Saturday 10th may,2003 11181العدد السبت 9 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
خالد الجريسي وإدارة الوقت
عبدالرحمن صالح العشماوي

«إلى كل مسلمٍ حريصٍ على وقته يبتغي القصد فيه واستثماره»، بهذا الإهداء بدأ الأخ الفاضل «خالد بن عبدالرحمن الجريسي» كتابه الثمين «إدارة الوقت.. رؤية إسلامية»، وهو إهداءٌ يحمل تعبيراً عن أغلى ما يملكه الإنسان بعد إيمانه بربِّه، وبعد روحه وقلبه، ألا وهو الوقت، الوقت الذي يعني «الحياة» بكل ما فيها من حركة ونشاط، وخمول وكسل، كل ما فيها من ألم وأمل، وعطاءٍ ومنع، وصحة ومرض، «الحياة» التي تعني «ثمرة وجود هذا الكائن البشري» وغيره من الكائنات التي لا نستطيع أن ندرك أنواعها وأصنافها في هذا الكون الفسيح.
وقفت مع كتاب «إدارة الوقت» للأخ خالد وقفة قارئ متأمِّل مستفيد، ووقفةَ إعجاب بما حواه هذا الكتاب من تجربة مثمرة في مجال إدارة الوقت، والإفادة منه والحرص عليه الذي يعني بوضوحٍ لا لبسَ فيه «الحرص على الحياة الدنيا واستثمارها للآخرة»، ووقفت مع هذا الكتاب وقْفةَ سعادةٍ بهذا التوجُّه الجميل من رجلٍ أعمال ابن رجل أعمال يدير مع والده وإخوته شركةً تجاربة، وأعمالاً اقتصاديةً كبيرةً، لها حضورها الاقتصادي المعروف في ساحة المال والأعمال في بلادنا، ولا شك أن عناية الأخ خالد بالعلم والعلماء، والثقافة والمثقفين تستحق وقفة إعجاب وإشادة وتشجيع، لأنَّ كثيراً ممن يغوصون في أعماق الأعمال التجارية، والمشروعات الاقتصادية ينجرفون مع تيَّاراتها المتدافعة التي تذهب بهم بعيداً عن العناية بالعلم والثقافة والفكر، ولربما كان السبب في ذلك إلى جانب الطبائع البشرية عدم إدارة الوقت بطريقة صحيحة يتحقَّق بها استثماره استثماراً كاملاً، ينفع الإنسان في دنياه وآخرته.
خالد الجريسي، نموذج للشاب الذي لن تصرفه الأعمال التجارية «الكبيرة» عن العناية بثقافته الإسلامية، وفكره، والعلم الشرعي النافع، ولعلَّ مما لا يعرفه الكثير، أنه قد خصَّص منزلاً كاملاً «مكتبةً» أنشأها بطريقة حديثةٍ، تستخدم فيها أفضل وسائل تصنيف المكتبات الحديثة القائمة على أجهزة «الحاسب الآلي المتطوَّرة» التي هي أساس تجارة «شركة الجريسي» وقد سعدت بزيارة منزله «المكتبة» أو مكتبته «المنزل» في الرياض، مع الأخ الكريم د.سعد البريك فرأينا فيها ما أثلج صدورنا من عناية كبيرة بالكتب، ومن تخطيط «سليم» لإنشاء مكتبة ذات قيمة علمية كبيرة، بما فيها من التنويع الذي يشمل العلوم بأصنافها المتعددة، ومنذ تلك الزيارة عرفتُ «الجانب الثقافي والعلمي» من حياة خالد، وهو جانب لم أكن أعرف عنه شيئاً قبل ذلك، مع أنني قد اطَّلعت على بعض الإصدارات والكتب الجيَّدة مثل «الفتاوى الشرعية في المسائل العصرية» من فتاوى علماء البلد الحرام، ومثل «الفتاوى الذهبيَّة في الرُّقى الشرعية» و«الفتاوى الاجتماعية» و«فضل تعدُّد الزوجات» و«لماذا تعدُّد الزوجات»، ولكنني لم أكن أربط بين مؤلِّف هذه الكتب وبين الأخ خالد، حتى إذا التقيت به وأهداني مجموعة الكتب التي ألَّفها وجمعها وأعدَّها، عرفت أنه هو المعنيُّ بهذا التوجُّه الثقافي الجميل.
ولاشك أنَّ اتجاه أصحاب المال والأعمال إلى العلم، بخاصة «العلم الشرعي» يُعَدُّ سمةً من سمات التوجُّه إلى الخير، والنَّفع للأمَّة بتسخير جزءٍ من المال الذي رزقهم به الله عز وجل في خدمة العقول والقلوب، وفي بناء الشخصية الثقافية الواعية للأمة.
لقد تناول الأخ خالد الجريسي في كتابه «إدارة الوقت» عدداً من القضايا المتعلِّقة بهذه الثروة البشرية الهائلة، التي يهدرها كثير من الناس إهداراً يوحي بعدم تقديرهم لقيمتها العُظمى التي لاتوازيها أموال الدنيا كلها، فقد بدأ بتعريف الوقت وتحديد مفهومه، ثم تحدَّث عن خصائص الوقت، وعرَّف «إدارة الوقت» وحدَّد مفهومها أيضاً، ثم كتب عن الوقت في الفكر الإداري، ثم خصَّص صفحات للكتابة عن الوقت في القرآن الكريم، وهي صفحات مهمة في الكتاب تناول فيها: الوقت من أصول النعم، والقسم بالوقت في القرآن الكريم، وارتباط الوقت بالغاية من الخلق، والوقت وتعاقُب الأَهلَّة، وإدارة الوقت في القرآن الكريم مشيراً إلى «التخطيط للوقت وإدارته، والتنظيم، والتوجيه والرقابة، واتخاذ القرارات».
ثم تناول الوقت في السنة النبوية مشيراً إلى أن الوقت نعمة عظيمة، ومسؤولية استثماره وإدارته كبيرة، ومؤكدا أن الوقت هو وعاء العبادة، ثم وقف مع الوقت وقيمته في أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم متناولاً تقسيم الوقت ونظيمه والحث على اغتنام الوقت والتحذير من إضاعته، ومتوقفاً بالدراسة عند إدارة الوقت في السنة المطهَّرة، ومن أهم صفحات هذا الكتَاب الصفحات التي تناول فيها المؤلف «واجب المسلم تجاه الوقت»، موجِّهاً إلى وجوب الحرص على الاستفادة المثلى من الوقت، واغتنام أوقات الفراغ، واستثمار الوقت استثماراً كبيراً في المسارعة في الخيرات، ووجوب الاتعاظ والاعتبار بمرور الأيام، وأهمية تحري الأوقات الفاضلة، وضرورة التخطيط والتنظيم للوقت، والالتزام بالمواعيد ووجوب الحذر من إضاعة الوقت فيما لا يفيد الإنسان في دنياه وآخرته كما هو شأن كثير من المسلمين في هذا العصر.
وقد كتب المؤلف كلاماً جيداً تحت عنوان«كيف يعيش المسلم وقته» داعياً المسلم إلى أن يسير على نظام الحياة اليومي في الإسلام بحيث يستيقظ مبكراً وينام مبكراً مستشهداً بعددٍ مبارك من الآيات والأحاديث، مؤكداً ان ذلك من أسباب البركة في وقت الإنسان وعمره، وعمله، وفي خاتمة الكتاب عددٌ من التوصيات حول الوقت وأهميته وضرورة استثماره بأفضل الطرق.
إنها وقفة مع كتاب يتناول أهمَّ ثروة يمتلكها الإنسان بعد ثروة الإيمان بالله تعالى إلا وهي «الوقت».
وإني لأشكر للأخ خالد الجريسي هذه العناية بالعلم والثقافة، وهذا الحرص على التأصيل الشرعي، وأهيب بكل من منحه الله مالاً سيسأله عنه سؤالاً دقيقاً أن يستثمره في كل مجال «خيِّر» تتحقق به طاعة الله عز وجل، ويتحقَّق به إسهام أصحاب الأموال في خدمة العلم والثقافة والفكر، ولا شك ان هذا التوجُّه هو التوجُّه الصحيح الذي استحق صاحبه أنْ يُمدح «نعم المال الصالح عند الرجل الصالح».
إشارة


فلْتأتي الدنيا على ما تشتهي
أنا لست ممن يستبيه المظهرُ
إن جاءت الدنيا رأتْ مترفعاً
عنها، وإنْ ولَّتْ رأتني أصبرُ

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved