فوجئ العالم يوما بعد يوم ومنذ نحو سبعة أسابيع، أي منذ شهر مارس إلى اليوم الموافق السبت 19 ابريل عام 2003 بأنباء تناقلتها وسال الإعلام يوما بعد يوم عن تفشي وباء الالتهاب الرئوي الحاد القاتل اللا نمطي الذي عرف فيما بعد باختصار «سارس» وتزامن انطلاق شرارته الوبائية في الصين وهونج كونج وبلدان جنوبي شرقي آسيا بتوهج وبائياته القاتلة واتساع مداها لتصل لألمانيا وفرنسا وأمريكا وكندا ودول عدة فاقت 25 دولة.
ولم يدرك العالم مخاطر هذا الوباء الجديد المرعب القاتل إلا بعد تضاعف انتشاره وعدواه وضحاياه يوما بعد يوم ومن بلد لآخر، فضلاً عن ان اكتمال الغزو الأمريكي للعراق افسح المجال للناس ان تفتح عيونها على هذا الخطر الداهم الذي يمكن ان يطال كل فرد في كل أنحاء المعمورة بين طرفة عين وانتباهتها. وأعلنت جميع الدول والمطارات حالة التأهب القصوى مقارنة بالمعركة الشرسة في البلدان الموبوءة لمكافحة الوباء وتحجيم انتشاره أو القضاء عليه. كما بادرت منظمة الصحة العالمية ببذل جهود جبارة للتصدي لهذا الوباء الذي شكل لها تحديا أخطر مما سببه ظهور مرض «الأيدز» نعم إنه أخطر من الأيدز وأخطر من أي سلاح جرثومي حتى الآن. ولا ندري إن كانت وبائياته ستتغلغل في كل أنحاء المعمورة مثلما فعل الأيدز بعد عشر سنوات تقريبا أم أنه سيتفوق وينتشر في العالم كله في بضعة أشهر مع ضحايا من البشر قد يتخطى الملايين أو ربما يتفوق على الوباء العالمي للانفلونزا أعوام 1919/9/8 الذي حصد أرواح أكثر من 20 مليونا من البشر متفوقا بذلك عما خلفته الحرب العالمية من ضحايا..؟!!
الدراسات المتخصصة:
لقد بلغت الإصابات حتى اليوم أكثر من 3500 إصابة و 150 ضحية بمعدل متزايد يوما بعد يوم.. وقد أثبتت الدراسات التي تمت في بلدان عديدة مثل الصين وهونج كونج وفرنسا وألمانيا وأمريكا وكندا وكذلك المتخصصين من هيئة الصحة العالمية وأقوى المعامل المتخصصة في الفيروسات والأمراض الوبائية أن المرض يسبب فيروس شديد العدوى highly contagious سريع الانتشار الوبائي يؤدي إلى ظهور تفجرات وبائية outbreaks بين المخالطين والأطباء والهيئات الصحية وتكثر حالاته في المستشفيات والمدارس ودور العبادة والفنادق وبين المسافرين بالطائرات والحافلات المكيفة!! ليس هذا فحسب وإنما لوحظ أيضا انتقاله عن طريق الرذاذ والكحة والعطس والأدوات الملوثة. وأدى هذا لحدوث ظاهرة جديدة وهي ان الناس جميعا وليست الهيئة الطبية ترتدي كمامات «ماسكات» طوال الوقت حتى أثناء نومهم، كي يتجنبوا العدوى وإن استطاعوا؟!!
مرض غامض وأعراض متباينة:
إن أخطر الأوبئة القاتلة هي التي تبدو بأعراض غير ملفتة للانتباه في بادئ المرض والتي تتداخل ملامحها الاكلينيكية مع أمراض كثيرة أخرى، وخاصة الأمراض التنفسية وبالتحديد مع الأنفلونزا وأمراض الرشح!؟ هكذا بدت أعراض مرض سارس غير محددة كمرض جديد وتداخلت أعراضه مع ما تسببه الانفلونزا والبار انفلونزا والحصبة والغدة النكفية وفيروسات البرد العادي «الرشح والزكام» وأشباهها من الأمراض التنفسية الأخرى التي يتجاوز عددها 150 نوعا من الفيروسات التنفسية ولابأس في ذلك لأن الفيروسات التنفسية بما فيها الانفلونزا ليست مخيفة وأنها تسري في دورة مرضية لأيام معدودة يتعافى بعدها معظم الناس، في أغلب الحالات، حتى من دون علاج على الاطلاق؟!ما أشبه اليوم بالبارحة عندما تفجر مرض الأيدز بشكل غامض في أمريكا لينتشر بشكل وبائي تزايد في الشواذ جنسيا في بادئ الأمر واستغرق الأمر عامين كي يعرفوا أن مسبب المرض هو فيروس سمي فيما بعد باسم فيروس نقص المناعة البشري لكن التسمية الأولى التي أطلقت على المرض كانت أيدز ARDS والتي تعني متلازمة نقص المناعة المكتسبة.
وهذا هو الحال بالنسبة لمتلازمة الالتهاب الرئوي وتعني كلمة متلازمة Syndrome نشوء مرض أو مجموعة من الأعراض المتباينة غير معروفة الميكروب أو العامل المسبب لها وإن الصورة الإكلينيكية أو الأعراض المرضية تتداخل في أنواعها وأنماطها فيما عدا عرض أساسي يميزها فسمي المرض متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد القاسي severe, acute, respiratory, syndrome واختصاراً سارس sars ولأن أكثر من 150 نوعا من الفيروسات تسبب أعراضا متداخلة مع هذا المرض بدرجة أو بأخرى، بما في ذلك الالتهاب الرئوي إلا ان المرض الجديد لم يستجب للاختبارات المعملية لتحديد نوعه من بين الفيروسات المعروفة.. من هنا فشلت كل الاختبارات للكشف عنه ومن ثم أطلق عليه الأطباء مصطلح «اللانمطي atypieal» لأنه لا يشبه أياً من فيروسات الالتهاب الرئوي المعروفة علاوة على تفوقه في معدل الإصابة morbidity ونسبة الوفيات mortality وباء الانفلونزا الآسيوية الذي قتل الملايين في وباء عالمي عام 1957 قد نشأ من هونج كونج، أما الأمر الثاني فهو ظهور أنواع من انفلونزا الدجاج أو الخنازير في عديد من بلدان جنوب شرقي آسيا سببت أمراضا في الإنسان. وهذا أمر عادي جدا يحدث لكثير من الفيروسات ان تتغير وتتبدل وتتراج مع بعضها وتتهجن في أي مكان في العالم فإن حدث هذا طبيعيا فيمكن التحقق من هذا التغيير وأصله وأسبابه ولا جريمة في ذلك وهو مألوف!!
أما بالنسبة لسارس فليس أصله الصين أو فيتنام أو هونج كونج إنما هذا هو الأرجح إنه فيروس جديد صنع بالهندسة الوراثية التي يمكنها أن تنتج فيروسات جديدة وغريبة وحسب الطلب ويرجع ذلك لأن مادتها الوراثية بسيطة ويسهل التحكم فيها وعمل كل التغييرات بالحذف والإضافة بل يمكن ان ينقل إليها جينات من مخلوقات أخرى بما فيها فيروسات لاتربطها بها أية صلة أو قرابة.فإذا كان فيروس سارس مصنعا بالهندسة الوراثية فيجب أن يطرح سؤال لماذا.. وما الهدف من صناعة فيروسات بهذا الدمار المفزع والجواب بسيط إنه سلاح جرثومي ولابد من تجربته على الواقع بعد ان تمت تجربته بنجاح على المزارع الخلوية وعلى حيوانات التجارب وربما أيضا على البشر كالسجناء مثلا..!!تمكن العلماء في كل من المانيا وفرنسا والصين وكندا وأمريكا من تصوير الفيروس في عينات من المرضى.وأظهرت الصور بالمجهر الالكتروني أنه فيروس ينتمي إلى فيروسات العائلة التاجية Coron&viridae حيث تخرج على سطحه زوائد منتفخة تشبه التاج أو قرص الشمس.
وبهذا تم تحديد هوية الفيروس المسبب للالتهاب الرئوي القاتل والغامض وأصبح المجهر الالكتروني وسيلة لتشخيص الفيروس لكنه غير متاح إلا في مستشفيات وجامعات قليلة واستخدامه للتشخيص ليس سهلا ولا سريعا لكن الملفت للنظر أن الاختبارات الأخرى التي أجريت لم تثبت تطابقه أو قرابته لأي نوع من الفيروسات التاجية التي تسبب أمراضا للإنسان أو الحيوان. وهذا دليل قوي على أنه فيروس جديد؟ وكان لابد من الدخول في أعماق الفيروس وتحليل مادته الوراثية التي هي المتحكم والمسيطر على سلوك الفيروس بما فيه من نوع وشراسة المرض الذي يسببه؟ فلجأ العلماء لمعرفة خباياه الوراثية.
مرض جديد:
إذن أصبح هذا الطاعون الجديد كابوسا مفزعا لشراسته الضارية القاتلة وسرعة انتشاره الرهيبة التي تفوق فيها على فيروس الانفلونزا عندما يسبب وبائيات عالمية pandemics لكن مايثير القلق حقا هو عدم وجود اختبار للكشف عنه ومن ثم فإن هذا يكلف الهيئات الطبية إجراء اختبارات مصلية على جميع الفيروسات المسببة للالتهاب الرئوي والرشح والزكام، ومن ثم فإن يظهر ايجابية مع أحدها فإنه عندئذ يعزى إلى الفيروس الجديد الغامض اللانمطي. وهذا النوع من الاختبارات السلبية تسمى طريقة الاستبعاد exclusicn أي طالما استبعدت الفيروسات الأخرى فإنه ولابد أن يكون الفيروس جديد..؟! فأي جديد هذا؟!!
إذ من المعروف ان العلماء والأطباء قد حصروا وعرفوا كل أنواع الأمراض بكل تفاصيلها.. ظهور هذا الفيروس يضعنا أمام احتمالات عديدة:
أولها: فيروس يصيب الحيوانات أو الطيور وقد تحور واكتسب قدرة على إصابة البشر.. وهذا الفرض خاطئ لأنه ثبت فيما بعد بأنه لايصيب أياً من الحيوانات أو الطيور أو ان هذه الفيروسات الحيوانية تشبه سارس.
ثانياً: إنه فيروس من فيروسات الالتهاب الرئوي التي تصيب الإنسان عادة ولكنها ازدادت في الشراسة والامراضية وقد أثبت العلماء أن هذا التحول في مقدرة الفيروس المرضية لم تحدث لأنه لايشبه أي نوع من الفيروسات المعروفة التي تسبب الرشح أو الزكام أو الالتهاب الرئوي.
ثالثاً: انه فيروس يصيب البشر أو الحيوانات ولكن حدثت في مادته الوراثية طفرة أو طفرات سببت هذا الانفلات في الوبائيات والشراسة والإماتة وواقع الحال ان مادته الوراثية التي كشف النقاب عنها يوم الاربعاء الموافق 16 ابريل الجاري قد ظهر انها فريدة في نوعها وتتابعتها والمورثات التي يحملها.
رابعاً: انه لا صلة على الاطلاق بين مكان ظهور هذا المرض، وأصل الفيروس المسبب له واستوجب هذا الأمر التوضيح لأنه قد سرى مفهوم مفاده ان الصين هي منشأ المرض لأن أولى الحالات قد سجلت في جنوب الصين ومنها انتقل إلى هونج كونج وفيتنام ثم فرنسا وكندا .. إلخ كما استندت هذه الدعوى على مغالطتين الأولى تعزى إلى أن كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا قد توصلتا لمعرفة التركيب الدقيق للمادة الوراثية لفيروس سارس والتي تتكون من شريط مفرد الخيط من الحامض النووي (د.ن.ا) أي آ.إن.إيه RNA وأنه قد تم عمل تحليل وتسلسل كامل للمادة الوراثية على شكل خريطة وراثية لكامل المورث «الجينوم» الفيروس وقد أظهرت هذه الخريطة الوراثية أنها تتطابق مع 70% مع المادة الوراثية للفيروسات التاجية وان نحو 30% منها تتشابه مع المادة الوراثية لفيروس الحصبة والغدة النكفية وان بها مناطق فريدة.
وقراءة هذه الخريطة الوراثية تظهر الحقائق التالية:
1- انه فيروس مصنع بالهندسة الوراثية.
2- مادته الوراثية هجين من أكثر من نوع من الفيروسات.
3- انه فيروس شديد التغيير والتطفر وغير مستقر وراثيا.
4- ان قدرته على الانتشار السريع ومقاومة الظروف البيئية وتواجده في الدم والبراز والافرازات التنفسية لا نظير لها في أي من الفيروسات التنفسية الأخرى بمافيها الفيروسات التاجية.
5- انه بناء على معرفة التركيب الوراثي فإن شركات عديدة منها شركة كندية وأخرى أمريكية وثالثة ألمانية، قد تمكنوا من عمل تقنيات تؤدي إلى صناعة اختبارات سريعة للكشف المباشر والسريع والدقيق على الإصابة بفيروس سارس مما سيمكن هذه الشركات من حصاد مليارات الدولارات كأرباح سريعة لنظراً لحاجة كل دول العالم لملايين الاختبارات اليومية للكشف عن الوباء الموجود بها أو لفحص المسافرين إلى كل أنحاء العالم.
6- ان التغيير المستمر في المادة الورواثية للفيروس ينعكس بالدرجة الأولى على التراكيب السطحية «الأشواك» الموجودة على سطح الفيروس والتي تلعب الدورالرئيسي سواء في إحداث الإصابة أو في عمل مناعة من الجسم ضد الفيروس بناء عليه فسيكون من الصعب جدا عمل لقاحات JACCINES تعطى للبشر لمكافحة المرض وحفز المناعة التي تمنع الفيروس من تأسيس الإصابة أصلا.
7- لن يتمكن العلماء في المنظور القريب من عمل أي دواء لعلاج المرض إذ قد يستغرق الأمر ما لا يقل عن 5-7 سنوات حتى يتم اختبار كل الأدوية والمضادات الفيروسية ثم تطبيق قواعد وكالة الأغذية والأدوية الأمريكية FDA لإقرار العلاج بأي دواء يكون فعالاً ضد سارس.
ماهي الأدلة على أن سارس سلاح جرثومي:
1- سرعة الانتشار الوبائي الذي تفوق فيه على فيروس الانفلونزا.
2- تعدد وسائل انتشاره في الهواء من الرذاذ التنفسي والكحة والعطس وفي الأماكن المغلقة الملوثة والأماكن المزدحمة والمستشفيات والاتصال الوثيق ومن الأدوات الملوثة وبالصراصير!!
3- وجود الفيروس في الافرازات التنفسية والدم والبراز.
4- قدرة الفيروس على مقاومة الظروف البيئية وهي خاصية يتفوق بها على كل الفيروسات التنفسية بما فيها فيروسات الانفلونزا والتاجية فيما عدا فيروسات الرشح.
5- انه يصيب كل الأعمار والأجناس وأن أغلب ضحاياه من متوسطي الأعمار.
6- ان الفيروس يصعب تشخيصه ومن ثم أيضا تتداخل أعراضه مع الأمراض التنفسية العادية التي لايلتفت إليها كثيرا لسرعة الشفاء منها وكثرة تكرارها.
7- ان الفيروس لا علاج له.
8- لايوجد أي لقاح متاح ضد المرض لاعطاء حصانة ووقاية ضد الإصابة.
9- انه يضعف المناعة ويقلل عدد خلايا الدم البيضاء.
10- إذا كان المرض قد استشرى طبيعيا بهذه الوبائية السريعة وأدى إلى كل هذه الوفيات فهذا مؤشر إلى ان استخدامه كسلاح جرثومي سوف يؤدي إلى نتيجة أقوى لأن تركيز الفيروس سيكون أكثر ومباشرا عندما ترشه المروحيات أو الطائرات أو ان يفجر بقاذفات الصواريخ.
كلمة أخيرة.. فإن الصين بريئة من هذا الميكروب بل هي ضحية شن حرب جرثومية وسائلها بسيطة جداً فتكفي رسالة محملة بالفيروس يحملها البريد مثل رسائل الجمرة الخبيثة التي انتشرت منذ عامين في أمريكا.. أو يكفي أن يذهب شخص حامل للمرض وهو في فترة الحضانة إلى مكان آخر فتظهر عليه الأعراض ومنه ينتشر المرض. أو بإحدى الرسائل المخابراتية حيث يكون الفيروس في زجاجة صغيرة يفرغها في أي مكان بالعالم إن الشيء اللافت للنظر هو تفجر هذا الوباء تزامنيا مع الحرب الأمريكية - البريطانية على العراق فهل ثمة علاقة.. إننا ما زلنا في توجس مخيف من هذا السارس وحيثما يوجد أو يكون!!
* كلية العلوم ص.ب 2455/جامعة الملك سعود /الرياض 11451
هاتف مكتب 4675829/فاكس 4675833/جوال 057968884
|