* كتب - مندوب «الجزيرة»:
حذر سماحة المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارات البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ من مخاطر انتشار الإشاعات على وحدة الأمة، واستقرار البلاد، مشيراً إلى أن اطلاق الشائعات المغرضة التي لا أساس لها من الصحة، ولا يوجد دليل عليها يتنافى مع حسن إسلام المرء الذي يجب أن يتحرى الصدق في كل ما يقول ويسمع.
وقال: إن أعداء الإسلام يديرون مخططات خبيثة لترويج كثير من الشائعات، بهدف تشكيك الأمة في قيادتها، وعلمائها، وبالتالي زعزعة استقرارها، وتهديد وحدتها.. مؤكداً أن بعض وسائل الإعلام المنحرفة، والقنوات الفضائية، ومواقع الانترنت تستخدم لتنفيذ جوانب من هذا المخطط الخبيث، مستفيدة في ذلك من جهل البعض بأهداف هذه الوسائل ومن يقفون وراءها، وعدم القدرة على التمييز بين الغث والسمين، والصدق والكذب.. مطالباً كل أبناء المجتمع بالتصدي لخطر الاشاعات، ووضع كل ما يقال في ميزان العقل والتمحيص، وتحري الصدق، وذلك لدفع ضررها.
وأوضح سماحة المفتي العام، أن الإشاعات ليست ظاهرة حديثة، فهي موجودة منذ القدم، ولم يسلم من خطرها حتى الأنبياء والرسل، ولكنها أحدثت نقصاً كبيراً في استقرار ووحدة المجتمع الإسلامي، وكانت سبباً في استباحة دم أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، بعدما روجت عنه، وعن ولايته كثيرا من الأكاذيب، التي وجدت طريقها إلى أسماع البعض، رغم كل ما عرف عنه - رضي الله عنه - من التقوى والإيمان.
جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها سماحة المفتي العام بعنوان: «خطر الإشاعة على الفرد والمجتمع» بجامع الإمام تركي بن عبد الله بوسط مدينة الرياض، ضمن فعاليات برنامج العناية بالمساجد ومنسوبيها، الذي تنفذه وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
الإشاعات قديمة
وعرّف سماحته معنى الإشاعة من خلال مصطلح الشيوع قائلاً: إن الشيوع يعني نشر الشيء واظهاره حتى يشيع بين الناس ويعرفه من كان جاهلاً به، هذه الإشاعات في الغالب عليها أنها تستعمل في نشر أخبار غير لائقة وبث أقوالٍ غير صادقة وإرجاف بالأمة وفت في عضدها وإضعاف لعزائمها، والاشاعات قديمة وليست حديثة اليوم لكنها تتفاوت من زمن إلى آخر، وقد ذكر الله في كتابه في قصص أنبيائه ورسله كيف أشاع عنهم أقوامهم ما ليس لائقاً بالأنبياء فهذا نوح - عليه السلام - { مّا هّذّا إلاَّ بّشّرِ مٌَثًلٍكٍمً يٍرٌيدٍ أّن يّتّفّضَّلّ عّلّيًكٍمً }، فأشاعوا عنه أنه يريد التفضل والمنة عليهم، وأشاعوا عنه أن أتباعه هم ضعفاء العقول: {وّمّا نّرّاكّ اتَّبّعّكّ إلاَّ الّذٌينّ هٍمً أّرّاذٌلٍنّا بّادٌيّ الرَّأًيٌ}، وقال قوم هود لهود عليه السلام، كما أخبر الله عنه أنهم قالوا له: { قّالّ يّا قّوًمٌ اعًبٍدٍوا اللهّ مّا لّكٍم مٌَنً إلّهُ غّيًرٍهٍ أّفّلا تّتَّقٍونّ قّالّ المّلأٍ الذٌينّ كّفّرٍوا مٌن قّوًمٌهٌ إنَّا لّنّرّاكّ فٌي سّفّاهّةُ وّإنَّا لّنّظٍنٍَكّ مٌنّ الكّاذٌبٌينّ } ، وقالوا كما قال الله عنهم {وما نراك إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} فهم يظنون ويشيعون عنه أن آلهتهم أصابته بخبل، موردًاً سماحته العديد من الآيات القرآنية الأخرى حول الإشاعة.
وعرض سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ بعضاً من أسباب الشائعات، وقال: منها أولاً الجهل الذي يخيم على عقول كثير من الناس فلا يميزون بين حسن وقبيح، ولا بين صدق وكذب، ولا حق وباطل، لكن يشيعون ما سمعته آذانهم سواء كان ما أشيع حقاً أم كان ما أشيع باطلاً، فللجهل، وقلة العلم والمعرفة، تحدثت الألسن بما سمعت الأذن، ولا يهم ذلك المتحدث أنقل خيراً أم شراً ، أنقل صدقاً أم كذباً، كل هذا لا يبالي به لجهله وقد يشيع ما فيه ضرر عليه ولو كان يعقل.
وأضاف: وثانياً: الحسد، فالحسد داء عضال ومرض قلبي خبيث ينخر في جسم المرء حتى يملأ نفسه هماً وغماً ذلك أن الحاسد لا ترضيه نعمة أنعم الله بها على عبده وانما همه وغاية مراده سلب نعم الله عن عباده، فالحاسد خبيث معترض على الله في قضائه وقدره، ولذا يفرح الحاسد بكلمة ذم في المحسود ليشيعها ويذيعها ويوسع نطاق انتشارها ويضيف إليها ما يضيف، لأن الحاسد من يتمنى زوال النعمة عن المحسود فبحسده يفرح بكل نقيصة يظفر بها، يفرح بكل بلاء لأن قلبه يغلي على ذلك الإنسان الذي فضله الله بعلم أو بمال أو بجاه فهو لا يرضى بقسم الله، وأن الله حكيم عليم بل يسعى في الإذلال والحط من قدر ذلك الإنسان لذلك يساعد على الإساءة السيئة بالنميمة، فالنمام هو الناقل للكلام السيئ على وجه الإفساد والتفريق بين الأحبة {وّلا تٍطٌعً كٍلَّ حّلاَّفُ مَّهٌينُ هّمَّازُ مَّشَّاءُ بٌنّمٌيمُ مّنَّاعُ لٌَلًخّيًرٌ مٍعًتّدُ أّثٌيمُ }، وفي الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - «لا يدخل الجنة نمام»، والنمام يفسد في ساعة ما يعجز عنه الساحر في سنة، فالنمام ينقل ما سمع إلى من قيل فيه، ويشيع ذلك الأمر إلى أن يصدع بنيان المجتمع ويضرب بعضه ببعض.
ويواصل سماحته قائلاً: ومن أسباب الإشاعة، الكذب وفي الحديث «بئس مطية القوم زعموا» فزعموا وقالوا وتحدث وقيل كل هذه أمور لا تصلح أن تكون مصدراً لخبر، ولهذا توقف العلماء في بعض الأحاديث التي تروى وتذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي الحديث الآخر: «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع» فلعله إذا حدث ببعض أن يكون كذباً فينسب الكذب إليه وهو لم يكذب لكن المصادر التي نقل عنها ليست مصادر صدق واتقان.
أمر خطير ومنكر
ورأى سماحة المفتي العام للمملكة أن الإشاعة تكون أحياناً على الفرد ذاته إما طعناً في دينه وإما طعناً في ذاته، وإما طعناً في معنويته، وإما طعناً في قيمه وفضائله، فيشيع عن فلان أنه كذاب أنه مماطل انه غاش الخ، أو يشيع عنه أنه مفلس وأن معاملته سيئة، أو يشيع عنه أنه فاسق، أنه مبتدع، أنه كافر، أنه منافق، انه حزب كذا دون روية أو تأكد، فعليك أيها المسلم ألا تشيع عن أخيك ما ينقص دينه.. الخ.
وشدد سماحته على أن الاشاعة في الجماعة المسلمة أمر خطير ومنكر فكم يشاع بالأمة من أكاذيب وأراجيف وأباطيل لا أصل لها ولا حقيقة لها وابتلي بعض الناس بترويج الباطل والتحدث به دائماً في الطعن في الأمة وفي الأفراد وفي العلماء وفي الولاة بلا رويّة ولاخوف من الله. همّ الواحد ان يقول ويتحدث ويتلقف الأقوال من غير مصادرها وممن لا يرى فيهم الصدق، ولا يأمل فيهم الصدق، وإنما من أناس انتزع الحياء من نفوسهم، فلا يبالون بما يقولون قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت»، يرجفون بالأمة فيفتون في عضدها ويضعفون عزائمها ويهولون الشر في نفسها وكأنهم جنود للأعداء يثبطون الأمة ويذلونها والمسلم مطلوب منه الرفع من قيمة الأمة واشاعة الثقة بالله ثم بهذا الدين وتقوية روابط المجتمع، والحرص على لم الشعث وجمع الكلمة ووحدة الصف وتبصير الأمة في ذلك وتحبيب الراعي لرعيته والرعية لراعيها والربط بين قلوب الجميع والحرص على تضييق شقة الكلام الباطل حتى يعلم الناس ما يقولون وما يفعلون.
ولفت سماحة المفتي العام للممكة إلى أن بعض وسائل الإعلام المنحرفة من قنوات فضائية، أو وسائل معلوماتية، كالانترنت وأمثالها في ساحاتها وفي بعض مواقعها وبعض ساحاتها أمور يقطع المسلم حقاً بكذب كثيراً منها، أو كلها ويعلم أن أولئك الناشرين لها من أقوام لا حياء عندهم ولا خوف من الله، ولا مراقبة لأمر الله، وإنما يستحسنون ما يمليه عليهم الهوى فيطعنون بالأمة إما بعلمائها، وإما في قيادتها ليجدوا متنفساً لهم، بما امتلأت قلوبهم من الخبث والبلاء، والعداء لله ولرسوله ودينه، إن المؤمن قوي الثقة بالله ثم قوي الثقة بنفسه بايمانه بالله وتمسكه بشرع الله ثم هو أيضاً قوي الثقة بولاة أمره الذين حكَّموا شرع الله وأقاموا دولتهم على حكم الله فيعلم أن هذه النعمة من الله وفضل من الله فيسعى في جمع الكلمة ويحذر من الفرقة والاختلاف. ان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من مات وليس في عنقه بيعة فميتته ميتة جاهلية»، يعني أن يضمر في قلبه محبة ولاة أمره وليست محبته لهم أن يعتقد عصمتهم، لا فالخطأ ليس أحد معصوماً منه لكن لا يفرح بالخطأ ولا بالنقص بل هو يظهر الحسنات ويدعو إلى الخير ويوجه وينصح في سبيل إصلاح الأمة ونصرتها.
المرجفون في الأمة
قال: {لّوًلا كٌتّابِ مٌَنّ اللهٌ سّبّقّ لّمّسَّكٍمً فٌيمّا أّخّذًتٍمً عّذّابِ عّظٌيمِ (68)}.
وقال سماحته: إن أعداء الأمة يحاولون ايجاد الفرقة بين أفراد الأمة ثم بين أفرادها وقيادتها، ايجاد الفرقة بما يحدثونه من نشر الشائعات السيئة، والشائعات المغرضة، والشائعات الممزقة لوحدة الأمة والمفرقة لكيانها ونحن مطلوب منا دائماً، ولا سيما في الظروف الحرجة أن نكون يداً واحدة أعواناً على الخير وأعواناً على البر والتقوى، يكمل بعضنا نقص بعض، ويعين بعضنا بعضاً، نسعى في جمع الكلمة ونسعى في وحدة الصف ونسعى في لم الشمل، ونسعى لنذكّر الأمة نعم الله عليها التي هي أصلها نعمة الإسلام ثم ما تابع الله به علينا من هذه النعم العظيمة والخيرات الجزيلة، ثم هذا الأمن وهذه القيادة، وهذا الخير الكثير، فلنحمد الله على هذه النعمة ولنرعها حق رعايتها ولنحذر في أن نكون سبباً في انقضائها أو زوالها {ذّلٌكّ بٌأّنَّ اللهّ لّمً يّكٍ مٍغّيٌَرْا نٌَعًمّةْ أّنًعّمّهّا عّلّى" قّوًمُ حّتَّى" يٍغّيٌَرٍوا مّا بٌأّنفٍسٌهٌمً }
ميزان العدل
وأكد سماحة المفتي العام للمملكة في محاضرته أن الشائعات المغرضة هي التي أحدثت في الإسلام نقصاً عظيماً، فما استبيح دم أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إلا بالشائعات التي تحمل الكذب والافتراء والطعن عليه - رضي الله عنه - وعلى ولاته ونقل الأخبار الكاذبة حتى أغروا من أغروا ولبسوا على من لبسوا عليه إلى أن وقع الناس فيما وقعوا فيه، وإذا وقع عليهم السيف لم يلق إلى يوم القيامة، فالشائعات الكذابة قد تقضي على حياة الناس، وتتلف أموالهم وتهتك أعراضهم، والشائعات السيئة تفرق المجتمع وتجعله مجتمعاً متفرقاً والمجتمع المسلم مطلوب منه الوحدة والإخاء على الخير والصدق والهدى.
ونصح سماحته المسلم أن يمحص كل قول يرد إليه أو يسمعه، وقال: أيها المسلم كل قول يبلغك فمحص هذا القول، واعرضه على العقل، وزنه بميزان العدل، فإن يكن حقاً فهذا ينبغي نشره وان يكن باطلاً ينبغي رده، والتحدث في القضايا الخطيرة والقضايا المصيرية ليس لكل أحد من الناس فنحن في زمن كل يريد أن يكون مناقشاً ومحللاً ومعطياً جواباً عن قضايا وهو لا يدركها حقيقة، ولا يتصورها التصور الصحيح وتلك القضايا تردّ إلى من جعلهم الله أهلاً لهذه المهمات {وّإذّا جّاءّهٍمً أّمًرِ مٌَنّ الأّمًنٌ أّوٌ الخّوًفٌ أّذّاعٍوا بٌهٌ وّلّوً رّدٍَوهٍ إلّى الرَّسٍولٌ وّإلّى" أٍوًلٌي الأّمًرٌ مٌنًهٍمً لّعّلٌمّهٍ الذٌينّ يّسًتّنبٌطٍونّهٍ مٌنًهٍمً}، فقضايا الأمة المصيرية إنما مرجعها إلى العقول النيرة، والأفكار الناضجة، والعقول المستقيمة، وذوي الرأي الذين هيأهم الله لهذه المهمات وأناط بهم تلك المسؤوليات {وّرّبٍَكّ يّخًلٍقٍ مّا يّشّاءٍ وّيّخًتّارٍ }.
وواصل القول: أما كل منا يحدث أو يناقش أو يعطي تحليلاً وجواباً في أمور هو لا يدركها، ولا يدري عن أبعادها فذلك الخطأ، وذلك أن السياسة الدولية فيها من التذبذب والتناقض ما الله به عليم، فليس لها وجه صحيح علمك اليوم لها وجه، وغداً بوجه آخر، وعلمك بأسلوب ولها أسلوب آخر فهي ألعوبة دولية ينظمها ويخطط لها من يحبون الإفساد والفساد في الأرض، ولا ترى لهذه السياسة قدماً راسخة، ولا وجهاً واضح ،وانما هي أمور تدور على مصالح أقوام ومنافع أقوام، فقد يغتر الإنسان يوماً فيضع حلولاً ونقاطاً على الحروف، ولكن غداً يتبين له أن ما رأى وخطط كان خلاف الواقع، لأن هذه السياسات لا تعتمد على الصدق في أخبارها وانما التضليل، وإلهاء الناس، واضاعة أفكارهم فيتذبذبون لا يدرون كيف يتصورون الأشياء وكيف يحكمون عليها، ولهذا تلك اللعبات لا يستطيع التحدث عنها ولا معرفة واقعها، وادراك آثارها ودورها إلا أناس تخصصوا وهيئوا لهذه المهمة فهم الذين اذ تحدثوا تحدثوا عن علم وإن سكتوا سكتوا عن علم، أما قاصر النظر ومن عمدته ما أذيع ونشر فتلك أدلة غير قطعية والله قد قال في كتابه العزيز لليهود: { كٍلَّمّا أّوًقّدٍوا نّارْا لٌَلًحّرًبٌ أّطًفّأّهّا اللهٍ وّيّسًعّوًنّ فٌي الأّرًضٌ فّسّادْا وّاللَّهٍ لا يٍحٌبٍَ المٍفًسٌدٌينّ} فهم يسعون دائماً في الفساد لكن صور هذا الفساد لا تراها في عام مثلما تراها في العام الماضي، فلها في العام وجه، ولها في العام الآخر وجه على حسب المناخ الذي يناسبهم ليكون مهيأ لغرس فجورهم وفسادهم وضلالهم، لهذا كان على المسلم التوقف في الحكم على كثير من الأشياء إذ الحكم قد يكون فرعاً عن تصور والتصور قد لا يكون تاماً وقد يكون غير واقع ولهذا قال الله تعالى: { وّلّوً رّدٍَوهٍ إلّى الرَّسٍولٌ وّإلّى" أٍوًلٌي الأّمًرٌ مٌنًهٍمً لّعّلٌمّهٍ الذٌينّ يّسًتّنبٌطٍونّهٍ مٌنًهٍمً} فالذين يستنبطون ويدركون ويجرون المسح التام على جميع الأحداث ويربطون بين الماضي والحاضر، وبين الأشياء كلها هم الذين يكون عندهم التصور التام، والفهم الصحيح والادراك البعيد المدى، وأما عوام الناس فإنما يسمعون كلاماً يردد وأخباراً تقال يرقب بعضها بعضاً، ويكذب بعضها بعضاً والحقائق خفية على كثير من الناس، إذاً فلسنا مسؤولين عن اشاعة أخبار لا ندري عن صحتها، ولا عن صدقيتها، وإنما نتحدث عما ندركه ونتصوره، ونكل ما عجزنا عنه إلى من هيئوا لهذا الأمر ليعطوا الجواب الصحيح والتصور التام فيما يتصورون ويعلمون ونرجو لهم من الله التوفيق والسداد.
الصدق في القول والعمل
وكان سماحة المفتي العام للمملكة قد قال في بداية محاضرته: ان خطر الشائعات وأثر الشائعات سيئان على الفرد والمجتمع وعلى المصالح الخاصة والمصالح العامة، وعلينا أن نعلم قبل كل شيء أن الله - جل وعلا - افترض علينا الصدق في أقوالنا كما افترض علينا الصدق في أعمالنا، قال تعالى: {يّا أّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا اتَّقٍوا اللّهّ وّكٍونٍوا مّعّ الصَّادٌقٌينّ}, وقال: {فّلّوً صّدّقٍوا اللّهّ لّكّانّ خّيًرْا لَّهٍمً} ، جعل الله الصدق نجاة من كل المكاره وفوزاً برضاء الله ونجاة يوم قدومه على الله، قال الله - جل وعلا -: {قّالّ اللهٍ هّذّا يّوًمٍ يّنفّعٍ الصَّادٌقٌينّ صٌدًقٍهٍمً لّهٍمً جّنَّاتِ تّجًرٌي مٌن تّحًتٌهّا الأّّنًهّارٍ خّالٌدٌينّ فٌيهّا أّّبّدْا رَّضٌيّ اللّهٍ عّنًهٍمً وّرّضٍوا عّنًهٍ ذّلٌكّ الفّوًزٍ العّظٌيمٍ}.
وقال المولى عز وجل: {إذّا جّاءّكّ المٍنّافٌقٍونّ قّالٍوا نّشًهّدٍ إنَّكّ لّرّسٍولٍ اللهٌ وّاللَّهٍ يّعًلّمٍ إنَّكّ لّرّسٍولٍهٍ وّاللَّهٍ يّشًهّدٍ إنَّ المٍنّافٌقٌينّ لّكّاذٌبٍونّ (1)}، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة ولا يزال العبد يصدق ويتحرى آلصدق حتى يكتب عند الله صديقاً»، {وّمّن يٍطٌعٌ اللهّ وّالرَّسٍولّ فّأٍوًلّئٌكّّ مّعّ الذٌينّ أّنًعّمّ اللهٍ عّلّيًهٌم مٌَنّ النَّبٌيٌَينّ وّالصٌَدٌَيقٌينّ وّالشٍَهّدّاءٌ وّالصَّالٌحٌينّ وّحّسٍنّ أٍوًلّئٌكّ رّفٌيقْا}فالمؤمن صادق في أعماله، وصادق في أخباره، وصادق في تعامله، وصادق في كل أحواله، وصادق القول والعمل لا يقول إلا خيراً، ولا يتحدث إلا بخير، فلا تسمع منه الكذب، وغرائب الأخبار ولكن تسمع منه الصدق، والحق فيما يقول.
خصوصيات الآخرين
وشدد سماحته على أهمية التزام المؤمن بالعدل في أحواله كلها، مبيناً أن المسلم يجب أن يكون عدلا مع نفسه، وعدلا في تعامله مع ربه، وعدلا في معاملة الناس، وعدلا في أهله في زوجته وولده، فالعدل مصاحب وملازم له قال تعالى { وّإذّا قٍلًتٍمً فّاعًدٌلٍوا } ، فهو يعدل في الأقوال ليس جائراً في أقواله وانما هو عادل فيما يقول وصادق واعتدال الصدق في الخبر والعدل أيضاً في نقل ذلك الخبر فلا يكون جائراً، وإنما يكون عادلاً، قال تعالى: {وّلا يّجًرٌمّنَّكٍمً شّنّآنٍ قّوًمُ أّن صّدٍَوكٍمً عّنٌ المّسًجٌدٌ الحّرّامٌ أّن تّعًتّدٍوا وّتّعّاوّنٍوا عّلّى البرٌَ وّالتَّقًوّى"}، فأمرنا الله بالعدل في الأقوال كما أمرنا بالعدل في الأفعال، ومن ملازمة الاعتدال في القول ألا أجور وأظلم، بل أخبر بالواقع على حسب ما أعلمه حقاً.
وواصل سماحته القول: فإذا كان الإسلام يلزمنا الصدق ويلزمنا العدل ويحثنا على أن يكون تشاغل كل منا بما يعود عليه وعلى أمته بالخير ويبتعد عما لا يعنيه، وفي الحديث «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» فالأمور التي لا تعنيك، وليست من شؤونك الخاصة أو العامة، وإنما هي من خصوصيات الآخرين فما لك والتحدث عنها، تحدث في مصلحة للإسلام والمسلمين، نعم مصلحة لأخيك ولجماعة الإسلام أنت ملزم بالقيام بقدر ما تستطيع، لكن أمور هي من خصوصيات الأفراد، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» لأن اشتغالك بما لا يعنيك أمره وبما لا تدرك حقيقته وبما لا تتصور واقعه تكون بهذا قد تكذب وقد تجور.
الستر على المسلمين
وفي هذا السياق، نبه سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ إلى أن يحرص المسلم على الستر على المسلمين وعلى صيانة عوراتهم ما وجد للستر باباً، ما لم يكن ذلك الستر يؤدي إلى انتشار الجريمة، وقال: والمسلم ليس من شأنه الفرح بنقص المسلمين، وليس من شأنه الفرح بضعف المسلمين، وليس من شأنه نشر عورات المسلمين، وليس من شأنه شيوع الفاحشة بين المسلمين لا، كأنه جسد من تلكم الأمة يسره ما يسرها ويحزنه ما يحزنها في الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، فكما أن ألم السن يؤلمك، وألم العين، وألم الأذن، وألم القلب، وألم القدم، وألم اليد ينجر ذلك الألم إلى كل البدن، فكذلك ألم الأمة يهمك ويؤلمك ويحزنك لأجل هذا كان الستر على المسلمين من الأمور الشرعية «من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة» وفي الحديث «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المؤمنين ولا تتبعوا عوراتهم فمن تتبع عوراتهم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته أخزاه ولو بجوف بيته»، فسترك على المسلم حماية له ودفاع عن عرضه مع النصح له والتوجيه له فيما بينك وبين الله حتى يرتدع عن خطه ويقلع عن جرمه.
|