* واشنطن بيتر فورد و وارين ريتشي*
تجد بغداد نفسها محاصرة بين ماض مخيف ومستقبل غامض في الوقت الذي تزايدت فيه حالة الاضطراب والقلق بين الكثير من العراقيين مع كل يوم يمر في ظل غياب سلطة واضحة ربما تعيد شكل الحياة العادية لهم.
لقد انتهى الخطر على الحياة بالنسبة للكثير من المدنيين وانتهت ايضا الحرب وعمليات النهب التي أعقبتها، وعاد العراقيون إلى ممارسة الحياة الطبيعية تدريجيا، ورغم ذلك مازالت مظاهرالقلق تسيطرعلى العراقيين بشأن كيفية الحصول على مورد رزق وتعليم الاطفال في الوقت الذي لم يعد أمامهم من سبيل يلجأون إليه للحصول على اجابة على مثل هذه التساؤلات في ظل نضوب الاموال والمخزون الغذائي ونقص المعلومات في دولة لا توجد فيها صحف أو محطات إذاعية موثوق بها.
حكاية مدرس
أمضى علي كمال مدرس صباح يومه وسط حشود من العراقيين في ناد بوسط بغداد معظمهم من الباحثين عن العمل حيث عكف على ملء طلب للحصول على وطيفة كان قد اشتراه من الشارع مقابل 12 سنتا وهو مبلغ ضئيل بالنسبة لمعظم العراقيين بعد ان علم ان مكتب اعمار بغداد الذي اقام فرعا له في النادي يستقبل الباحثين عن عمل وقام بتسليم الطلب لمسؤول يحمل اشارة مكتوب عليها «لجنة التعليم» الذي طلب منه بدوره ان يعاود الاتصال بعد ايام قليلة.
أين المسؤولون؟
يقول كمال «لا يوجد شخص مسؤول هنا أو على الاقل فاننا لا نعرف من هو المسؤول.. ومع ذلك علينا ان نتمسك بأهداب الامل».
لم يكن كمال يعرف ان السلطات الامريكية المؤقتة ترفض الاعتراف بهذا المكتب الذي علق عليه آماله حيث اتخذت القوات الامريكية خطوة اخرى واعتقلت رئيس المكتب وسبعة اشخاص آخرين قائلة ان محمد الزبيدي الذي كان يعيش في المنفى في الماضي «يمارس سلطة ليست من اختصاصه» على حد تعبير المتحدث العسكري الامريكي الكابتن ديفيد كونوللي.
لم يكن كمال يعرف ايضا ان مكتب الاعمار والمساعدة الانسانية الامريكي الذي يفترض انه يدير الشؤون العراقية لا يزال أمامه عدة ايام للقيام بالاتصال المبدئي مع المسؤولين من وزراء الحكومة الذين يتم تكليفهم بالمهام وفقا لما ذكره الميجور جنرال كارل ستروك احد كبار مساعدي جاي جارنر رئيس مكتب الاعمار والمساعدة الانسانية ويقول ستروك «اننا ندرك ان هناك حاجة للقضاء على الكثيرمن مظاهر الفوضى والارتباك السائدة».
وراء الأحلام
ان ضباط القوات الجوية العراقية الذين تجمعوا خارج نادي القوات الجوية هم الذين ارسلهم مكتب الزبيدي إلا انهم لم يجدوا أحدا بانتظارهم ليأخذ منهم الطلبات مما أصابهم بالشك والارتباك وهنا يقول ضياء عابد قائد جناح «ان الناس يعرفون ان هذا الامر لا يتسم بالجدية، إلا انهم يجرون وراء احلامهم..
فكل ما يسمعونه مجرد وعود». ولا يتوقع عابد ان يعود إلى عمله السابق كقائد طائرة مقاتلة لانه لا يعتقد ان الولايات المتحدة سوف تسمح للعراق ان يبنى قوة جوية فاعلة.
ظلال الشك
إن فشل كمال كمدرس تخيم عليه ظلال من الشك حيث أصبحت وزارة التعليم مجرد مبنى منهوب خال من اجهزة الكومبيوتر والاثاث والسجلات التي استولى عليها اللصوص في الوقت الذي اتشح فيه بسواد الدخان بينما تقوم الفرقة 308 للشؤون المدنية التابعة للجيش الأمريكي بعمليات فحص وتدقيق في المناطق المحيطة بمطار بغداد الدولي وهي واحدة من عشرات من الوحدات العسكرية المكلفة بالمساعدة في عملية اقناع السكان المحليين بان مستقبل العراق في ايديهم.
حاجات أساسية
يقول الكولونيل تيري كالاهان
نائب قائد الفرقة 308 ان هذه المهمة تتطلب درجة من فن الترويج حيث «يجب علينا ان نقنعهم بأنفسهم وبقدرتهم على اعادة بناء دولتهم.. ويجب علينا مساعدتهم على تحقيق الاكتفاء الذاتي حتى لا تكون هناك حاجة لعودة الولايات المتحدة الامريكية إلى العراق بعد مغادرتها لها» وفي الوقت الذي يشق الجنود طريقهم عبر المنطقة التي تحمل اسم «الحي الفرنسي» حيث انها بنيت في الثمانينات الماضية لتكون مسكنا مؤقتا لعمال البناء الفرنسيين الذين تم الاستعانة بهم لبناء المطار فإنهم يتبادلون اطراف الحديث مع السكان المحليين للتعرف على احتياجاتهم التي يأتي في مقدمتها الامن والوظائف والكهرباء.
حال بغداد
يقول الميجور جنرال ستيف هوكينز الضابط الأمريكي المكلف بتسيير شؤون العاصمة بغداد ان 60% تقريبا من سكان بغداد يتمتعون حاليا بخدمات امدادات الكهرباء التي تم اصلاحها وتحظى نفس النسبة بامدادات المياه غير ان الامرسوف يستغرق اسبوعين آخرين قبل ان يتم اصلاح اعمدة التليفونات والمواسير حتى تعود منشآت الخدمة بالمدينة إلى معدلاتها الطبيعية.
وقد فتحت محلات الخضراوات والبقالة واكشاك المشروبات الخفيفة ومحطات الغاز ومطاعم الكباب وعادت ايضا اشارات المرور المضيئة إلى العمل رغم ان عددا قليلا من السائقين لا يتبعونها ربما بسبب غياب رجال المرورالذين يرصدون عملية اتباع هذه الاشارات.
التلفون الجوال
لكن مازالت خطوط التلفون معطلة في بغداد لذا يلجأ السكان إلى اشخاص قلائل يقفون على قوارع الطرق يقدمون الخدمة التلفونية عبر جوال «الثريا» مقابل خمسة دولارات للدقيقة الواحدة وهو مبلغ باهظ جدا بالنسبة لمعظم العراقيين.
و يقول قصي احد السكان المحليين «لا يوجد لدينا أي راتب شهري رغم ارتفاع تكاليف الحياة» ولكنه شدد على انه لا يشكو معربا عن أمله» ان تتحسن الامور شيئا فشيئا».
أصحاب الحظ
ونظرا لعدم دفع الرواتب منذ أسابيع فإن عددا قليلا من السكان هم الذين تتوافر لديهم الاموال لشراء الضروريات فقط ولم يبدأ العمل في قطاعات الكهرباء والمياه سوى آلاف قليلة من المحظوظين فقط وهم الذين يمكنهم الحصول على مبلغ عشرين دولارا فقط دفعة واحدة من الامريكيين يتم صرفها لهم من الارصدة العراقية المجمدة في الولايات المتحدة وفقا لما قاله ستروك.
واضاف انه عندما يعود المزيد من الاشخاص إلى العمل سوف يتم دفع الاجور لهم وفقا لجدول الرواتب الخاص بهم قبل الحرب.
مؤتمرات.. مؤتمرات
ان نجاح جهود الاعمار على المدى الطويل سوف تقع في النهاية على كاهل حكومة عراقية جديدة وكان الهدف من اللقاء الذي حضره في بغداد ما يتراوح بين 300 إلى 400 من قادة الاحزاب السياسية وجماعات المصالح هو وضع أساس للسلطة العراقية المؤقتة التي سوف تحكم البلاد إلى ان يتم اجراء الانتخابات وتقول. باربارا بودين كبيرة المسؤولين عن المنطقة الوسطى العراقية بمكتب الاعماروالمساعدة الانسانية انه من المتوقع ان يشهد ان هذا المؤتمر وهو الثاني من نوعه الذي يعقد برعاية امريكية في العراق اولى علامات «القيادة البازغة».
خدمة كريستيان ساينس مونيتور خاص ب«الجزيرة»
مجموعة من العراقيين أمام محل صرافة بالبصرة لتغيير عملتهم
|