في باريس قبل حوالي ست سنوات كنتُ، وكانت إحدى شركات السياحة الواقعة بجوار متحف اللوفر تمتلك عرضاً مغرياً لزيارة مدينة بلجيكية تسمى بروج «Brugge»، وتستغرق الرحلة حوالي 15 ساعة، 6 ساعات منها في الحافلة والباقي في تلك المدينة الصغيرة الواقعة على قنوات مائية التي تشتهر مطاعمها بتقديم الصدف أو المحار «Mussels»،... هذه المدينة التي تنتشر في أزقتها متاجر ضخمة وفخمة تباع فيها أضخم وأفخم أنواع الشكولاته البلجيكية... هذه المدينة التي تمتلك العديد من المعالم المعمارية التي ترضي غرور المهندس المعماري المتشوق لمطاردة المباني التاريخية مثل أول مستشفى تم بناؤه في أوروبا.. هذه المدينة التي تعيش ويعيش سكانها على السياحة..
فور انطلاقنا من باريس وتحديداً في السابعة صباحاً أخذت المرشدة السياحية المتمكنة بتقديم شرح بتفصيل ممل عن «بروج»، وقد بلغ هذا التفصيل مرحلة من الملل تشابه المرحلة التي ستصلون إليها أعزائي القراء - إن أسهب كاتبكم في الحديث عن هذه المدينة التي تتشابه في طبيعتها مع مدينة أمستردام الهولندية.
لم أشعر بالخروج من فرنسا ودخول بلجيكا، والفضل في تلك التسهيلات يرجع - بعد الله سبحانه وتعالى - إلى الاتحاد الأوروبي. فور الوصول إلى تلك المدينة العريقة أخذت مرشدتنا الذكية والمثقفة بتوزيع خريطة المدينة شارحة بعض الأمور المهمة مثل طريقة التعامل وأسعار تبديل العملات «قبل اليورو»، ثم بكل أدب ولطف أعطتنا تعليمات صارمة بخصوص زمان ومكان التجمع العودة إلى باريس، وكان وقت التجمع في السادسة والنصف مساء بجوار حديقة أسمتها مرشدتنا الرومانسية «حديقة الحب»، وتحتوي تلك الحديقة على تمثال ضخم لأحد الحيوانات الأليفة - أكرمكم الله -، وأكدت مرشدتنا الحنونة والحريصة على ضرورة الالتزام بالموعد المحدد.
قضيت يوما رائعاً تجولت فيه بين أبنية تلك المدينة وقنواتها المائية، والتقطت بعض الصور الفوتوغرافية للعديد من المعالم المعمارية التاريخية، وفور أزوف موعد المغادرة توجهت لحديقة الحب، ولم أجد «الباص» ولا المجموعة ووجدت المرشدة السياحية تقابلني وحدها بابتسامة كلها حياء وأدب ولطف وذوق واحترام.. أقول - حياكم الله - كانت في انتظاري بمفردها.. في انتظاري أنا شخصياً.. لأن «الباص» اضطر للمغادرة قبل موعده المحدد بسبب ظروف طارئة ان سردتها سأوصلكم أحبائي القراء إلى مرحلة الملل التي عاهدت نفسي أن أحاول تجنبها أقول لم يبق سواي في هذه المدينة لأن كامل المجموعة غادرت قبل الموعد المحدد.
شرعت المرشدة اللبقة تعتذر عن مغادرة «الباص» قبل موعده وشرحت لي الظروف الطارئة التي حدثت وطمأنتني بأني في أيدٍ أمينة، ووعدتني بإرجاع كامل المبلغ الذي دفعته فور وصولنا باريس، وخيرتني في وسائل مواصلات بديلة للعودة إلى باريس، فإما القطار أو «تاكسي خاص» أو البقاء في «بروج» بفندق خمسة نجوم إلى الغد ثم المغادرة مع «الباص» نفسه مع توفير جميع وجبات الطعام اللذيذة والخالية من لحم الخنزير، وكل ذلك على حساب الشركة السياحية غير المسلمة وبمتابعة شخصية من المرشدة الجميلة.. ولا تخافوا علي أعزائي القراء من الافتتان بها، لكونها امرأة في ربيعها الستين، أي من اللاتي لا يرجون نكاحاً.. وأخذت مرشدتنا الغالية تعتذر مرة أخرى عن نفسها ونيابة عن سائق الباص ونيابة عن الشركة ونيابة عن وزير السياحة الفرنسي ووزير السياحة البلجيكي.. لدرجة أنها اعتذرت لي شخصياً نيابة عن الرئيس الفرنسي «ميتران».
في بداية الأمر اعتقدت أن هذه العجوز غير الشمطاء تناولت أحد العقاقير المهلوسة فظنت أني شخص مهم جداً «VIP»، لا يقل في أهميته عن الشخصيات السياسية والسياحية السابقة الذكر.. وأدركت لاحقاً أن هذه الشركة لا تريد ترك أدنى ما يمس سمعتها وثقة السياح بها.
يا لها من امرأة حكيمة لم تترك لي أدنى فرصة للتذمر أو إبداء عدم الرضا، بل بالعكس تركت بداخلي انطباعاً رائعاً عن قوة وأمانة هذه الشركة.. وبالتأكيد تلك المعاملة الحسنة جعلتني أسهب في شكر تلك المرشدة المتمكنة على هذا الانضمام، وحملتها أمانة أن توصل شكري وتقديري الشخصي للشركة ولوزير السياحة وللرئيس الفرنسي، وقررت ترك الخيار لهذه المرشدة الكريمة «من خلال الشركة» في موضوع العودة إلى باريس فقلت لها الأمر إليك فاختاري ما يناسبك أنت وما يناسب شركتكم العملاقة وسأكون راضياً في جميع الأحوال لأني على ثقة بأني في أيد إمينة.
«وغداؤكم عندنا غداً بباريس في ماكدونلدز على الشانزليزيه، أنت والشخصيات التي اعتذرت لي نيابة عنهم».
هل تصدقون أعزائي القراء أني أصبحت مسوقاً من الدرجة الأولى لهذه الشركة؟
وهل تصدقون أن كل من ينوي باريس من أقاربي وأصدقائي أنصحه بزيارة مدينة بروج البلجيكية عن طريق تلك الشركة؟
في مقابل ما حدث لي في باريس حججت وشقيقتاي قبل حوالي أربع سنوات مع احدى الحملات الفاشلة من دون ذكر أسماء، وهذه الحملة يمكن تعريفها من وجهة نظر السياحة أنها مؤسسة أو شركة تهتم بما يمكن تسميته «السياحة الدينية» وبطبيعة الحال قامت تلك الحملة بالتسويق لعملية تأدية ركن الإسلام الخامس عن طريقها، وكان ذلك بسرد الخدمات التي ستقدمها مقابل ما سيدفع من مبالغ طائلة نظير تأدية هذه الفريضة، وبالتأكيد دفعت المبالغ المطلوبة وفوقها قبلة، لكني لم أحصل على جميع الخدمات المتفق عليها.. هل تعرفون ماذا حدث لنا أعزائي القراء؟
إذا كنتم تعرفون فاعلموا مرة أخرى «حتى لو حدث الملل الذي لا أريده»، أما إذا كنتم لا تعرفون فقصتنا باختصار كي لا يحدث المملل الذي لا أريده هي:
1- توجهنا لمطار الملك خالد ولم نجد مقاعد ولا حتى مواقف مخصصة لنا في الطائرة.
2- اضطررنا للسفر بسيارتي الخاصة وعلى نفقتنا الخاصة.
3- لم أجد مكاناً مخصصاً لي في الخيمة بمنى وجزاه الله خيراً صاحب الحملة الذي تفضل مشكوراً بتوفير سكن لنا في العزيزية مع الطباخين وسائقي الحافلات، علماً بأن تكاليف الانتقال من المخيم إلى العزيزية كانت على حسابنا الخاص.
4- لم ألاحظ وجود البوفيه الممفتوح 24 ساعة، ولا الحلاق الخاص بالحملة كما هو مبرم في العقد.
5- كان صاحب الحملة لطيفاً نوعاً ما وكان المسؤولون في الحملة يعاملونني معاملة خاصة نوعاً ما، وعما حدث اعتذرت لشقيقتي زوجة صاحب الحملة واعتذر لي هو واعداً بالتعويض فور انتهاء الحج.
6- فور وصولنا الرياض بدأ الرجل إن صحت التسمية بمماطلة دامت أكثر من أربعة عشر شهراً انتهت إلى وزارة الحج التي استخرجت التعويض «من حلقه» بعد شكوى وصلت إلى معالي وزير الحج.
7- أصبحت أكبر عدواً لهذه الحملة، وأخذت أُحذِّر كل من تسول له نفسه الحج معها، وما زلت أنادي بحسبي الله ونعم الوكيل.
|