الحرب التي شنت على العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والتي شاركت فيها أكثر من دولة، بعضها بشكل علني وبعضها بشكل غير معلن، مشاركة بالقوات أو بالدعم اللوجستي، لم تكن وليدة اللحظة، بل كان مخططاً لها، وهي بالتالي ليست ضربة وقائية، أو تدخل ضمن ما يسمى بالإستراتيجية الأمريكية التي يروج لها فريق المحافظين الجدد والتي يسمونها بالحرب الاستباقية للاعداء المحتملين لأمريكا والحضارة الغربية، بل هي ضمن مخطط يستهدف فرض الهيمنة الأمريكية على العالم الإسلامي ويستوي في ذلك الدول الإسلامية الغنية والفقيرة، فإلى جانب أفغانستان ضمت العراق، واذا كانت أفغانستان تعطي من يسيطر عليها هيمنة إستراتيجية على منطقة وسط آسيا كمحور إستراتيجي يربط الحواف الشرقية لوسط آسيا بالخليج، ويعطيه أفضلية في تسويق نفط قزوين، فإن السيطرة على العراق يجعله يضع يده على «كنز النفط» المختزن في جوف الأراضي العراقية، كثاني أكبرمخزون نفطي في العالم.
ولكن بالرغم من هذه «الغنائم» الاقتصادية والمادية في البلدين الإسلاميين فان هناك بعداً سياسياً واستراتيجيا وهو الهيمنة على دول إسلامية مختارة كمفاتيح للاطباق على العالم الإسلامي، واذ عجلت في اختيار هذه الدول بعد توفر أو لنقل «صنع» المبررات من خلال تنامي الارهاب الذي خطط له من أفغانستان حسب اقوال الأمريكيين، ووجود نظام متسلط و«أهوج» في العراق ورط شعبه والمنطقة في حروب متصلة، نقل كلاً من أفغانستان والعراق الى صدارة قائمة الاستهداف، فانه يجب ان لا نغفل ان في القائمة دول أخرى يجري الاعداد لتوريطها سواء من خلال المقالات التحريضية التي تزايد نشرها في الصحف الامريكية خاصة والغربية عامة، أو من خلال ما يسرب من دراسات وتقارير تروج لها مراكز ومعاهد البحث واللجان المرتبطة بالمحافظين اليمينيين.
نعود للعراق، وكونه «الغنيمة الأكبر» أو حقل التجارب الذي تمثل نتائجها الاثراء الأكبر ل«مغامرة» المحافظين اليمينيين، فإن ما يطبق عليه الآن سيمثل، ويعطي موشراً على ما سيقوم به هؤلاء المحافظون ان مكنت لهم شعوبهم البقاء في سدة الحكم.
وكون الادارة الامريكية قد وجدت في بريطانيا حليفاً وثيقاً شاركتها في الحرب والتوجه سواء في افغانستان والعراق، ومثلما استعان الأمريكيون بالبريطانيين عسكرياً، فهم يستعينون بهم سياسيا وتعاملاً مع الواقع العراقي الذي يعد البريطانيين أفضل الغربيين فهما له بحكم استعمارهم للعراق عقوداً من الزمن، ولهذا فالمنتظر ان يستلهم الامريكيون من البريطانيين الافكار لاحكام سيطرتهم على العراق، ولعل اولى هذه الافكار، هي ابقاء العراق كياناً يمكن السيطرة عليه من خلال تفكيك الارتباط المركزي بالعاصمة بغداد ومن خلال اطار فدرالي قابل للوصول الى مرحلة التقسيم، وقد ظهرت مؤشرات على انتهاج الامريكيين وبعض القوى السياسية العراقية التي تتعاون بوعي أو بدون وعي مع هذا المخطط المستلهم من تجربةعثمانية في العراق.
|