* ويتأكد امر الاجتماع بخاصة في وقت الفتن، ولذلك من منهج السلف في تحقيق هذا المقصد العظيم، هو توحيد الفتوى لاسيما في وقت الفتنة، فالفتوى كما تراعى فيها التراجيح، فيراعى فيها حالة الوقت، وعمل الناس، ومراعاة المصالح وسد المفاسد، فكم توقف كثير من اهل العلم عن الافتاء فيما يعتقدون لاغراض من هذا القبيل، ومن فضل الله على هذه البلاد وفرة العلماء الربانيين المتمثلين في الفتوى، واللجنة الدائمة، وهيئة كبار العلماء، وفي كثير من المؤسسات العلمية، فينبغي على الناصح ان يراعي هذا الجانب المهم، بعدم مزاحمتهم في الفتوى والرأي، خاصة وان القلوب ضعيفة، والشبه اخاذة، والعدو متربص، ومن كان له اجتهاد مخالف - وكان من اهل الاجتهاد - فالذي تقضتيه الاصول الشرعية هو الاحتفاظ بما يعتقده وعدم نشره، لانه يحصل بسبب نشره زعزعة واضطرابا للجماعة، لاسيما جنس العامة، والذين لا يميزون بين الرغوة والصريح، وايضاً يوسع دائرة الخلاف، وذلك باسفاره عن معارضات، واخذ وهات، قد تتطور من الالسن الى القلوب، وايضاً يخوض فيها العالم وغير العالم، وهذا ما تأباه القواعد والاصول العامة للشريعة، ولا يدرك هذا الا اهل الدين والعقل الراجح.
وايضاً من الامور التي يجب على طلبة العلم مراعاتها لاسيما زمن الفتنة، هو ترك الحكم على الاشخاص، وجعل ذلك للمفتي، ولجان الفتوى في البلد وعدم مزاحمتهم فيها، تحقيقاً للمقاصد التي ذكرتها، وأذكر هذا للاضطراب الحاصل لدى بعض طلبة العلم في هذا الباب، وعدم فقههم لقضايا التجريح والتعديل، والتفريق بين اصوله في التلقي والاستدلال اصول اهل السنة والجماعة، ووقع في خطأ ما، وبين من اصوله اصول اهل البدع، وكيفية التعامل معهما، والقدر الذي يبذل في الولاء والبراء لهما، والنظر الى المصلحة والمفسدة في ذلك، لانه في واقع الامر هناك من يُحجر واسعاً على كثير ممن تراجع عن طروحاته الفكرية في الزمان السابق، من بعض طلبة العلم والنخب الفكرية، من الذين بدأوا بطرح جديد يتوافق ولله الحمد مع اصول السلف الصالح من: مراعاة حقوق ولاة الامر، وبيان ما لاهل العلم من الحق، واعمالهم قاعدة المصالح والمفاسد، و ترتيب الاولويات، وتحقيق مفهوم الاجتماع، فرفض هذا الطرح، والتشكيك فيه، ورمي اصحابه بالمخادعة، والتكتيك المرحلي، وانتزاع تفسير التقية من خلال هذه الطروحات، وترسيخه في اذهان الناس، وعدم قبول تراجعهم، والتشنيع عليهم ،امر في غاية الخطورة، ويتوافق تماماً مع اساليب اهل الاهواء، ولا تستفيد منه الامة سوى اتساع هوة الخلاف، وكبر مساحة الافتراق، واخطر شيء الصاق هذا الاسلوب بمنهج السلف الصالح، وفي حقيقة الامر ان منهج السلف بريء من هذا الطرح، ولقد شوش هذا الاسلوب على عقول كثير من المسلمين، واصبح هذا التهويل، وتلك المبالغة مصدراً للاشباع لدى شريحة كبيرة من الشباب، والذين هم ضحية لهذا المنهج الذي يلزق بالسلف الصالح، واصول السلف تأبى ذلك وتمجه، فالواجب على الناس جميعاً، وطلبة العلم خصوصاً احترام العلماء وعدم مزاحمتهم فيما هو من اختصاصهم، وتأليف القلوب على محبتهم، والصدور عن رأيهم، فانهم على الهدى المستقيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
( * ) دبي
|