Friday 9th may,2003 11180العدد الجمعة 8 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هل من الممكن فرملة القاطرة الأمريكية المتسارعة نحو المنطقة؟! هل من الممكن فرملة القاطرة الأمريكية المتسارعة نحو المنطقة؟!
عبدالله الماجد

يبدو أن مفرزات وأوضاع ما بعد الغزو الأمريكي للعراق، سوف تتمخض عن وجود أمريكي على نطاق واسع في أوساط البلاد العربية، وفي مركز استراتيجي للتحكم الأمريكي يشكل دائرة أوسع، يمتد من أفغانستان وبحر قزوين، وحتى «منطقة التحكم» منطقة الشرق الأوسط باتجاه أوروبا كمحور أول، بمواجهة دول أوروبا التي سوف تفرض عليها متغيرات ما بعد غزو العراق، أن تكون من دول الدرجة الثانية في الأهمية على مستوى التأثير في المحيط العالمي. بينما يكون مركز افغانستان المحور الثاني بمواجهة الصين وروسيا، ودول كالهند والباكستان وإيران ومن خلفهما اليابان واندونيسيا وتضيق الخناق على كوريا الشمالية، عن طريق تكثيف التعاون مع كوريا الجنوبية.
وسوف يتم تعظيم دور «إسرائيل» حيث يتم الانتقال بها من دورها السابق كمخلب للقط، أو الشرطي المثير للإزعاج في المنطقة، إلى دولة يتكامل الاعتراف بها كأمر واقع لمتغيرات الأحداث في المنطقة. وسيتم الضغط في الأيام القادمة، وقبل موعد الانتخابات الأمريكية القادمة على سوريا، في تسويات أمنية ليس باتجاه العراق، وإنما باتجاه إسرائيل، وبشكل عاجل سوف تُطرح سوريا في صلب تمرير ما يُسمى «بخارطة الطريق». وقد تزايدت حدة الضغط الأمريكي على سوريا، بأن عليها ان تعي جيداً التغيرات التي حلت بالمنطقة، بل ان وزير الخارجية الأمريكي «كولن باول» يذكر في هذا المجال ما آل إليه مصير نظام صدام حسين، في إشارة إلى إمكان حدوثه في سوريا «كان باول يوجه حديثه مباشرة إلى الرئيس بشار الأسد».
وفي واقع الأمر، فما من أحد يستطيع الآن، وقف قاطرة التغيير الأمريكي باتجاه المنطقة العربية، ولا يمكن لهؤلاء ان يوقفوا زحف مزيد من القوات الأمريكية سواء باتجاه العراق، أو تغيير مواقع هذه القوات في المنطقة على نحو استراتيجي تراه الإدارة الأمريكية. وفي واقع الحال، فإن العراق لم يعد هو البلد العربي المحتل الآن وبشكل رسمي أو على نحو ما يُعبر «توماس فريدمان» في النيويورك تايمز: «لقد ولدت لدينا الآن الولاية رقم 51 أم 23 مليون نسمة، لقد تبنينا حالاً طفلاً يدعى بغداد، وتحتم تنشئة الطفل في الجوار، عدم تفكير الوالدين في الطلاق الآن» 5 مايو وإنما هناك دول في المنطقة، تقع بشكل ما تحت طائلة الاحتلال عبر تواجد أمريكي عسكري وإداري فيها كقطر والكويت، ومن خلال هذا التواجد للقوة الأمريكية، بدأت تتحرك وتنتشر في مواجهات خطوط التماس، باتجاه إيران وسوريا، مما يسقط دعاوي ان هذه القوات، إنما جاءت لإسقاط نظام صدام حسين، وتحرير الشعب العراقي من عنت وجبروت هذا الحكم، وإنهاء شبح تهديده لجيرانه إلى الأبد، وبالرغم من ان «الطُعم الأمريكي» تم ابتلاعه بشكل ما، فإن حكومات المنطقة وشعوبها، يدركون انه بالإمكان إنهاء ذلك النظام بإحدى الوسائل التي تم بها صناعته وإعلاء شأنه، دون اللجوء إلى هذه الحشود الهائلة التي ربما تحدث لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، ان تجردها خارج حدودها، وتخصص لها اكثر من مائة مليار دولار!.
ومن المفارقات على مستوى المنطوق الفكري السياسي، ان الإدارة الأمريكية التي طبقت مبدأ الغزو واحتلال المنطقة، تلتحف برداء الديموقراطية وتحرير شعوب المنطقة من أنظمتها، وكأنها أخذت «صكاً» أو تصويتاً ديموقراطياً، يخول لها كقوة واحدة في العالم إعادة ترتيب أوضاع المنطقة وفق رؤيتها، دون النظر إلى مسائل يفترض انها تحكم العالم بعد الحرب العالمية الثانية، مثل القانون الدولي ممثلاً في مؤسساته كالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. إن الديموقراطية تنشأ كنظام أو فعل اجتماعي من داخل الشعوب نفسها، وانه لم يترك لهذه الشعوب حق إعلان رأيها، وربما من السخرية ان يُطلب إعلان رأيها، بعد غزو فُرض بالأمر الواقع، ومن ثم تمرير وسائلها عبر أشخاص مشبوهين، يقعون تحت طائلة النظر إليهم من شعوبهم على أنهم عملاء لهذه القوة، وهو ما سوف يتم تسويته في العراق، ولعل من المفارقات ان الإدارة الأمريكية مثلاً ستنظر إلى الحكم في إيران على انه ديكتاتوري وليس ديموقراطيا، ربما ليس ديموقراطيا على الطريقة الأمريكية. الإدارة الأمريكية تعي ان المسألة في إيران تبدو أمامها أكثر تعقيداً، أكثر من أي منطقة أخرى في المنطقة، أي انها ليست كمثل حالة تركيا مثلاً، بل ان تفاقم الأوضاع المنتظرة داخل العراق سوف يُجيّر تحت مسؤولية إيران. إن طبائع التاريخ المرتبطة بقضايا عقائد الشعوب وبنيتها الدينية والاجتماعية، لا يمكن انتزاعها بقوة السلاح أو بأسلوب الغزو، فبينما يوجد في أمريكا ذاتها جناح يُمكن ان يوصف بأنه ديني متشدد، ويسوق حججه وفق مبادئه، يُنكر على دول تتمسك بمبادئها الدينية المترسخة في أعماقها، وحين تختلف معها تصفها بالتطرف، بل وبالإرهاب!
من المهم ان نلاحظ ان تطوراً جذرياً قد حدث، في نظرية العقيدة السياسية الأمريكية على مدى القرن الماضي، فيما يتعلق بتدخلاتها في أنظمة الدول التي تعتبرها ضمن المدى الحيوي لمصالحها، فحين كانت تلجأ إلى أساليب التدخلات عن طريق الغزو من الداخل، أي بتغيير أنظمة الحكم في تلك الدول، من الداخل عن طريق جهود مؤسساتها الاستخباراتية، وتدعيم قوى موالية لها بالاستيلاء على الحكم، وهو ما كان ممكناً لها في حالة نظام صدام حسين ولكنها وفي ظل متغيرات دولية حاسمة، أهمها تفكك كيان القطب المعادل لها «الاتحاد السوفيتي» وتخدير الجناح الأوروبي عن طريق الدخول معه في أحلاف سياسية وعسكرية، ومن ثم الانقلاب عليه، عبر تأسيس امبراطوريتها المهيمنة لجأت إلى خيار التغيير بالقوة وبالغزو المباشر، «يتعرض حلف شمال الأطلسي لهزة تذكر بما حدث عام 1966، حينما خرجت فرنسا ديجول، من الحلف» وأمريكا في اختبارها ولجوئها إلى هذه العقيدة، تُفرز بعد غزوها وسيطرتها على الأقطار التي يتم غزوها، حالة من الفوضى في ظل غياب وانحلال عقد النظام الحاكم، كما تلجأ إلى ان تستعدي شعوب الأنظمة على حكامها، عبر حبائل تنظمها وتدفع بها إلى سطح المواجهة.
إن تفريغ العراق من النظام الحاكم فيه، عن طريق الغزو يمثل هذه القوة في الكثافة، وأساليب الاجتياح، التي نتج عنها تدمير شامل لمظاهر الحياة والتنمية، في هذا الاقليم، ومن اشاعة الفوضى وأعمال النهب والسلب، وترك الناس لا سراة لهم، تعبث في مؤسسات الدولة نهباً وفساداً وإشعال الحرائق في وثائق الدولة، هو أسلوب يُذكر بتلك الأساليب التي رافقت نشوء الولايات المتحدة الأمريكية، حينما لجأت إلى سلب وتدمير الشعب الهندي الأحمر، في خطة تهدف إلى تفريغ ذلك الشعب من ثقافته وتدمير كل ما يشير إليه، إنها سياسة تبديل ثقافة بثقافة.
وبالنسبة لدول المنطقة المهمة، يبدو ان «الأجندة» الأمريكية مثقلة بصفحات كثيرة ومهمة، فلديها صفحات باسم «مصر» وهي لا تقل عن الصفحة التي تحتلها إيران في الأهمية. مصر وعلى سلسلة من التعقيدات السياسية والاقتصادية، قد وضعت تحت الاجراء منذ وقت مُبكر، ولم يكن اتفاق «كامب ديفيد» إلا إحدى الخطوات في هذا الإجراء.
والواقع ان حالة مصر، قد بُدئ بها منذ وقت مبكر، حيث تحتفظ الأجندة التاريخية الدولية، وأرشيفاتها فيما يتعلق بالمنطقة، وقائع تشير إلى ذلك. وربما يُعتبر وضع عدن في عام 1839م تحت السيطرة البريطانية، مؤشراً إلى الحد من تفاقم الدور المصري المبكر في عهد محمد علي. وفي يوليو من عام 1840 تم تفعيل معاهدة لندن التي اشتركت فيها بريطانيا وروسيا والنمسا وتركيا، التي تم بمقتضاها تقليص الدور المصري داخل حدوده مع ابقائه تحت السيادة التركية ومن ثم تحت السيادة البريطانية عبر أربعة وسبعين عاماً. ويُعلق المؤرخ «أمين سعيد» في عام 1964 على تلك الوقائع على هذا النحو: «معاهدة لندن في سنة 1840 هي أول مؤتمر دولي يُعقد لمعالجة قضايا الشرق العربي، كما كانت المرّة الأولى التي تتدخل فيها دول أوروبا بشؤون هذا الشرق في العصر الحديث».
وبطريقة البحث والتفكير الاستراتيجي، يتم وضع التاريخ والجغرافيا، في المرتبة الأولى في أساسيات هذا البحث. في المسألة التاريخية كانت الجزيرة العربية وحدة تاريخية واسعة، ومركزاً امتد مداه حتى وصل إلى تخوم الألب واستقر في «بلاد الأندلس» مما يعرف الآن بإسبانيا، وحينما «تَصحّر» تاريخ هذه الأمة ظل مداه في مركز انبعاثه وانطلاقه في الجزيرة العربية، ولم يخضع في دور من أدوار التاريخ لشرذمته وتقسيمه، إلا حينما بدأت غوائل تقسيم العالم إلى محاولة التجزئة وفق مصالح مؤقتة، لكنه ظل في مداه الجغرافي المهم كتلة واحدة قائمة بذاتها، فلا هو بيئة «نهرية» ولا بيئة أطراف هامشية، استقر البشر فيه، في مداه المحدود بالبحر والجبل. وما بعد الجبل بيئات أخرى وجبال أخرى، تنشأ فيها مراعٍ مصادرها ما تجود به السماء من مطر، وما تستجيب له أراضيها من رعي، فأهلها يتحركون في وهادها وعبر جبالها، في احتكام هذه الحاكمية: القبيلة والمرعى، ينتقل فيها البشر مع حدودهم داخل جغرافيتهم المحدودة بالبحر، وعوائق الظواهر الطبيعية حيث الرمال من الشمال وفي الجنوب والشرق، وتكوين جبلي جبار يعترض هذه البلاد، بادئاً من الشمال إلى الجنوب، تتناثر في مهابطه مدن وقرى من جهتيه الغربية والشرقية، هذه هي الجغرافيا الطبيعية لهذه الأرض: هي نفسها جغرافية البشر داخلها. البشر الذين يشكلون نسقاً «سلالياً» واحداً عبر آلاف السنين. علاقة تفاعلية، لا يستقيم لجزء منها إلا بالجزء الآخر، وإذا كانت هذه هي طبائع التاريخ والجغرافيا، فإن محفزات التوحيد، هي الاستجابة المثلى لطبيعة التاريخ والجغرافيا والبشر، والتي تربط هذه الأجزاء بعلاقات أشبه ما تكون بطبيعة الجسم البشري الإنساني، فيما لا يتوفر ذلك لكيانات منفصلة، تكونت على أساس من الوحدة السياسية والقانونية التشريعية، وتتباعد بينها المسافات، ويتغير فيها الطقس والزمن، كما تتغير فيها بنية البشر الاجتماعية، هي أقرب إلى التفكك والتقسيم، كالولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
وفي ظل هذه المتغيرات المتسارعة، وبالنظر إلى «التنّور» الذي أججت الحكومة الأمريكية الحالية ناره التي لم تزل تضطرم. ولا يمكن الجزم بشكل عقلاني، على أنه أصبح هادئاً أو محسوماً، كما أشاع الرئيس الأمريكي «الأول من مايو» فماذا على دول المنطقة ان تفعله، هل تركن إلى الانتظار أو ان تصبح تلك «العجينة» التي تخمرّت جاهزة، ومن ثم تتحول إلى خبز داخل ذلك «التنور» الأمريكي سائغ للأكل.
على المستوى العربي الاقليمي، يبدو ان الوضع الحالي يشي بعدة أمور، غاية في التعقيد والتشابك، وأن عقد الائتلاف والمصلحة الواحدة، قد تناثر، وأن هناك دولاً وللواقع المرّ من تلك الدول التي حجزت لها مقاعد متميزة في قاطرة التغيير الأمريكية «يصدق عليها المثل: «كالشاة التي تبحث عن مذبحها» مما جعل مؤسسات العمل العربي المشترك، مثل الجامعة العربية، ومؤتمرات القمة العربية، مؤسسات ليست لها قوة الفعل والارادة العربية القوية الملزمة لأطرافها، حتى تتكون لها تلك الهيبة الدولية. وحتى مؤسسات العمل الإسلامي، التي غُيِّب فيها دور منظمة الأمم الإسلامية.
وفي ظل هذا الوضع، فإن تفعيل دور الدول، التي وضعت في دائرة الأزمة، يجب ان ينهض وأن يقوم في ظل كيان متآزر، لمجابهة هذه الهيمنة الطاغية التي تهدد هذه الدول، وربما يكون طرح قيام جبهة اقليمية مؤثرة في المنطقة، لفرملة القاطرة الأمريكية، مهماً في مثل هذه المتغيرات المتسارعة وتفاعلاتها. وربما تكون دواعي هذه الدول المهددة بالخطر في هذه الأزمة، هي التي تُنظم وتنشئ عقد قيامها. وقد يُعطي اجتماع الرياض الذي عُقد أواخر الشهر الماضي لدول الجوار مع العراق، ملامح تكوين هذه الجبهة الاقليمية، أو هذا الكيان الذي من المتصور ان يضم دول: المملكة العربية السعودية، مصر، إيران، سوريا، لبنان، الأردن، ومن المفيد ان تنضم إليه باكستان، وان تُدعى تركيا إلى الانضمام إليه. هذه هواجس المنّظر السياسي المراقب لتطورات وتداعيات الأزمة المتسارعة. ومن آماله ان تتناسى هذه الدول وفي ظل ما هو أهم خلافاتها، وأن تُنشئ اتصالاتها بدول لا يسرها أن ترى تمادي هذا القطب الأوحد، ان يتفاعل إلى أبعد مدى مما هو ماضٍ فيه الآن.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved