التوحيد) الإمام المجدد المصلح الملك العادل عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود - قدس الله روحه.
يقول رشيد رضا في مجلته المنار: «وأما معيد هذه النهضة - أي إحياء مذهب أهل السنة والجماعة الذي كان عليه السلف الصالح - ومجدد دولتها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود فهو على شدة تمسكه بالسنة ونشرها واسع الصدر عارف بحاجة الأمة العربية والشعوب الإسلامية إلى التعاون» «نقلا عن: عناية الملك عبدالعزيز بالعقيدة السلفية ودفاعه عنها ص27. وجميع ما بين الأقواس عنه».
و،يقول الدكتور الخميس: «كان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - سلفي العقيدة، ينتهج عقيدة السلف الصالح لهذه الأمة من الصحابة والتابعين وأتباعهم، وهي العقيدة التي دعا إليها الكتاب والسنة، وكان عليها سلف الأمة، ومنهم الأئمة الأربعة رحمة الله تعالى عليهم جميعاً».
ويقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - في الملك الإمام المجدد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - وفي الدولة السعودية السنية وولاة أمرها: «الملك عبدالعزيز نفع الله به المسلمين وجمع الله به الكلمة، ورفع به مقام الحق ونصر به دينه، وأقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحصل به من الخير العظيم، والنعم الكثيرة مالا يحصيه إلا الله عز وجل، ثم أبناؤه بعده حتى صارت هذه البلاد مضرب المثل في توحيد الله والبعد عن البدع والخرافات. وهذه الدولة السعودية دولة مباركة، وولاتها حريصون على إقامة الحق وإقامة العدل ونصر المظلوم، وردع الظالم، واستتباب الأمن، وحفظ أموال الناس وأعراضهم فالواجب التعاون مع ولاة الأمور في إظهار الحق، وقمع الباطل والقضاء عليه حتى يحصل الخير) «عن كتاب أسد الجزيرة».
وكان الإمام عبدالعزيز - رحمه الله - لا يفوت فرصة سانحة في الدعوة الى التوحيد والعقيدة الصحيحة إلا واستغلها أحسن استغلال، من ذلك قوله لوفد من المسؤولين في بعض البلاد المسلمة حين وفدوا إلى مكة المكرمة وعلى رأسهم ملك أفغانستان: «إن المسلمين لا ينقذهم مما هم عليه من تأخر وانحطاط إلا الاعتصام بحبل الله وبكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطريقة الاعتصام بحبل الله هي توحيد الله جل شأنه دون أحد من الكائنات.. التوحيد الخالص من الشرك والبدع» الخ كلامه رحمه الله.
قلت: قد غفل كثير ممن نصب نفسه مدافعاً عن الإسلام والمسلمين عن هذه الحقيقة فبدلا من أن يدعو الناس إلى التوحيد ويحذرهم من الشرك والبدع والخرافات، تجده يؤججهم على دعاة الحق والتوحيد، ويقتحم بهم المهالك عبر الثورات وقتل الأبرياء، وانتهاك المحرمات تحت ستار الدعوة والجهاد.
ومهما فتشت في فكر ودوافع هذا الحاقد لا تجد لها أصلا لا في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عمل سلفنا الصالح، بل كل أفكاره وأعماله قطب رحاها التصورات الباطلة، والاعتداد بالنفس، وإساءة الظن بالمسلمين وولاة أمرهم وعلمائهم، فلم تنفعه تلك المعالم التي نصبها له أئمة الضلال، بل أصبح تائهاً حيران في بيداء موحشة محرقة لا ينفعه معها ظلال، أو كهوف مظلمة خاوية، لا تنيرها الكواشف مهما قيل إنها جلية.
ولنترك الحديث لمن هو حلاوة الحديث وطلاوته الإمام عبدالعزيز، ليعرض لنا نموذجاً من نماذج الحملات المسعورة على البلاد السعودية حكامها وولاة أمرها وشعبها قال - رحمه الله: «يسموننا الوهابيين ويسمون مذهبنا الوهابي باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاسد نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض، نحن لسنا أصحاب مذهب جديد وعقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبدالوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح، ونحن نحترم الأئمة الأربعة ولا فرق عندنا بين الأئمة مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، وكلهم محترمون في نظرنا».
ويقول موضحاً منهجه في الدعوة: «أنا داعية أدعو إلى عقيدة السلف الصالح.. وهي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما جاء عن الخلفاء الراشدين».
ويقول أيضاً: «عندي أمران لا أتهاون في شيء منهما، ولا أتوانى في القضاء على من يحاول النيل منهما، ولو بشعرة، الأول: كلمة التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله» اللهم صلى وسلم وبارك عليه، إني والله وبالله، وتالله أقدم دمي، ودم أولادي، وكل آل سعود فداء لهذه الكلمة ولا أضن بها.. الخ».
قلت : فأي بيان بعد هذا يريده أبواق الشر ودعاة الباطل وأهل الصيد في الماء العكر؟!
وكما أن الإمام عبدالعزيز - رحمه الله - يدعو إلى التوحيد والعقيدة الصحيحة، فهو يحذر من البدع والخرافات وبعد ذلك من أوجب الواجبات الدينية: «من المسائل التي يجب أن نعمل بها، وتعد في طليعة خدمة الدين الحنيف هي تطهير الإسلام من الأدران والخرافات التي علقت بالدين وهو بريء منها» هكذا يقول رحمه الله.
وأما الفعل المصدق للقول فأكثر من أن يحصر، ولكن يحدثنا أحد المؤرخين وهو محمد مغربي عن طرف من هذا فيقول: «أدركت قبر السيدة حواء أم البشر في أوائل الأربعينيات من القرن الهجري الماضي تتوسطه قبة عظيمة ومن أمام القبة وخلفها ممر طويل،
ويدخل الناس والحجاج خاصة لزيارة أمنا حواء في الحجرة التي تعلوها هذه القبة وقد زينت هذه الحجرة بالستائر، وأطلق فيها البخور ويتولى أحد المشايخ إدخال الحجاج، وتلقينهم دعاء للزيارة، ويتقاضى الشيخ المذكور من الزائرين النقود التي يدفعونها مكافأة له، وحينما استولت الحكومة السعودية على الحجاز ودخل الملك عبدالعزيز مدينة جدة سنة 1344هـ كان من أوائل الأعمال التي قامت بها الدولة السعودية هدم ما يسمى قبة بحواء وقفل الزوايا المنسوبة الى الطرق الصوفية، وابطال البدع التي كانت سائدة في ذلك الزمان، التي يتقرب بها الناس - كما يظنون - إلى الله تعالى».
فرحم الله هذا الإمام المصلح بقوله وفعله حيث أنقذ الله به أهل هذه البلاد من كثير من الشركيات والخرافات والبدع، وأقام الله على يديه راية التوحيد، ووفقه للقضاء على مظاهر الشرك والخرافة، فلله الحمد من قبل ومن بعد.
ولكي يعرف الناس ما أثمرته دعوة الإمام عبدالعزيز إلى التوحيد والسنة، أذكر لهم فضيلة عظيمة قام بها - رحمه الله - أصبحت وحتى يومنا هذا شاهد صدق على حُسن دعوته ونبلها، ذلك أن بدعة التعصب المذهبي كانت ضاربة بجذورها في المجتمع حتى وصل الأمر الى أنه كان يقام في المسجد الواحد (كالحرمين الشريفين) أربع جماعات في الصلاة، لكل أهل مذهب جماعة وإمام، حتى لقد كان في الحرم المكي أربعة محاريب شاهدة على فرقةالمسلمين، حتى قام الإمام عبدالعزيز - رحمه الله - بالقضاء على هذه البدعة الخطيرة، وأعاد للمسلمين وحدة جماعتهم في الصلاة.
وأما الحكم بشرع الله والدعوة الى التحاكم الى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا أجهد نفسي بذكر الأمثلة عليه، فهو أشهر من أن يشهر، يشهد له الواقع والعدو قبل الصديق، ولعل هذه الكلمات المختصرة من الإمام عبدالعزيز - رحمه الله - تختصر كل ما نريد بيانه حيث يقول: «دستوري وقانوني ونظامي وشعاري دين محمد صلى الله عليه وسلم فإما حياة سعيدة على ذلك وإما ميتة سعيدة».
ولا يفوتنا أن نقول: للإمام عبدالعزيز - طيب الله ثراه - تواصل مشهور مع أمهات الكتب العلمية، فمن الكتب التي عرفت واستمع إليها في مجالس الملك عبدالعزيز: تفسير ابن كثير، وسيرة ابن هشام، والبداية والنهاية في التاريخ لابن كثير، وسيرة الخلفاء للسيوطي، وسراج الملوك، ومقدمة ابن خلدون، وفتح المجيد في شرح كتاب التوحيد، وكتاب الترغيب والترهيب، وكتاب الكبائر للذهبي، وغيرها من الكتب.
ومن عناية الإمام عبدالعزيز - رحمه الله - بالعلم أنه قام بطباعة الكثير من المؤلفات القيمة التي تربو على 98 كتاباً أكثرها في العقيدة والتوحيد ومنها ما هو في التفسير والحديث والسنن والفقه وغيرها على نفقته الخاصة.
وعلى خطة الإمام المصلح سار أبناؤه من بعده يشهد لهم بذلك القاصي والداني حتى أصبحت المملكة العربية السعودية علماً على الدعوة الإسلامية الصحيحة، ومأرزاً للخير وأهله، مما جعل كثيراً من أعداء الدين يشرقون بهذه المنزلة التي حباها الله لهذه الدولة وأهلها.
هذه الدولة على الرغم مما تقدمه وتبذله من حماية للإسلام والمسلمين ودعم لهم، وحفظ ورعاية لمقدساتهم وكتاب ربهم، فإنه ما زال بعض الحاقدين من أعداء الدين وإن انتسبوا إليه ظاهراً يبثون أراجيفهم، ولا ندري أي إسلام يزعمون وهم يعادون دولة الإسلام،
وها هو أحد العلماء الأجلاء يستعجب من هذا المسلك الحاقد المبغض، يقول العلامة أحمد بن يحيى - حفظه الله - في كتابه المورد عن بعض من يتزيا بلباس الدعوة الى الله ومع ذلك يبغض هذه الدولة المباركة: «والعجيب من أمرهم أنهم يبغضون الدولة السعودية دولة التوحيد التي قامت عليه من أول يومها وهي الدولة الوحيدة التي تدرس التوحيد في مدارسها ومعاهدها وكلياتها ولا توجد بها قبور ولا أضرحة ولا مشاهد يرتادها المشركون ويأتون إليها من كل مكان يطلبون من أصحابها مالا يطلب إلا من الله ويحبون دولة الشرك والكفر والالحاد ويجعلونها هي الدولة المسلمة الوحيدة».
ولنختم حديثنا ببيتين جميلين للإمام العلامة سليمان بن سحمان - رحمه الله - يذكر فيهما طرفاً من شيم الإمام المصلح الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه:
هو الملك الشهم الهُمام أخو الندى
مُذيق العدا كأسات سم الأساودِ
إمام الهدى عبدالعزيز الذي له
محامدُ في الإسلام أي محامدِ
والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.
|