Thursday 8th may,2003 11179العدد الخميس 7 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

آ ا ا ه... ياعباس... آ ا ا ه... ياعباس...
مشاعل العيسى

أنا علي عباس.. أعيش في بغداد
مقر الحضارة والخلافة والاستقرار
لبني العباس..
أنا طفل .. ورجل
وسأروي لكم حكايتي
مع الهجوم الغدار
***
لقد أويت إلى فراشي بالليل
وكل أوقاتنا ليل
نظرت إلى السماء.
وكنت بانتظار
اشراقة شمس النهار
توسدت يدي
نمت.. فلم استمع لصيحات الإنذار
ولكن.. أذكر أنه وقع انفجار
وأذكر أنني نمت نوماً عميقاً
ثم صحوت.
صحوت وأنا أشعر بالخوار
أردت أن أرفع نفسي
لم أستطع.
وقعت عيني على منظر.. دم.
أردت رفع الدثار
أحرك يدي.. لا تتحرك.
لا أعرف أين هي.. أين يدي؟
لا أرى إلاّ كتفي.. لا أريد أن اعيد إليها الأنظار
أين يديّ؟ اين عضدي ذراعي رسغي.. كفي؟
تحركت بقوة.. اهتززت
ذابت.. ليتني ما رأيت
اللحم والدم.. والعظام القصار
وبقايا أصابع.. وأظفار
شعرت بالرغبة في القيء.
شعرت بالدوار.
أريد أن أغيب عن الوعي
ليتني.. أحلم.. ليته حلم
أغمضت عيني.. كنت أريد الفرار
لا أريد أن أعيش من غير يدي
ليت هذه اللحظات
هي لحظات الاحتضار
لم أستطع.. أن اغيب عن الوعي
فأنا أتألم وأعي.
صدري.. بطني.. كل شيء يؤلمني
كل جزء.. فيّ.. يحترق بالنار
وثالثة الأثافي
أنني عرفت أن أمي ماتت وربما
أبي.. وبعض إخوتي الصغار
ماذا تبقى لي كي لا أنهار؟
***
نقلوني للمستشفى
ليوقفوا نزف دمي الحارٌ
ضمدوني بضماد وشاش وقطن
غطوا سواد الحروق
ببياض (العصّار)
كنت أعلم أن صورتي
ستظهر أمام العالم
وسأكون محط الأنظار
لذلك كان عليّ ألاّ أبكي
كنت أطبق شفتيَّ بقوة
لا أريد أن أصطرخ
كنت أمنع دموعي من الانحدار
إنه لمن الذل والانكسار
أن أستجدي عطف الناس
وقسوة.. رحمة الفجّار
لن أظهر جباناً
إنني رجل
ويجب عليّ الاصطبار
ولئن أخذ الله يدي
فقد أبقى لي الأرجل
وابقي لي عيوناً
تستطيع الإبصار
ولم أفقد عقلي.
كما فقد عقولهم الكبار
***
مازلت في لحظات الصدمة
لا أتخيل أنني فقدت يدي اليمنى
وآ ا ا ا ه..
يا إلهي..
لقد فقدت حتى اليسار
***
كيف سأمسك بالكتاب وبالقلم
كيف.. سأدير الفرجار
كيف سأشرب.. كيف سآكل
كيف سأصفق للانتصار
كيف سأسلم على الجار
كيف سأصم أذني عن سماع الأخبار
كيف سأحمل السلاح
وأكون الفارس المغوار
***
لا أريد صدّام.. ولا أريد أمريكا
ولا أصدق أي شعار
أريد أن تعيدوا لي يدّي..
أعلم أنه ربما.. كل شيء سيعاد
الأرض.. والأنهار
ومناطقنا الحيوية.. والآبار
وأعلم ان جسدي يستطيع
أن يعوضني عن بعض الأسنان
أو الشعر أو الأظفار
لكن هل تستطيعون أن تُعيدوا لي
اللحم والعظم والعصّب والأوتار
أيها العالم
عيوني.. تحتار
تسألكم..
لماذا تم اغتيال يديّ
فأنا.. من الصغار
لا أعرف شيئاً في السياسة
لم أشترك في أي قرار
لم أكن يوماً... مستشار
لقد ولدتني أمي بعد حرب الخليج
لم أنتهك حق الجار
لم يكن بحوزتي
أي أسلحة للدمار
لماذا لم توقفوا الحرب؟
لماذا لم يكن لكم أي قرار؟
أنا طفل بريء...
أي ذنب اقترفت .. ليحدث لي ماصار
***
أنا طفل بريء
أذهب لمدرستي
أحمل حقيبتي.
حينما «أتلو القرآن» أشعر بعزة وافتخار
فرغم ان المسلمين في بدر قلة.. وأذلة
كان لهم.. الانتصار
أما في مادة التاريخ
فلم أكن من الشّطّار
لم تختزل ذاكرتي شيئاً يذكر
سمعت مؤخراً عن.. انتصار اكتوبر
ولاأعرف شيئاً عن يوم ذي قار
لكن الذي أعرفه الآن وأعيشه واقعاً
أن سبتمبراً واحداً
جعلنا نعيش سبتمبرات كثار
وأن صدّام كان المسمار
مسمار جحا
والعراق الجدار
والأمة الإسلامية هي الدار.
***
هذه .. مجزرة
ولقد هشمت عظامنا
ساطور الجزار
إنه لمن العار
أن تبقى تحت قسوة هؤلاء الأشرار
الذين لديهم قلوب كالأحجار
لا.. إننا نظلم الأحجار
فقد تتصدع وتتشقق وتخرج منها الأنهار
أما هؤلاء فهم أشد قسوة
من الأحجار
اعتادوا على الدهاء.. والأسلوب المكار
وتنطلي علينا.. كل مااختلقوه من أعذار
كلهم.. يتفقون.. يتحالفون.. يخططون
من أجل النهوض بشعب يقتات
على الجثث.. والأقذار
بضعٌ وعشرون مليون يتحكمون
في مصير أكثر من مليار.
ويتحكمون في كل الأمصار!!
لماذا؟
لأنهم يرون أنفسهم شعب الله المختار
وكل الشعوب يجب عليها أن تتحمير
كل شعب لهم.. حمار
اعذروني.. على أسلوبي
فهكذا تنص توراتهم.. وهكذا تقول الأسفار
تسع عشرة ساعة في الأسبوع
يتشربون تعاليم التلمود.
وأنا في مدرستي
خمس حصص في الأسبوع
للقرآن وللسنة والآثار
رغم ان فيها كل الأخبار وكل الأسرار
ومعها.. لا داعي
لأي بحث أو تحرٍّ أو استخبار.
***
أيها العالم.. أريد أن اخبركم
أن الماء فقط هو الذي يطفي النار
وان أسلحة الدمار
لا تنزع بالدمار
وأن النار المستعمرة.. عفواً.. المستعرة
تذكي.. جذوة النار
أو لم يكفهم ماعشناه.. في سنين الحصار
لقد كرهت الكبار.. وتفكير الكبار
يؤسفني آنهم في عيني صغار
كنت أنتظر منهم تفعيل العقل ولغة الحوار
لكن التطور.. في صنع السلاح
يقابله قصور في التفكير..
وفي القيم انهيار
كيف لي ان افهم ما يحدث
لماذا تهدمون ما دمتم تنوون الإعمار؟
لماذا تستعبدوننا ثم تريدوننا أحرار؟
لماذا ترمون لنا بالطعام مع قنابل والغام؟
لماذا تعطوننا المشروب والشطيرة
ومعها قنابل الانشطار؟
إنكم تتعاملون مع عقولنا باستهتار
***
وفي ظل ظلم الكبار للصغار
وفي هذا الوضع المنهار
ألا يحق لي ان يكون لي قرار
لقد قررت أهم قرار
ألاّ يكون لي قرار
سأذهب برجلي للانتحار
***
علي اسماعيل عباس..
أنت تفيض بالحب والإحساس
إياك أن تفكر في الانتحار
فأنت لا تعيش لنفسك فقط.
أنت تعيش في الأرض
للعبادة والإعمار
لابد أن نعيش أيضاً
لإحياء وإخراج
القيم والمبادئ
من القبور والمتاحف
والآثار
أنت طفل..
لكنك مثال للرجل الجبار
***
علي:
لقد فقدت أشياء كثيرة
وفقدت اليمنى واليسار
هوّن عليك
فهناك من يحمل يدين
لكنها لا تقوى على البذل والإيثار
وهناك من يملك قدمين
لكنها لا تعرف إلاّ العِناد والفرار
وهناك من يحمل رأساً
لا يحوى أهم الأفكار
وهناك من يملك بصراً
لكن.. بلا استبصار.
حبيبي.. هون عليك
فالبحر مهما امتد فيه المدّ.. لابد
من الجزر والانحسار
والليل.. وإن طال.. سيعقبه نهار
***
لا عليك..
أنت في لحظات الاختبار
الدنيا كلها بلاء وامتحان
وعلينا اجتياز الأخطار
لا تنهزم.. أمام نفسك
هزيمة الداخل.. أعظم الهزائم
تجعلك هذه الهزيمة.. في ضعف وخوار
حتى في زمن الانتصار
رغم الحزن..
لابد أن نضع في الاعتبار
أن الهزيمة قد تحمل معنى آخر للانتصار
وأن النصر قد يحمل في داخله انحدار
وان الحياة مهما طالت فلياليها قصار
وان الموت سنعيشه مرة واحدة
لماذا لا نموت بعز وافتخار؟
لماذا لا نصبح أحياء.. حينما نقرر أن نموت
فالموت والحياة يجتمعان عند الشهداء
الذين لا يموتون.. إنهم ينتقلون
إلى مقام آخر مع النبيين والصديقين والأخيار
***
في ذاكرتي قصة
الملك الصالح (ألب ارسلان)
معه اثنا عشر ألف.. أمام جيش الروم
الجرّار ستمائة الف..
عدة وعتاد.. ودروع وأستار
ومع ذلك.. عزم الأمر واستشار
قال الله أكبر.. وتوكل على القهار
سبى ملك الروم.. جَرّه بالسلاسل في الأقطار
باعه بكلب.. لم يجد أحداً
يشتريه بربع دينار.
هكذا تكون العزة بالله
وتحقيق الانتصار.
***
هل أخبرتك عن مشكلتنا
مشكلتنا في تعاملنا مع أنفسنا
نحن نراها دون القدر
وليس فيها اقتدار
كل مسلم في هذه الأرض
يعامل نفسه بذل، أو في عينيه انكسار
صدقني.. يا عباس.
لن يحتقرنا أحد
ما لم نسمح له نحن بهذا الاحتقار
لن يزدرينا أحد
إذا نظرنا لأنفسنا بشموخ وإكبار
لن يجبرنا أحد على شيء
ما دمنا نعامل أنفسنا
بحزم.. وإجبار
لن يستطيع أحد أن يديرنا
مادمنا من داخلنا نُدار
***
مشكلتنا أيضاً في عجزنا
ننتظر معجزة من السماء.
لتكسر حاجز الانتظار
صدقني لن يتغير شيء من واقعنا
ما لم.. نملك نحن زمام الابتدار
كل وقت يمر بسرعة
أطول الأوقات.. أوقات القلق والانتظار.
عليٌّ
سأخبرك بسر اكتشفته وحدي
سر من أعظم الأسرار
كل الطرق.. ليس لها نهاية
إلا طريق الإصرار
***
ثم انه.. ليس هناك أقوى من الله
وعلاقتنا معه هي المحور والمدار
والحمد لله..
أن عندنا رب.. نلجأ إليه ساعة نختار
الحمد لله.. أن هذه الدنيا لبست دار القرار
والحمد لله.. أن هناك رب اسمه العدل
لا يرضى بظلم الفجّار
والحمد لله.. أنه رحيم.. ثواب.. غفّار
وأن لديه جنة.. ولديه.. نار
عليٌّ:
هل تريد أن تفهم التاريخ.
سأصنع لك.. إلياذة.. على غرار
الياذة هوميروس.. لقد كان أعمى
ومع ذلك.. كتب الكثير من الأشعار
لا ... سأصنع لك ملحمة على غرار
ملحمة.. أحمد محرم
سأسميها ملحمة شهر محرم
ملحمة السادس عشر من محرم
نفس التاريخ.. نفس اليوم..
الذي تم فيه اجتياح بغداد من قبل التتار
إنه لمن السهل أن أصنع ملحمة للتاريخ
ستتغير الأسماء فقط
أما الأحداث فكلها.. تكرار.. تكرار
لذلك سأسمي ملحمتي
ملحمة.. تاريخ يرفض.. التأريخ
يرف التدوين.. يرفض الاستمرار
هذه الملحمة
ستقلب.. كل الأفكار.
ستقول.
أن الصغار.. هم الكبار
و أن الكبار.. هم الصغار

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved