* تحقيق منيف بن خضير «رفحاء»:
كان قص أصواف الغنم يمثل مناسبة اجتماعية تلتقي فيها النساء والأطفال والرجال على حد سواء، وكانت النساء تستغل مثل هذه المناسبات لصنع منتجات الصوف من بيوت الشعر والمفارش وغيرها، ومع تطور الحياة المدنية تلاشت مثل هذه المناسبات العامة وأصبحت حكراً على عدد من العمالة الوافدة التي تمارس ذات الدور، ونظراً لتناقص مثل هذه المصنوعات فقد عمد هؤلاء إلى تصدير الصوف لخارج المملكة.
«الجزيرة» تجولت قرب سوق الأغنام برفحاء لترصد حركة الشراء الرائجة للصوف فيها الذي يعد من أكبر الأسواق لجمع الصوف وبيعه، والتقت عدداً من الباعة والمشترين، وألقت الضوء على هذه المواسم وصفاتها سابقاً فإلى البداية..
30 ألف جزة!!
عبدالرحمن حسين عاشور «سوري الجنسية» يتحدث عن وظيفته قائلاً: أنا موظف هنا لجمع الصوف من أصحاب الأغنام وأهالي البادية الذين يعرفون ساعة ومكان تواجدنا في كل عام من الموسم، وهنا نبني الخيام، ونضع مكانا للصوف في الهواء الطلق، وتحت أشعة الشمس، ونمكث في حدود «15» يوماً لشراء ما يرد إلينا من البوادي، وتجمع خلال هذه الفترة ما يقارب «30» ألف جزة يومياً، والجزة عبارة عن صوف لخروف واحد فقط!!
* خالد محمود أحمد «سوري الجنسية» يؤكد ان قص صوف الأغنام عادة مرتبطة بالبوادي غالباً وفي ملاك الأغنام مشيراً إلى ان منطقة الحدود الشمالية تعتبر من أكثر مناطق المملكة الرعوية ونحن ننتشر في رفحاء وعرعر وطريف وحفر الباطن. ونتواجد في موسم جز الصوف وهو ما بين شهر واحد وحتى ثلاثة هجري «من محرم حتى ربيع الأول» فأهالي البادية يجزون أغنامهم لبيع الصوف ويستخدمون العمالة الوافدة لهذا الغرض.
أفضلها النظيف والمحسوك
وعن أجود أنواع الصوف التي يفضلونها أجاب ثامر شباط «سوري»: نحن نشتري هنا الصوف الأبيض فقط لأنه يصبغ بألوان عديدة، أما الصوف الأسود «للأغنام النجدية» فلا نشتريه فلا أحد يرغب به، ولا توجد أغنام نجدية هنا بكثرة، وأفضل الأنواع التي نفضلها هو الصوف النظيف الذي يكون مغسولاً وخاليا من الحسك والاوساخ والاشواك الاخرى ونسميه أيضاً الفحص كما نميل ايضاً الى النوع الثاني وهو المحسوك وله نوعان: محسوك خفيف، ومحسوك ثقيل والمحسوك الخفيف أفضل من الثقيل وبه كميات من الأوساخ والحسك وهو يحتاج إلى وقت وجهد لتنظيفه، أما المحسوك الثقيل فهو متعب للغاية وسعره منخفض. وعن طريقة تجميع الصوف أضاف: وتراكم الكميات فوق بعضها بهذا الشكل، وهي كما ترى معرضة للهواء الطلق وتعمقها الشمس، ولا نستخدم أية طرق أخرى، ونصدقك القول، فنحن بصراحة لا نعرف الأمراض ونوعيتها التي يمكن ان تنتقل عن طريق ملامسة الصوف واستنشاقه، ولكن الحمد لله لم نتعرض إلى أذى، وبعد مرحلة جمع الصوف التي تستغرق عادة أسبوعين نجمعه في شاحنة كبيرة «تريلا»، ويتم ارساله إلى المالك في الدمام ومن ثم يصدرونه. ويضيف خالد محمود أحمد: وكنا سابقاً نصدره لتركيا وسوريا، أما الآن فالطلب يتزايد من الباكستان، وجميع العمال هنا من غير السعوديين أما الملاك فهم سعوديون، وعن احتكارهم لنقاط البيع رفض زميله أيضاً عبدالرحمن عاشور ذلك مؤكداً انه يوجد باكستانيون هنا لذلك فأسعارنا متفاوتة ولا يوجد احتكار.
أسعارنا متقاربة
* خيمة أخرى على طرف الساحة صاحبها هو أرميش قول علي «باكستاني» يمتدح سوق رفحاء مؤكداً انه قضى هنا سنوات طويلة.. ويشيد كذلك بالدوريات الأمنية التي تراقب المكان ليلاً لمنع حدوث سرقات أو أعمال تخريب، ويرى ارميش ان الأسعار شبه متعارف عليها ولكنها تخضع للمنافسة أحياناً فمثلاً الصوف النظيف «الفحص» سعر الجزة ما بين «2 3» ريالات، وأنا شخصيا أشتريه بريالين ونصف، أما المحسوك الخفيف فسعره من ريال إلى ريالين، وأنا اشتريه عادة بريال، وبالنسبة للمحسوك الثقيل فسعره يتراوح ما بين «نصف ريال إلى ريال واحد». ويضيف: وأنا لا أشتري هذا النوع!!
الجرب القراع
وعن رأي الطب البيطري بهذه الظاهرة الموسمية التقينا الطبيب البيطري الدكتور صلاح محمد عبدالرحيم الذي قال: هناك أمراض كثيرة منتشرة في الغنم وخاصة في جلد الحيوان، وهذه الأمراض معدية تنتقل إلى الإنسان أثناء جز «قص» الصوف، وأثناء التلامس، ومنها على سبيل المثال مرض الجرب والقراع، ومن أعراضها على الإنسان وجود قشور بيضاء على جلد الحيوان وتساقط الصوف أو الوبر أو الشعر، وينتقل للإنسان عن طريق وجود جرب في الأيدي خصوصا وفي الجسم عموما، وتظهر قشور مشابهة لتلك التي في الحيوان وخصوصاً في موسم جز الصوف في مثل هذه الأيام قبل فصل الصيف الحار للتهوية على الأغنام من هذا الصوف الثقيل وللاستفادة من الصوف بالبيع وغيره، وأيضاً لتجديد ولنمو صيف جديد. وعن كيفية الوقاية من الأمراض هذه يضيف د. صلاح: لابد من غسل الحيوان للذين يجزون الصوف وذلك قبل عملية الجز إذا كان هناك حيوانات مريضة بهذين المرضين السابق ذكرهما، وطبعا لابد من علاجهما برشهما بمادة «الديزانون» وهذه المادة فعالة للقضاء على الحشرات التي تعلق بجلد الحيوان وبما فيها الجرب أو حقنها بمادة «الافرميكتين» Iveremectin حيث ان هذا العقار يقضي على الطفيليات الخارجية كالجرب والقراع والقمل وغيرها. ويقضي أيضاً على الطفيليات الداخلية التي توجد بالقناة الهضمية «الجهاز الهضمي» مثل الديدان الرئوية والمعوية والكبدية.. وبالتالي نضمن سلامة المستهلك من تلك الأمراض.
وعن مستقبلي الصوف يضيف الطبيب البيطري د. صلاح قائلاً: على الذين يقومون بالجز ان يلبسوا قفازات بأيديهم لعدم ملامسة الحيوان المريض بشكل مباشر، وكذلك ننصح بلبس كمامات طبية واقية على الأنف لضمان عدم استنشاق الميكروبات أو الأتربة الملوثة.
مناسبة ممتعة
* خليف الشمري «صاحب أغنام» يرى ان جز الصوف عادة سنوية نعتبرها مناسبة ممتعة حيث يجتمع الأهالي والأصدقاء لإقامة وليمة في مكان جز الأغنام، وندعو إليها العمالة التي شاركت في عملية قص «جز» الصوف، ويضيف: وكان الناس سابقاً يجزون أغنامهم بأنفسهم، وتساعدهم النساء بواسطة السكاكين الحادة، أما الآن فقد استغنوا بالعمالة الوافدة وبمبالغ معقولة، ونحن في الغالب نبيع صوف الأغنام التي نقوم بقصها.
أم عبدالله «من كبيرات السن» تتذكر تلك الأيام الخوالي قائلة: قص الصوف عادة اجتماعية رائعة تجتمع خلالها النساء لتصنيع الصوف بعد جزه من قبل الرجال أو من قبل بعض النساء القويات، وبعد جز الصوف نجمعه ونقوم بعملية نقش يدوية حتى ظهرت آلات النقش الخشبية. وبعد ذلك يتم غزله بواسطة آلة المغزل ليتم جمعه على شكل خيوط صوفية متماسكة يتم تجميعه وحياكته، وهو ما نسميه بعملية «النطو» بواسطة آلات وقطع خشبية لها مصطلحات تختلف من بيئة لأخرى، وكانت النساء تجتمع لهذه العملية أياماً عديدة يتبادلن الأحاديث في مظهر اجتماعي يعكس الترابط بين الناس في السابق، وبعد ذلك نصنع بيوت الشعر والعدول «وهي أوان صوفية لحفظ الطعام وتختلف عن تلك البلاستيكية»، ونصنع أيضاً القطايف «نوع من الفرش الصوفية الثقيلة» والفراء، وبعض أدوات المطبخ وغيرها.
|