Thursday 8th may,2003 11179العدد الخميس 7 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شدو شدو
هل يفيد السابق لزمنه مجتمعه؟
د.فارس محمد الغزي

تقول (الأسطورة) التراثية حسبما أتذكرها إنه لما أنشد الشاعر المعري قصيدته التي من ضمنها بيته المشهور الذي نصه:
وإني وإن كنت الأخير زمانه
لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل
.. لما أنشد المعري ذلك انبرى له صبي بالقول بما معناه ان الأوائل قد أتوا بثمانية وعشرين حرفا فهل بمقدورك أن تزيد عليها حرفا واحدا فقط. فبادره المعري بالقول: هذا الصبي سبق عقلُه زمنّه.. وحينها سقط الطفل ميتا. والسؤال هنا: هل أن المجتمعات تستفيد في الغالب من عقول أفرادها السابقين لأزمانهم؟!.. قد تكون الإجابة على وجه العموم بالإيجاب، غير أن ذلك يتطلب (جماعية) في فهم حيثيات وسباقات السبق واتفاق على ذلك أما أن يكون السابق لزمنه فردا واحدا «فاليد الواحدة كما يقول المثل لا تصفق» حيث غالبا ما يكون نتاج ذلك سلبيا. فالمجتمع على وجه العموم نادرا ما يستفيد من فكر فرده الذي لا تتوافق زمنية أفكاره مع زمنية هذا المجتمع من حيث إن الموغلة تقهقرا أفكاره يعيق تقدم مجتمعه مثلما أن من تسبق أفكاره السياق أو الإطار الزمني المناسب لعقلية مجتمعه يضر مجتمعه أيضا. ومصدر هذه السلبية تتمثل فيما للاندفاع الطائش للأمام من مغبات ولما للقفز إلى ما وراء نطاق خبرات الحاضر من تبعات، وهنا لا يختلف (في الأضرار) السابق لزمنه والمتخلف عن زمنه من حيث ان كلا منهما يخلط أوراق سيرورة مجتمعه ويمزج أولوياته الهامشية بالجوهري منها الأمر الذي قد يتسبب في توهان هذا المجتمع عن وجهه سيره المحددة ويحرفه عن أهدافه المنشودة، ان السابق لزمنه مثل المستبق لأحداث زمانه الذي يستحلب مجهولا علمه فقط بيد الله سبحانه، ولنا في التجربة السوفيتية مثال على ذلك حيث لا احد يشك في حقيقة نبوغ قائد الثورة البلشفية (لينين) غير أنه وثلة من رفاقه قد سابقوا الزمن فسبقوا بذلك الزمنية المناسبة لخطى وعقلية مجتمعهم وقفزوا به من ثم خارج أطر تدريجية التقدم الطبيعي مما أدى بمجتمعهم إلى ما أودى به كما تشهد على ذلك أحداث تاريخنا المعاصر.
عليه يبدو أنه لا فرق في (التداعيات) بين تقرير المعري بأن عقل الصبي قد سبق زمنه والقطع بأن مجتمع هذا الصبي لم يفد في الحقيقة من سبق عقله لزمنه.. أما الدليل البدهي على ذلك فهو موت هذا الصبي في (الصبا) باكرا.. والسبب: سبق عقله لزمنه...!.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved