يقول المثل العربي «ليس من رأى كمن سمع» نعم نحن القاطنين في بكين بجمهورية الصين الشعبية الصديقة نعيش بين أصدقاء أعزاء نكن لهم كل تقدير كما هم كذلك ويعيش معنا فيروس حديث الولادة اسمه «سارس» كان منشؤه جنوب الصين ثم انتقل إلينا في الشمال جمع من اولاده ومثلائه، مع بعض المسافرين، ولشدة حبه لنا في بكين آثر البقاء والتوالد بشكل انقسامي حتى ملأ أجساد بعض السكان ألماً، والبعض الآخر خوفاً ورهبة، ولعله سمع عن الإرهاب، فأراد أن يساهم بلون آخر من ألوانه.
الناس خارج بكين يعتقدون أن الذين يعيشون في بكين، ينامون بأقنعتهم ولا يلتقون مع بعضهم، وأن الهواء مليء بسارس، وأن سكان بكين يستنشقون سارس كما يستنشقون الهواء، والواقع غير ذلك، فالكثير منهم يمارسون حياتهم بشكل شبه طبيعي، فهم يجتمعون ويعملون ويتزاورون ويمارسون كرة القدم والسلة والطائرة، لكن في حدود مقننة ومحددة.
حتى نكون واقعيين، فقد انطفأ كثير من وهج بكين، فأصبحت الشوارع أقل ازدحاماً بالسيارات، والأزقة تكاد تكون خالية من المارة، وبعض الأسواق التجارية أغلقت أبوابها لقلة الزبائن، أما المطاعم فقد أصبحت تعمل بنسبة بسيطة من طاقتها، وأصبح ذلك المطار الصاخب هادئاً، وأجّلت الكثير من المعارض، كما ألغيت الاجتماعات الرسمية غير الضرورية.
الزملاء في السفارة السعودية، شأن السفارات الأخرى، يأتون إلى عملهم كل صباح في الوقت المحدد دون تغيير ويغادرون السفارة في موعد الخروج، وكثيراً ما يعودون مرة أخرى إذا استلزم العمل ذلك في المساء أو خلال عطلة الأسبوع، يأتون والأقنعة على وجوههم، والأغلب يعمل داخل السفارة دون قناع أما القليل الحذر فهم يعملون وأقنعتهم تعلو وجوههم من غير تعايش مع سارس، ان المرء عندما يستلقي على سرير نومه، ثم يشعر بكحة لسبب من الأسباب، فإنه ينهض مسارعاً ليقيس درجة حرارته، أو يرى وجهه في المرآة خشية من سارس ثم يكتشف فيما بعد أنه قد حمّل الأمر أكثر مما يحتمل، وأن الأمر لا يعدو كونه كحة عادية.
وعندما يصاب المرء بارتفاع في درجة الحرارة لسبب من الأسباب البعيدة عن سارس فإن الهلع يصيبه رابطاً ما حدث بسارس، متناسياً أن هناك الكثير من الأمراض التي تؤدي الى ارتفاع درجة الحرارة غير سارس، لقد عملت الحكومة الصينية ومازالت تعمل بجد واجتهاد للحد من سارس، والقضاء عليه بغض النظر عن التكاليف التي يمكن أن تنجم عن ذلك، فقد تم إنشاء مستشفى مخصص لهذا المرض في ضواحي بكين في غضون ثمانية أيام فقط، ويتسع لألف مريض، كما أنه تقوم بالحجر على المباني التي يكتشف فيها إحدى الحالات، وتوفر لسكانها ثلاث وجبات يومية، وتقوم بفحص جميع سكان المبنى الموبوء، وتم إغلاق بعض المستشفيات التي ظهرت فيها حالات، وتم تعقيمه، وتركه لمدة أسبوع، وفي المطار هناك جهاز لفحص الداخلين إلى المطار، والتأكد من عدم إصابتهم وارتفاع درجة حرارتهم.هذا هو سارس، كما يعيشه قاطنو بكين، فالإعلام زاد من تضخيم الأمر والتهويل، لكن الحقيقة أن هناك شيئاً من المنغصات المصاحبة لسارس.
|