عدد المصابين بالإيدز في المملكة لا أحد يعرف.. عدد الأطفال الذين يموتون في سن الرضاعة لا أحد يعرف.. متى تحقق المملكة الاكتفاء في الكوادر الطبية لا أحد يعرف.. هل انتهت الأمراض التقليدية من المملكة لا أحد يعرف.. متى يتم تشغيل مجمع الملك فهد الطبي بالرياض لا أحد يعرف. معالي وزير الصحة بعد هذه الاحصائيات الدقيقة والموثقة اسمح لي أن أعرض عليكم ملاحظة عاطفية صغيرة سبق أن عرضتها على سلفك الكريم وأرجو ألا أعرضها على خلفك.
لا أتذكر متى بني مستشفى الشميسي ولكني أتذكر في الثمانينيات الهجرية من القرن الماضي ان كان هناك حروب بين حارات الرياض تدور رحاها كل رمضان. كنت طفلاً في السابعة أوالثامنة من عمري عندما سف رجل يدعى سويد من محاربي أهل حي الشرقية مسفا «حجر مسنون» أصابني في المنطقة الواقعة بين جبهتي وبين خشمي.. جرت تلك الحادثة في واحدة من الهجمات الجريئة التي يقوم بها أهل الشرقية لتحدي سلطة أهل العسلية في عقر دارهم.
عندما شاهدني سقطت بلا حراك أنسحب فوراً من المعركة ويقال إنه فر إلى الدرعية واختبأ فيها، يشهد الله أنه لم يكن يقصدني. لأن الخطأ خطئي حيث كنت طفلاً لا يقدر العواقب.
لا أعرف كم غبت عن الوعي وعندما فتحت عيني وجدت نفسي في مكان أبيض نظيف أنيق على سرير لم أشهد مثله من قبل. تحوم حوله ممرضة بيضاء متمادية في الحسن كفراشات الورود الدنمركية، تضمدني وتداوي جرحي، فأنهضت جسدي ومع بقايا الدوخة التفت عليها وناديت «يمه» فقال مرافقي: الظاهر أن البزر انهبل، ثم التفت عليّ وقال: من متى صارت أمك حمراء يا ابن بخيت، ولو توسعت قليلاً في هذه الحكاية لشاهدت أحداثاً مليئة بمنعطفات حب يعز على الوصف، لا أريد أن أسحبك مع بداية تسلمك أمر هذه الوزارة إلى أيام صارت حلم ليل، ولكنها سنوات التكوين التي لا تنسى، فأول إبرة غاصت في وركي كانت في هذا المستشفى وأول عصابة رأس على الأصول لبستها في هذا المستشفى، وفيه تم تقدير يوم مولدي المجهول، ولا يتوقف هذا المستشفى عند الشؤون الصغيرة المتناثرة ولكنه يتسع ليضم في غرفة وممراته مزيداً من الأحزان، يكفي أن لي أحباباً ماتوا فيه بينهم والدي رحمه الله، أنه ليس ذاكرتي انه ذاكرة أهل الرياض كلهم.
نحن نشكر أسلافك الوزراء الذين مروا على هذه الوزارة وتركوا هذا المستشفى نهباً لعوادي الإهمال ليبقى متحفاً لذكريات أمراضنا كلها، لا نطلب منك اعادة تأهيل هذا المستشفى ليعود إلى مجده القديم ولكن نرجو توفير جهاز قسطرة ليراوح هذا المستشفى بين كونه متحفاً وبين كونه مستشفى، فإذا كانت الوزارة تتعامل معه كمتحف فمع الأسف ما زال فقراء الرياض يتعاملون معه كمستشفى، وليس من شيمنا أن نمنَّ عليهم بجهاز.
فاكس: 4702164
|