سعادة رئيس تحرير جريدة «الجزيرة» حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة وبركاته:
قرأت ما كتبه الاستاذ/ حماد السالمي في العدد «11147» تحت عنوان «اجعلوا لنا شجرة كما لهم شجرة»، وان كان لي تحفظ على صياغة العنوان.. الا ان ماورد فيه من ضرورة وضع «النخلة» شجرة وطنية يُهتم بها على مختلف المحافل لاقت هوى في نفسي.. حيث ان النخلة هي الشجرة الوحيدة التي تناسب بيئتنا وتاريخنا وقيمنا - كما ان شجرة البلوط تناسب الاردن وشجرة «الارز تناسب «لبنان».
فقد عاش العربي في جزيرة العرب وعاشت معه النخلة تلك النبتة الممشوقة القوام.. ذات الفرع الممدود في السماء والاصل الثابت.. هذه الشجرة هي رمز شموخ العربي وعزته.. نراها في كل صقع من العالم العربي.. ترمز الى العربي والى عزته.. شجرة من اقوى الشجر واكثرها تحملاً للحرارة والتصحر.. نراها في لواهب القيظ خضراء سامقة في الصحاري.. اثنى عليها الله جل جلاله في كتابه الكريم.. مع ما تتلقاه من عطش وسموم ورياح الا انها تعطي ثمراً لذيذاً ولا اطيب.. وتعطي عطاءً يفوق ما ننفقه عليها.. تعطينا التمور والحلوى والرطب.. والحطب والسعف الذي يصنع من الحصر.. حتى اذا اعطيناها ماءً مالحاً وزرعناها في السباخ والصحاري المجدية الجافة.. انها نخلة العرب التي يجب ان يقوم عليها اقتصادهم.. انها النخلة التي يجب ان يلتفتوا ا لى زراعتها.. فهي غذاؤهم وهي زادهم.. وهي مالهم.. وهي اقتصادهم.. ولا غرو في ذلك فان جزيرة العرب وبالتحديد جزيرة دارين او تاروت ومنطقة الخليج العربي هي منشأ النخلة التي انتقل منها النخل الى مختلف انحاء العالم.. بل ان بعض الدول تعتمد على النخلة في اقتصادها ومن الممكن لدينا ان يكون التمر بديلاً عن النفط.. اذا زدنا من الاهتمام بزراعة النخلة واقتصادياتها.. المملكة اصبحت تحتل المركز الاول في انتاج وزراعة التمور والنخيل جاء ذلك في كتاب «طبائع النخيل ومعاملاتها» تأليف اديب حائل سعد بن خلف العفنان حيث ذكر ملخصاً لبحث لخبير عراقي قدم لندوة النخيل العالمية الثالثة المنعقدة بجامعة الملك فيصل بالاحساء خلال الفترة من «17-20» يناير عام 1993م، ذكر فيه ان زراعة النخيل في المملكة سجلت معدل نمو ثابت بلغ 10% في حين لم تتجاوز اعلى معدلات النمو في الاقطار العربية الاخرى 2% بل ان العراق الذي كان يحتل المرتبة الاولى في زراعة النخيل وانتاج التمور تراجع الى الوراء بسبب عوامل عدم الاستقرار التي مر بها. ويقدر عدد النخيل حالياً في المملكة بحوالي 20 مليون نخلة منتجة تتوزع بين مناطق المملكة المختلفة واشهر مناطق المملكة في انتاج التمور «الاحساء - القصيم - المدينة - بيشة - حائل - الجوف - القطيف - الخرج - سدير - الزلفي» وهذه المناطق تنتج انواعاً مختلفة من النخيل اشهرها «السكري - البرحي - الشقراء - المكتومي - ام الحمام - السلج - الصقعي - الرزيزاء - الونانة - الروثانة - نبتة علي - ام كبار - الفنخاء - الحلوة - بنتة سيف» وغيرها من انواع التمور التي تشتهر بها كل مناطق المملكة واريد ان اتناول اقتصاديات زراعة النخيل من عدة محاور:
اولاً: المملكة العربية السعودية تحتل حاليا المركز الاول في زراعة النخيل وانتاج التمور.. وحسب التقديرات فان لدينا حالياً 20 مليون نخلة وبمعدل زيادة سنوية كبيرة «10%»» اي مليوني نخلة «نسبة الى 20 مليون» ولنقل ان الزيادة بمعدل مليوني نخلة سنوياً وهذه نسبة كبيرة جداً.. وهذه الزيادة ربما ترجع الى ان الطلب على التمور ثابت او يزداد على الرغم من زيادة الانتاج؛ اي ان الطلب اكثر من العرض.
واعتقد ان العرض لن يتمكن من سد حاجة الطلب في السنوات قادمة وذلك بسبب الاستهلاك الكبير للتمور وذلك لان المملكة تحتل المركز الاول في استهلاك التمور حيث بلغ متوسط نصيب الفرد السنوي من التمور 40 كيلو جراماً «كتاب النخلة العربية - تأليف عبدالرحمن بن زيد السويداء». ويرجع ذلك الى ان التمور اصبحت جزءاً من عادات وتقاليد العربي في الجزيرة العربية فلا غنى عنها في غذائه اليومي كما ارتبطت بالمناسبات الدينية كرمضان حيث ان افضل ما يفطر عليه الصائم هو التمر.. وزيادة استهلاك التمور في المملكة لاشك انها ظاهرة صحية في مواجهة ما تنتجه المصانع من حلويات وسكريات وحيث ظهرت اساليب حديثة لحفظ التمور كالتبريد في الثلاجة التي تحفظ التمر طازجاً مما سهل أساليب حفظه وزاد من الاقبال عليه حتى بين الطبقات العليا في المجتمع.
وهنا يجب ان نلاحظ ان متوسط انتاجية النخلة في المملكة العربية السعودية يقرب من «6 ،36 كيلو جراماً نصيب الفرد السنوي من التمور استهلاكاً = 40 كيلو جرام ويجب ان نلاحظ ان عدد سكان المملكة يقرب من 20 مليون نسمة وعدد النخيل 20 مليون نخلة اي ان عدد السكان = عدد النخيل ولنقل ان هناك نخلة لكل فرد من السكان.. معنى هذا انه اذا لم يزدد عدد النخيل فسيكون هناك عجز في حاجة المملكة من التمور يسد بالاستيراد.. وهذا غير منطقي ان دولة منتجة للتمور تقوم باستيراده - فما بالكم اذا اردنا ان نكون دولة مصدرة للتمور تعتمد على التمور في اقتصادها.
ثانياً: قد يقول البعض ان زيادة عدد النخيل سيكون كارثة على المياه الجوفية ولكن نقول له ان النخلة ولله الحمد شجرة صحراوية تتحمل العطش في الصحاري اللاهبة وهي ليست بحاجة الى السقي بشكل يومي او حتى اسبوعي.. فهي ليست كالخضار.. او القمح او الاعلاف التي تحتاج الى سقي يومي وبمياه وفيرة. ان الاقتصاد في استهلاك المياه شيء مطلوب ولكن يجب ان نعمل بقاعدة لا ضرر ولا ضرار.. اي لا تضر بمخزون المياه الجوفية.. ولا نضر بحاجة السوق من التمور.. ان النخيل ليست متهمة باستهلاك كميات كبيرة من المياه.. بدليل انها تعيش في الدرع العربي الشحيح من المياه.. وما تمور المدينة الكثيرة اللذيذة الا دليل على ذلك.. ترى بساتين النخيل شامخة في كل بقعة من الدرع العربي..
بل وتعيش في شغاف الجبال ويمكن ان تزرع زراعة «بعلية» اي على مياه الامطار فقط..
وهذه النخيل تنتج تمراً من اطيب انواع التمور اعتماداً على مياه سطحية فقط من مياه الامطار التي يمكن استخراجها من آبار سطحية لا تصل الى المياه الجوفية وتغذي هذه النخيل صيفاً.
وعلى هذا فانني ارى ان يتم تشجيع زراعة النخيل في الدرع العربي «حيث خطر على مخزون المياه الجوفية غير المتجددة» وتحمل النخيل للعطش وجودتها في هذه المنطقة واستغلال مياه الامطار التي تذهب هدراً في صحاري الدرع العربي اوتتبخر في الصيف حيث انها مياه قليلة العمق.
ولكن مهلاً حتى لو فرضنا ان جميع النخيل لدينا «20 مليون نخلة» تعتمد في ريها على المياه الجوفية غير المتجددة فان استهلاك النخيل للمياه «ما تحتاجه النخلة فعلاً والذي يجب ان يتم تطبيقه» هو جزء قليل لا يمثل شيئاً بالنسبة للاستهلاك السنوي للزراعة ويمثل 5% تقريباً من استهلاك المياه لاغراض الزراعة.. وقد يسأل البعض كيف ذلك؟ نقول له ذكر الخبير الزراعي «Harris» عام 1955م ان زراعة النخيل في المملكة العربية السعودية «القطيف» تحتوي على نخيل متقاربة وبمعدل حوالي 250 نخلة في الهكتار يتم ريها بحوالي 1350م3/ سنة اي ان نصيب النخلة السنوي يجب ان يكون حوالي 53م3/ نخلة. وهذه الحصة هي ما تحتاجه النخلة فعلاً للنمو المتوازن بدون زيادة او نقص ونلاحظ هنا ان الري الزائد للنخلة ذا اثر سلبي على التمور التي تحتوي على كمية كبيرة من الماء لا يمكنها النفاذ من الثمرة فتحبس بين لب التمور وقشرها مسببة ما يسمى ب «التجليد».. ولو اجرينا حساباً بسيطاًًَ لما تحتاجه 20 مليون نخلة سنوياً من المياه لوجدنا انه 20 مليون نخلةx53م/ سنة = 1060 مليون م3/ سنة اي ما يزيد قليلاً على مليار م3 من المياه.. ولكن الاستهلاك السنوي من المياه لاغراض الزراعة «18718 مليون م3 «الطخيس، 1997م» ونسبة استهلاك النخيل لا تمثل الا 5% تقريباً من هذه النسبة التي يذهب اغلبها للقمح والاعلاف.
مع اهمية ما سبقت الاشارة اليه من اعتماد النخيل وجودتها على مياه الامطار بل ان الانواع الفاخرة من التمور هي ما يعش على مياه الامطار التي يجب دراسة استغلالها لزراعة النخيل.
ثالثاً: حسب بعض المصادر فان الاستثمار السنوي في التمور يقرب من 14 مليار ريال وهي قطاع منتج ومفيد للاقتصاد حيث ان التمور يستهلكها كل منزل بخلاف القمح او الاعلاف حيث ان القمح تحتاجه المخابز فقط، اما التمور فهي بحاجة الى تسويق في اسواق المدن ويمكن ان يكون هناك محلات متخصصة في بيع وتخزين التمور توظف شباباً سعودياً وبالتالي تكوين قطاع زراعي منتج ومفيد للاقتصاد الوطني وذا اثر محدود على مخزون المياه الجوفية.
والذي اقترحه هو تكوين شركات لتسويق التمور في كل منطقة تقوم بجنيها وحفظها وتبريدها وتنظيفها وخزنها بطرق فنية وتسويقها وبالتالي تحريك قطاعات اخرى وتوظيف مزيد من الشباب السعودي في هذا القطاع.انني اتمنى ان تلتفت وزارة الزراعة لهذا بالتنسيق مع وزارة المياه ويمكن عقد مؤتمر وطني حول النخيل لبحث مستقبلها ودورها في الاقتصاد الوطني.
م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني/البدائع
|