طوال تاريخ الرياضة السعودية الذي بدأ منذ ما يزيد على نصف قرن تعاقب على مسيرتها الخضراء العديد من الرواد والنجوم والأجيال، منهم من كانت له بصمات واضحة واسهامات بارزة في وضع لبنات مرحلة البناء والبداية ومنهم من عاش حقبة ما بعد التأسيس وكل هؤلاء الرجال بالتأكيد ستظل أسماؤهم محفورة في الذاكرة!!.ومن هذا المنطلق حرصت «الجزيرة» على تقديم هؤلاء الرواد والنجوم والأسماء على صفحات كل جمعة.
ضيفنا هذا الأسبوع مهاجم فريق الهلال وقائده الشهير في الثمانينيات اللاعب مبارك العبدالكريم.. أحد الأسماء اللامعة التي تألقت مع المجموعة الزرقاء في تلك الحقبة الفارطة فنالوا شرف تمثيل منتخب المملكة والوسطى.
ظهرت موهبته في بداياته الرياضية كحارس مرمى في فريق شباب الرياض ثم انتقل للأولمبي «الهلال حالياً» عام 1377هـ ومثله في الدرجة الثانية مهاجماً وفي الدرجة الأولى حارساً.وفي عام 1379-1380هـ تحول وتفرغ لخط الهجوم فتجلت نجوميته بصورة أكثر مثالية حيث ساهم في حصول «الهلال» على أول بطولة في تاريخه «كأس الملك عام 1381هـ» ثم لعب دوراً فاعلاً في تتويج فريقه بطلاً لكأسي الملك وولي العهد لموسم عام 1384هـ كأول فريق ينال هذا اللقب الشرفي.وأمام هذه المكتسبات الذهبية نال لقب أول لاعب هلالي يتم تكريمه في تاريخه حيث كرم في عام 1394هـ.. فبقي في الذاكرة الرياضية كأحد رموز الكرة الهلالية في تلك الأيام الخوالي.استضفناه في حلقتين ليروي لنا أبرز ذكرياته ومشاهداته الرياضية التي عاصرها قبل أكثر من 45 عاماً.فتعالوا نطالع ما قاله أسطورة الهلال في الثمانينيات مبارك العبدالكريم.
لقاء: خالد الدوس
منتخب الأندية الثلاثة الهلال - الشباب - أهلي الرياض يتوسطهم محمد الصايغ «رحمه الله» ويظهر مبارك العبدالكريم في الصورة أواخر عقد السبعينيات
مبارك العبدالكريم عام 2003م
البداية بالعسيلة
رحلتي الرياضية مع كرة القدم انطلقت في النصف الأول من عقد السبعينيات الهجرية مع فريق مكون من أبناء الجيران بحي العسيلة - أحد الأحياء الشعبية بوسط العاصمة الرياض - واذكر منهم عبدالرحمن بن موزان وعبدالرحمن السلوم «دحمان» وعبدالله نور حيث كنا نلعب في أرض فضاء بجوار مزرعة تحيط بها النخيل من كل الجهات واتذكر إذا «نشبت» الكرة في النخيل نعطي من يتسلق النخلة ويسقط الكرة ريالا..
وفي أواخر عام 1374هـ انتقلنا للشميسي وانضممت لفريق أهلي الرياض «الرياض حاليا» بتأثير من الشيخ محمد الصايغ «رحمه الله» الذي كان مشرفا على المدرسة بعد دمج الأهلي مع فريق الناصرية واستمررت عدة أشهر ثم تحولت لفريق شباب الرياض الذي ترأسه آنذاك الشيخ عبدالرحمن بن سعيد وانضم معي فهد الدهمش وعبدالرحمن السلوم.
تأسيس الأولمبي
اتذكر بعد اختلاف الشيخ عبدالرحمن بن سعيد مع عبدالله بن أحمد بسبب مشكلة اللاعبين الثلاثة «مهدي بن علي وسيد سالم وعبدالله السلوم».. دفعه ذلك على التفكير في انشاء نادٍ أخر وهذا ما حصل فقبل تكوين فريق الأولمبي اتجه أبومساعد لأهلي الرياض وتدرب معه عدة أيام ثم أسس فريقاً أسماه ب«الأولمبي» «الهلال حالياً» عام 1377ه فانضممت مع المجموعة التي ذهبت مع شيخ الرياضيين يتقدمهم صالح امان وزرنكي ومهدي بن علي وناصر بن موزان ومبارك العبدالكريم والكوش ومجموعة من السودانيين ثم تحول بأمر ملكي من جلالة الملك سعود «رحمه الله» الى الهلال وجاء انضمام هؤلاء تقديراً وحباً لأبومساعد الذي دعمهم وصرف عليهم من جيبه الخاص إبان ترؤسه لفريق شباب الرياض.
الشبابيون تجاهلوني
لم تكن ميولي آنذاك متجهة لناد معين إنما كنت اتبع الشيخ عبدالرحمن بن سعيد وانتقل معه لأي فريق يذهب اليه فأنا عشت وترعرعت في منزله «أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية» ولا يمكن ان انسى أفضاله عليَّ واتذكر ان والده «سعد بن سعيد» رحمه الله كان يطلب من أبومساعد إذا رغب في مشوار يريده اقوم بإيصاله بالسيارة لأنني تعلمت «السواقة» وأنا في السادسة عشرة من عمري.
ومن أقوى الأسباب التي ساهمت في الانتقال للأولمبي أيضا تجاهل الشبابيين لي لأنهم كانوا يعتمدون على لاعبين يتم احضارهم من المنطقة الغربية عن طريق عبدالحميد مشخص وصالح ظفران وعبدالله بن أحمد فكنت احتياطياً للحارس عثمان باطوق الأمر الذي اصابني باحباط ولما جاءت حادثة الانفصال وجدتها فرصة للانتقال مع أبومساعد.
مثلث الأولمبي في خانتين
ظهرت موهبتي كحارس مرمى في فريق الأولمبي فكنت أمثله في درجة الشباب «مهاجما» وفي الدرجة الأولى «حارساً» وهكذا استمررت أمثله في خانتين وبصراحة لا أدري ما الذي دفعني لعشق الحراسة رغم نجاحي كمهاجم أملك مقومات جيدة.. طبعاً بعد استقرار الأولمبي الذي تزعمه «ابن سعيد» اصبحنا نتدرب يوما لنا ويوما للشبابيين وكان الملعب يقع بمحاذاة ملعب الصايغ بالملز.. الذي لم يكن مسوراً آنذاك بل كان مجرد أرض فضاء بلا مدرجات يتدرب عليه لاعبو الأهلي بقيادة رئيسهم أبوعبدالله الصايغ «رحمه الله».
تصرفات خاطئة
بعد الانقسام الذي شهده فريق شباب الرياض ونجم عنه ظهور فريق الأولمبي «الهلال حالياً» بدأت المنافسة تتمخض من بعد تلك الحادثة حتى أنها انعكست على تصرفات بعض مشجعي الناديين واتذكر جيداً في اليوم المخصص لنا للتدريب على الملعب يقوم بعض مشجعي الشباب بغمر أرضية الملعب بالمياه لحرماننا من مزاولة التمارين في الوقت الذي كان مشجعو الهلال يبادلونهم نفس السلوك وهكذا حتى بلغ التنافس صورة أكبر.
أنا وابن موزان
ففي أواخر عقد السبيعينيات نجح الشبابيون في دعم صفوفهم بعدد من اللاعبين حيث دعموا فريقهم بالحارسين فهد الدهمش وحامد نقادي اللذين كانا يلعبان في صفوف فريق أهلي الرياض «الرياض حاليا» ثم انضم اليهم لاعبا الاتحاد غازي كيال وعبدالرزاق بكر.. ولخوف أبومساعد من عودة ابن موزان لنادي الشباب طلب مني ترك الحراسة والتفرغ للهجوم بعد ان كان احتياطيا لي تحولت لخط الهجوم بسبب الشباب وتخصصت في هز شباكه!!.
السودانيون دعمونا
كانت الجالية السودانية آنذاك بالفعل تمثل مدرسة كروية استفدنا منها كثيراً بالمنطقة الوسطى بحكم خبرتهم الجيدة وامكاناتهم الفنية فقد استفدنا من حمزة ويوسف ونيمو وحسن الثوم وسعد سالم وصالح جابر ولا انسى دورهم المؤثر في دعمهم الأولمبي بعد الانقسام التاريخي فنيا وتعلمنا منهم أشياء كثيرة في فنون الكرة!.
انتقال الجابر للهلال!
عندما قرر أبومساعد تكوين ناد جديد وانضم اليه عدد من لاعبي الشباب اتذكر جيداً ان عبدالله بن أحمد جمع مجموعة كبيرة من اللاعبين بحضور عبدالحميد مشخص وصالح ظفران «رحمه الله» وقال اللاعب اللي يبغى ينتقل مع ابن سعيد يروح وليس مجبراً على البقاء بالشباب.. وفجأة طلع صالح جابر «سوداني» وقال أمام الجميع «نحن شباب حتى نموت» وبعد أسبوع حول للهلال والتحق بصفوفه.. وهذا طبيعي لأن أبومساعد كان يصرف على اللاعبين ويدعمهم من جيبه الخاص لذا الكل يحييه ويقدره لدوره الريادي في خدمة الحركة الرياضية بالمنطقة الوسطى.
كأس الوسطى عام 1380هـ
مثلت الهلال بعد تصنيفه رسمياً في مطلع الثمانينيات في خط الهجوم وتحديداً في مركز رأس الحربة واتذكر أول نهائي جمعنا بشقيقنا الشباب على بطولة كأس المنطقة الوسطى عام 1380هـ الذي صاحبه تحد كبير بين الفريقين «لاعبين واداريين» بحكم التنافس.. كأول مواجهة تاريخيه تشهدها منطقة الوسطى طبعا خسرنا بـ3/صفر لم نكن نستحقها في حين نجحنا في رد اعتبارنا في أول لقاء يجمع الفريقين في الدوري عام 1381هـ فكسبناه بنتيجة تاريخية بـ5/2 كانت قاسية بحق الشبابيين وقد أحرزت هدفين كانت بداية علاقتي الوطيدة مع الشباك الشبابية.
اعتز بحسن سلطان
هناك مدربون لا يمكن ان أنسى أفضالهم ودورهم في نجاحي كلاعب ومنهم المدرب حسن سلطان «رحمه الله» الذي جلب للهلال أول بطولة في تاريخه «كأس الملك عام 1381هـ» حيث كان يملك قدرات فائقة على فهم نفسية اللاعبين والتفاعل معهم الى جانب تفوقه لياقياً.. وأيضا المدرب السوداني السر سالم الذي دعم قدراتي التهديفية واستفدت منه في أشياء كثيرة خاصة في الجانب التصويبي وكذلك الضربات الرأسية القوية.
يوم كسبنا أغلى لقب
بلا شك اعتبر اللقاء التاريخي الذي جمع الهلال بفريق الوحدة من مكة في نهائي كأس الملك عام 1381هـ الأجمل في حياتي الرياضية ورغم ان فريقنا خاض هذه المواجهة القوية لضيف جديد في عالم النهائيات ولا يملك خبرة تساعده على مجاراة فريق كبير كالوحدة الذي كان يضم في خارطته أسماء لامعة ونجوما رنانة أمثال عبدالرحمن الجعيد وحسن باز وحسن دوش ولطفي لبان وحسن مصيري.. غير ان روح زملائي اللاعبين وعزيمتهم القوية التي تجلت في تلك المباراة التاريخية كانت كفيلة بانتزاع الكأس الذهبية من براثن الفرسان بـ3 أهداف هاتريك سجلها رجب خميس وقد تشرفت باستلام الكأس من راعي المباراة معالي وزير المعارف الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ طبعاً فوزنا بهذا اللقب اكسبنا شعبية جماهيرية عريضة بالمنطقة الوسطى حيث استحوذ الهلال على 80% من جماهير المنطقة.
كسبت تحدي الجعيد
من المواقف التي لا انساها في نهائي كأس الملك عام 1381هـ اتذكر وأثناء عملية الاحماء في ملعب الصايغ جمعت اللاعبين وطلبت منهم الا نخسر بفارق هدفين وكنت بصراحة متخوفاً جداً لفارق الامكانات واتذكر ان قائد الوحدة العملاق آنذاك عبدالرحمن الجعيد - رحمه الله - وبعد دخوله لأرض الملعب طلب من زملائه اللاعبين ان يدلوه على أخطر لاعب هلالي واخبره ان مبارك العبدالكريم رقم «9» هو أخطرهم فرد عليهم حين شاهدني للوهلة الأولى قائلاً هذا القصير!! فراقبني وبشدة غير أني نجحت في الرد عليه حين صنعت هدفين من الأهداف الثلاثة لزميلي المهاجم رجب خميس الذي احرز 3 أهداف «هاتريك» بمفرده وكسبنا بها اللقب لأول مرة.. طبعاً كوفئنا بـ200 ريال لكل لاعب وكان ابن سعيد كافأني بسيارة «ونيت» التي كانت تنقل اللاعبين للتمارين وتوليت هذه المهمة!.
مدرسة معن بن زائدة
في مدرسة «معن بن زائدة» في حوطة خالد عسكرنا قبل هذه المواجهة حيث كانت هذه المدرسة فاتحة خير على الرياضة بالمنطقة الوسطى حين أحرز الهلال الكأس الغالية كأول فريق بالمنطقة يفوز بهذا اللقب.وبالمقابل لا انسى أصعب اللحظات التي عشتها بعد استلامي الكأس حيث حملتني الجماهير الغفيرة على رؤوسها وطافت بي في أرجاء الملعب وكدت وفي غمرة الفرح والسرور ان اتعرض لاصابة قوية عندما اتجهت هذه الجماهير وأنا محمول فوق أعناقهم باتجاه مدخل غرفة الملابس وكان ارتفاع الباب قصيرا والكأس عاليا وحين دنوت عند المدخل أخذت أصرخ لهذه الجماهير وطلبت انزالي خشية ان يضربني حديد المدخل على رقبتي وتكون كارثة ومن شدة الخوف نزلت بقوة وتفاديت المدخل والله ستر.
دفعت ثمن الاستهتار!
بعد صعود فريق النصر عام 1384هـ جمعنا أول مباراة رسمية في ملعب الصايغ المهم حصل تحد خاص بيني وبين حارسه شفيق مصطفى.. وقد راهنت انني سأسجل هدفاً في شباكه وأراوغه، وبالفعل انفردت بكرة وراوغته ثم أوقفت الكرة داخل المرمى وسددتها في غمرة التحدي والقهر بدون تركيز بالعارضة وخرجت خلف المرمى.. وخسرت التحدي مع شفيق!.
حقبة النجوم
حقبة الثمانينيات بالتأكيد تعتبر حقبة المهاجمين المؤثرين ففي كل فريق تجده يضم اثنين أو ثلاثة بمستوى واحد ففي الهلال هناك الكبش ورجب خميس والدبلي وفي النصر محمد سعد العبدلي وأحمد الدنيني «رحمه الله» وميزرامان وفي أهلي الرياض زيد بن مطرف ومبارك الناصر وهناك في النجمة فهد بن بريك وعبداللطيف آل الشيخ أما بالمنطقة الغربية برز فيها سعيد غراب والنور موسى وعبدالقادر كتلوج والعشماوي المعروف ب«كلجه» وهؤلاء بلاشك كانوا يتميزون بالقدرة التهديفية وامكاناتهم الفنية العالية فضلاً عن البنية الجسمانية القوية التي اختفت في هذا العصر!
الفترة الحرة
من المباريات التي لا أنساها نهائي كأس الملك عام 1383هـ الذي جمعنا بشقيقنا الاتحاد وهي بالمناسبة أول مواجهة رسمية يتقابل فيها الفريقان حيث شهدت حضوراً جماهيرياً كبيراً خصوصاً من طرف الهلال التي جاءت لمؤازرته فخسرنا بـ3/0 بسبب الأخطاء التي وقع فيها مدربنا حسن سلطان عندما اشرك لاعبا مصابا «زين العابدين» الى جانب اتاحة الفرصة لاشراك أيضا لاعبين جدد أمثال عزيز جمعان والقشه ورغم خسارتنا الثقيلة إلا أنني كنت راضيا عما قدمته بشهادة الحضور والمتابعين.ولا أنسى ان الاتحاديين الذين استغلوا الفترة الحرة واستعانوا بلاعبي الوحدة حسن دوش ومحمود أبوداوود اللذين دعما الفريق فنياً لاسيما حسن دوش الذي كان أبرز نجوم تلك المباراة.طبعاً رغم خسارتنا الكأس إلا أننا كسبنا المثول بالسلام على جلالة الملك سعود «طيب الله ثراه» وهذا مصدر فخر واعتزاز ان أنال هذا الشرف العظيم.
|