* تحقيق خالد النويس تصوير/ محمد البناي
لا يخفى على الكثير منّا أهمية اختيار كل من يقدم على الزواج لنصفه الآخر وان يكون على أقصى درجة من التوافق والصحة وغيرهما من المواصفات التي يضمن معها تكوين أسرة صالحة ومستقرة وفاعلة في المجتمع وخالية من الأمراض التي قد تعكر صفو الحياة المعيشية لهذه الأسرة فيما بعد، حيث من الممكن ان تنعكس سلباً على الأبناء وصحتهم، وقد اكتشف منذ وقت مبكر ان الزواج من مورثي المرض فيما بينهم تكون سلبياته مرتفعة بالنسبة إلى ايجابياته، وتتركز هذه السلبيات في نشوء مرض تكسر الدم الوراثي والذي جرى التنبيه عنه منذ ما يزيد على ثمانية عشر عاماً في المملكة، إلا ان وزارة الصحة أولت نتائجه المستقبلية اهتماماً قوياً في السنوات الأربع الأخيرة، وبناء عليه فقد أصدرت قراراً بضرورة الفحص الالزامي قبل الزواج والذي استند إلى نتائج مهولة تشير إلى ارتفاع نسبة هذا المرض في كثير من الأسر التي كان فيها الأبوان حاملين من غير علمهما لهذا المرض، والضحية هم الأبناء الذين يبدأون حياتهم بالتنقل بين غرف المستشفيات ولمدة قد تستمر مدى الحياة، وفيما يلي نلقي الضوء على الجهود المبذولة في هذا الصدد المؤكدة على أهمية الموضوع..
التوعية لا تكفي
تؤكد مديرة مشروع مكافحة أمراض الدم الوراثية الأهلي بالاحساء الاخصائية هدى بنت عبدالرحمن المنصور على ان اعتماد وزارة الصحة على توعية المجتمع بأخطار مرض تكسر الدم الوراثي على انها الوسيلة الوقائية الوحيدة لا يعتبر الحل الناجع والآلية المرجوة للقضاء عليه، حيث اكتفت الوزارة بالتأكيد على أهمية الفحص الطبي لمن يرغب في الإقدام على الزواج، وهذا لا يمثل الأسس والضوابط المطلوبة للوقاية حيث إن أعراض المرض لا تظهر ولا تكتشف إلا بعد الزواج متمثلة في الأولاد، وقالت: لم نكن نتوقع ان يكون تطبيق قرار الفحص الطبي غير الزامي في الثلاث سنوات الأولى لصدوره وذلك بناء على النتائج الخطيرة التي يؤدي إليها هذا المرض، بل كنا نتوقع ان يكون القرار الزاميا فور صدوره، خاصة إذا علمنا ان المملكة مثلاً توجد فيها أعلى نسبة حاملة للمرض في العالم، فكل يوم يتأخر فيه القرار الالزامي ينبني عليه تعرض عدد كبير من الأطفال للإصابة. ومضت قائلة: إن متطلبات الفحص بالإمكان توفيرها في وزارة الصحة بجميع فروع المملكة، ولا يخفى على أحد ان التوعية قد أعدت من قبل لجنة العمل الوطنية لمكافحة الأمراض الوراثية بالرياض منذ ما يقارب العشرين عاما، والتي بدورها ارتأت ضرورة اخضاع الراغبين في الزواج للفحص الالزامي، وعملت على اقامة حملات توعوية في جميع مناطق المملكة.
التشخيص والعلاج
وقد توجهنا للاخصائية هدى المنصور ببعض الأسئلة حول هذا المرض وما يتفرع عنه من أمراض أخرى، فسألناها عن تعريف الانيميا المنجلية، فأجابت قائلة: الانيميا المنجلية هي نوع من الانيميا الوراثية وتسمى فقر الدم المنجلي، وهي ناتجة عن تغير في شكل خلية الدم الحمراء حيث تصبح هلالية الشكل عند نقص نسبة الاوكسجين، وتشكل خطراً بالغاً على الأجيال القادمة، وهو منتشر في المملكة وتصل نسبة انتشاره إلى 30% في بعض المناطق، وأعراضه كثيرة وهي: قصر في عمر خلايا الدم الحمراء يؤدي إلى فقر الدم المزمن ويلاحظ تردي النمو وعدم القدرة على مزاولة الأنشطة، ألم حاد في المفاصل والعظام وقد يحدث انسداد في الشعيرات الدموية المغذية للمخ والرئتين، تآكل مستمر في العظام وخاصة عظم الحوض والركبتين وقد يحدث أيضاً تضخم مستمر للطحال مما قد يفقده القدرة على أداء وظيفته، أزمات مفاجئة تحدث تكسراً مفاجئاً في خلايا الدم غالبا ما تكون نتيجة بعض الالتهابات وتعرف من اصفرار العين إلى درجة ملحوظة وانخفاض شديد في الهيموجلوبين يستدعي نقل الدم.
وعن إمكانية علاج هذا المرض نهائياً؟ أجابت: المرض وراثي ومتواجد منذ ولادة الإنسان في نخاع العظام والعلاج المتبع حالياً هو لتخفيف حدة المرض ولا يعتبر علاجاً نهائياً شافياً، ولكن هناك علاجاً آخر كإجراء عملية استبدال نخاع العظام وهي عملية تترتب عليها الكثير من المضاعفات إضافة إلى ارتفاع تكلفتها المادية وصعوبة ايجاد متبرع مناسب.
وعن الفرق بين الإنسان السليم وبين حامل المرض والمصاب به؟ أوضحت ان الإنسان السليم هو الشخص الذي لا يحمل صفة المرض ولا خطر على أطفاله من الإصابة به عند زواجه بشخص مصاب أو حامل له أو سليم مثله، والحامل للمرض هو الشخص الذي يحمل صفة المرض ولا تظهر عليه أعراضه، وهذا الشخص يمكنه الزواج من شخص سليم وإنجاب أصحاء، ولكن من الخطر زواجه من شخص مصاب أو حامل للمرض مثله، حيث يكون أطفاله عرضة للإصابة بهذا المرض.
والمصاب هو الشخص الذي تظهر عليه أعراض المرض وهذا الشخص يمكنه الزواج من شخص سليم وإنجاب أطفال أصحاء ومن الخطر زواجه من حامل للمرض أو مصاب مثله حيث يكون الأطفال عرضة للإصابة بهذا المرض.
ويمكن معرفة الشخص إن كان حاملاً للمرض أو سليماً منه بإجراء تحليل للدم لفحص خضاب الدم الهيموجلوبين بالعزل الكهربائي وهو فحص مجاني يقوم به اخصائيون متواجدون بمركز أمراض الدم الوراثية.
وأكدت ان الحل لقضية تكسر الدم الوراثي يتمثل بإصدار قرار إلزامي بإجراء الفحص قبل الزواج وإلزام مأذوني الأنكحة بطلب شهادة الفحص لتكون من متطلبات عقد النكاح.
وعن أهداف مشروع مكافحة أمراض الدم الوراثية؟ أوضحت ان هناك أهدافاً كثيرة ومنها: تهيئة الأهالي لتقبل قرار فحص المقبلين على الزواج قبل عقد القران، حيث ثبت علمياً انه السبيل الوحيد بإذن الله لوقاية الأجيال القادمة من الانيميا المنجلية كما أثبتت ذلك تجارب دول سابقة مرت بمثل هذه الظروف.
تعجيل إصدار قرار يلزم المأذون بطلب استمارة الفحص للطرفين المقبلين على الزواج ضد هذه الأمراض قبل عقد القران، على ان تترك حرية اختيار الأزواج من عدمه للطرفين.
الرفع من مستوى الوعي الصحي لدى الأفراد عن أمراض الدم الوراثية وطرق الوقاية منها.
التنعم بأجيال سليمة معافاة بإذن الله، فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.
موقف الشرع من هذه القضية
ولمعرفة رأي الشرع من هذه القضية نورد رأي بعض علمائنا الأجلاء الذين تكلموا حول هذا الموضوع، إذ يؤكد فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عضو هيئة كبار العلماء سابقاً قائلاً «إنني بعد ان اطلعت على البحث المقدم عن أمراض الدم الوراثية وانها من الأمراض الفتاكة والتي انتشرت بالمملكة وان من أسباب تقليل الإصابة بها هو الفحص قبل الزواج فإنه من الرأي الحسن ان على مأذوني الأنكحة عدم تزويج زوجين جديدين إلا بعد ان يحضرا كشفا بالفحص عن هذا المرض طالما ان في تطبيق هذه العملية إنقاذاً للمسلمين بإذن الله من الإصابة بهذه الأمراض فيكون هذا دواء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «تداووا عباد الله ولا تداووا بحرام وما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله».
كما ان لفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد بن صالح الصالح أستاذ الفقه بكلية الشريعة وعضو المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية رأياً يوافق ما قاله فضيلة الشيخ ابن جبرين حيث قال: «ولا ريب ان الإسلام بمبادئه السامية ومثله العليا قد دعا إلى كل ما يحقق صحة البدن وسلامة البنية حيث أثبت الطب الحديث ان انتقال الصفات الوراثية من الزوجين قد يكون سبباً في إصابة أطفالهما بأمراض وراثية خطرة وانه يمكن الوقاية من هذه الأمراض بالفحص الطبي قبل الزواج فإنه يتعين الاحتياط وبذل الجهد في سلامة الولد والحفاظ على الذرية فإذا علم انه قد يكون الإنسان حاملاً لصفات وراثية وتكون سببا في احتمال إصابة أطفاله بأمراض وراثية خطرة في حال زواجه من طرف يكون حاملاً لمثل هذه الصفات فإنه يتأكد ضرورة تمكينه من الاطلاع على استمارة الفحص الطبي للطرف الآخر قبل عقد القران لذا فمن حق الدولة ان تتخذ من الأنظمة والاجراءات ما يحقق المصلحة ويدفع المفسدة بما في ذلك إلزام المقبلين على الزواج بإظهار استمارة الفحص الطبي قبل عقد القران حتى يتمكنا من تجنيب أطفالهما شر الإصابة بهذه الأمراض بإذن الله».
أيضاً يقول فضيلة الشيخ عبدالله المحيسن، رئيس المحاكم ورئيس لجنة تيسير الزواج بالأحساء: يجب اتخاذ خطوات متسارعة بإلزام الفحص الطبي قبل الزواج في مثل هذه الظروف حيث تتحقق به مصلحة الزوجين للاطمئنان على صحة الأبناء لما تسببه هذه الأمراض من قلق الوالدين ومعاناتهم النفسية والمالية، وإزالة الغرر عن أحد الطرفين حيث من حقه ان يعلم عن إصابة الطرف الآخر قبل الزواج حتى يتمكن من وقاية أطفاله.
أضواء على مشروع المكافحة
وبناء على خطورة هذا المرض ونتائجه السيئة المترتبة عليه مستقبلاً قام مشروع مكافحة أمراض الدم الوراثية والذي تبنته لجنة خدمة المجتمع بالأحساء على مستوى المملكة لتحقيق الآلية الوقائية لوقف الإصابة ويحظى المشروع برعاية برنامج الخليج العربي «أجفند»، ويسعى المشروع لحث وزارة الصحة للاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال حيث تم تطبيق الوقاية بصورة الزامية بينما نجد وزارة الصحة لدينا قد أعدت التوصيات اللازمة لذلك ونظرا لاشتداد خطورة المرض وزيادة نسبة المصابين به والتي وصلت إلى 30% في بعض محافظات المملكة، ولنأخذ نبذة موجزة عن هذا المشروع الريادي الذي يهدف إلى الحد من معاناة الأطفال وأسرهم من شر الإصابة بأمراض الدم الوراثية، وقد كانت التوصيات في المؤتمرات والندوات العلمية قائمة على ضرورة فحص المقبلين على الزواج قبل عقد القران، وبناء عليه تبنت لجنة خدمة المجتمع بالأحساء المشروع الذي اعتبر ان الحل الفاعل لوقف هذا المرض بعد الله سبحانه وتعالى هو ضرورة الفحص الالزامي للمقبلين على الزواج، فقد ثبت على المستوى العالمي انه السبيل الوحيد للقضاء على هذه الأمراض، وقد حمل المشروع على عاتقه مسؤولية توعية وتهيئة الأهالي لتقبل فكرة الفحص الطبي قبل الزواج من منطلق اننا مجتمع إسلامي قبل ان يكون قبلياً قد تسيطر عليه بعض العادات ونحن في مجتمع قد تكون هذه الفكرة بالنسبة له فكرة غريبة أو دخيلة بحكم بعض العادات السائدة فيه، ويعتبر هذا المشروع ريادياً من نوعه لأنه أول مشروع محلي لمكافحة مرض وراثي تتبناه اللجنة ويشارك فيه الأهالي على مستوى الوطن العربي تحت مظلة برنامج الخليج العربي الذي يرعاه صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود، وقد تمت انطلاقة المشروع في عام 1419هـ في الأحساء ليصل بعدها المجتمع إلى حلول ممكنة لايجاد آلية لوقف تزايد الإصابة بهذا المرض مستقبلاً بين الأطفال، ومما يميز المشروع انه وضع خططاً مدروسة لتهيئة المجتمع لتقبل تلك الآلية والمطالبة بتطبيق تلك الآلية من قبل المسؤولين بصورة الزامية مستعيناً بموقف الدين والشرع وأساليب متنوعة للاقناع بأهمية الفحص الالزامي وبالتعاون مع أهالي المصابين والمرضى أنفسهم وشرح معاناتهم للمجتمع وعمل الندوات بين الفينة والأخرى.
خطة المشروع
يقوم المشروع على خمس نقاط تبين الخطة المرسومة التي يسير عليها وهي:
* ان تتولى إدارة المشروع المتابعة الرسمية لما تم في قضية وضع الأسس والضوابط للوقاية ووقف تزايد الإصابة، وذلك بصدور قرار إلزام الفحص للطرفين قبل الزواج ويلزم الجميع باتباع طريق الوقاية الوحيد لضمان سلامة الأجيال اللاحقة.
* تفعيل جميع القطاعات العامة والخاصة على جميع المحافظات من أجل نشر التوعية عن هذه الأمراض وتوضيح كيفية الوقاية منها عن طريق عدة برامج مدروسة على ان تستمر هذه البرامج بصورة دورية على مدار السنة.
* ان تتكون في كل مؤسسة لجنة فرعية تابعة للمشروع لتفعيل نشاطاته داخل هذه المؤسسة على ان تكون تحت إشراف إدارة المشروع الرئيسية.
* أن يمارس المشروع نشاطه ويقدم خدماته لجميع المحافظات التي تزيد فيها نسبة الإصابة.
* البحث عن جهات داعمة لخطط وبرامج المشروع حتى تحقق الأهداف المرجوة والمنشودة.
ومن البرامج التي يشتمل عليها المشروع:
برنامج أصدقاء المرضى.
برنامج التوعية والمسح الشامل لطلبة وطالبات الثانوية العامة والمستجدين.
برنامج سلسلة المعارض.
برنامج التثقيف الذاتي لربات البيوت.
برنامج التطوير وتبادل الخبرات.
وقد حمل المشروع على عاتقه قضية انقاذ المواليد الجدد من براثن أمراض الدم الوراثية «الانيميا المنجلية والثلاسيميا» بأنها قضية لا تقبل التهميش بأي حال من الأحوال، وان هذين المرضين بالتحديد منتشران بصورة واضحة في المملكة العربية السعودية والسبب في ذلك عائد إلى ارتباط حاملي الصفة ببعضهم وهم الأشخاص الأصحاء والذين لا تبدو عليهم أعراض المرض، ولكن عند ارتباطهم بأشخاص حاملين للمرض مثلهم تظهر الإصابة على أطفالهم، أما عند ارتباطهم بأشخاص سليمين فتتم وقاية الأطفال بإذن الله، حيث ان طرفاً واحداً سليماً يكفي لحماية الأطفال، ومنذ عشرين عاماً أوصت وزارة الصحة بأهمية الوقاية وتطبيقها وذلك بفحص المتقدمين للزواج ضد هذا المرض قبل عقد القران حيث انه السبيل الوحيد والحل الناجع بإذن الله للتخلص من هذه الأمراض، ولكن للأسف الشديد ان هذا القرار لم يتم إصداره حتى الآن، وتم الاكتفاء ببرامج التوعية المكثفة، ومازالت نسبة الإصابة بالمرض في تزايد ملحوظ، لأن برامج التوعية في مثل هذه الحالات لا تكفي للوصول إلى بر الأمان.
معلومات رقمية
وقبل الختام لهذا التحقيق القصير بالنسبة للعمر الطويل لانتشار هذا المرض في بلادنا يبقى ان نذكر بعض المعلومات والحقائق التي تضعنا أمام مواجهة الحقيقة المرّة وهي لغة الأرقام التي تتحدث باختصار عن عشرين عاما أو أكثر هي عمر هذا المرض في بلادنا:
تعتبر المملكة من أعلى نسب العالم إصابة بمرض «الانيميا المنجلية والثلاسيميا».
وصول نسبة المصابين والحاملين بالمملكة إلى مليون وأربعمائة ألف حالة تقريباً.
يبلغ اجمالي ما تصرفه المملكة سنوياً على المصابين 250 مليون ريال.
تبلغ تكلفة تحضير الدم 1200 ريال سنوياً للمريض الواحد.
تأخير تطبيق قرار الفحص الطبي قبل الزواج لمدة يوم واحد يعني ولادة 12 مصاباً و154 حاملاً للمرض يومياً مما يعني ان تأخيره لمدة سنة واحدة هو ولادة 4248 مصابا و54516 حاملا سنوياً.
|